شُيّع جثمان وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار، السبت، بعد معاناة مع المرض عن 86 عاماً، ودُفن في مربع الشهداء بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة، المخصصة لشهداء الثورة والرؤساء السابقين، بحضور السلطات المدنية والعسكرية الجزائرية، وسط جدل متجدد بشأن إرث مرحلة "العشرية السوداء".
ونشرت الرئاسة الجزائرية، رسالة تعزية بعثها الرئيس عبد المجيد تبون إلى عائلة نزار جاء فيها أن "الفقيد كان من أبرز الشخصيات العسكرية، كرّس مشوار حياته الحافل بالتضحية والعطاء، خدمةً للوطن من مختلف المناصب والمسؤوليات التي تقلدها".
وولد خالد نزار في ديسمبر 1937، بقرية سريانة بمحافظة باتنة شرقي الجزائر، والتحق في عام 1950 بالمدرسة العسكرية الفرنسية "سان مكسان"، وانضم إلى الجيش الفرنسي عام 1956، ليخدم في ألمانيا، ثم التحق بعد ذلك بثورة التحرير الجزائرية عام 1957.
وبعد استقلال الجزائر عام 1962، شغل نزار منصب قائد المنطقة العسكرية 5 بقسنطينة شرق البلاد في 1982، ثم قائداً للقوات البرية، ونائباً لرئيس أركان الجيش عام 1987، ثم وزيراً للدفاع في الفترة (1990-1993)، بداية ما يعرف بـ"العشرية السوداء"، كما شغل منصب عضو المجلس الأعلى للدولة.
و"العشرية السوداء"، وصف يشير إلى الأزمة التي شهدتها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، والتي خلفت عشرات الآلاف من الضحايا ومئات المفقودين.
انقسام في الآراء
وعجت منصات التواصل الاجتماعي، بآراء عدد من الناشطين والصحافيين، والفاعلين السياسيين الذين عبروا عن مواقف متباينة تجاه واحدة من الشخصيات السياسية والعسكرية التي أثارت جدلاً في تاريخ الجزائر الحديث.
ولفت فريق من أنصار "التيار الوطني"، إلى الدور البارز الذي لعبه نزار خلال الثورة التحريرية ومشاركته الفعالة في حرب 1967 ضد إسرائيل، إلى جانب "مقاربته الأمنية الناجحة" حسب رأيهم في التصدي لموجة العنف التي اندلعت في البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي.
من جهة أخرى، انتقدت مجموعة من النشطاء والمدونين مسيرة وزير الدفاع الأسبق والقرارات المتخذة خلال عهده، والتي ساهمت حسب رأيهم في "تأجيج العنف".
الكاتب الصحافي نجيب بلحيمر، رأى في حديثه لـ"الشرق"، أن "هذه ليست المرة الأولى التي يعيد فيها الإعلان عن رحيل مسؤول سابق أو شخصية سياسية، الجدل حول الأحداث التي مزقت البلاد طيلة عقد التسعينيات".
وأضاف بلحيمر: "سواء تعلق الأمر بأولئك الذين تولوا مناصب في تلك الفترة، أو الوجوه السياسية التي لعبت دوراً فيها من إسلاميين، أو من تيارات أخرى، فإن الأحكام التي تصدر بخصوص أدوارهم تقف على طرفي نقيض".
نزار لم يتردّد خلال فترة تقاعده، في الدفاع عن نفسه وعن قيادات الجيش، بسبب القرارات التي اتخذها لما يصفه بـ"حماية الدولة من الانهيار"، لكنه ينفي في المقابل أن يكون قد أجبر الرئيس السابق الراحل الشاذلي بن جديد، على الاستقالة أو الزج بالبلاد في دوامة العنف المسلح فيما يعرف بـ"العشرية السوداء".
ويرى أنصار نزار أنه أحد القادة العسكريين الذين ساهموا في الحفاظ على الطابع الجمهوري للدولة ومكافحة الإرهاب، وهزم ما يصفونه بـ "الفكر الأصولي المتطرف". في حين ينتقد معارضوه سياساته خلال سنوات الأزمة الأمنية، ويوجهون له أصابع الاتهام بـ "تأجيج العنف".
وارتبط اسم اللواء المتقاعد بأحداث 5 أكتوبر 1988، التي استخدمت فيها السلطات الأمنية "القوة لقمع احتجاجات"، رفع خلالها الجزائريون مطالب بتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وبالعدالة الاجتماعية في أعقاب أزمة اقتصادية شهدتها الجزائر بعد انخفاض أسعار النفط، ما خلف نحو 160 ضحية وفق تقارير إعلامية، وهي الأحداث التي تنصَّل نزار من مسؤوليتها، وفق شهادات له بثتها وسائل إعلام جزائرية.
الكاتب الصحافي الجزائري محمد مسلم، الذي أجرى حوارات مطولة مع نزار، تناولت مواقفه من المحطات التي عاشتها الجزائر، قال لـ"الشرق" إن "نزار دافع دائماً عن القرارات التي اتخذها، وأبرزها "وقف المسار الانتخابي"، موضحاً أن "نزار يصف القرارات التي أخذها بالصعبة، وفعل ما أملاه عليه ضميره، ولو تكرر ما عاشه لأخذ نفس القرارات لإنقاذ الجمهورية من الجبهة الإسلامية"، على حد وصف نزار.
عودة إلى الواجهة
وزير الدفاع الأسبق، عاد من جديد إلى واجهة الأحداث السياسية في بداية الحراك الشعبي الذي شهدته البلاد عام 2019، ضد مساعي ترشيح الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، رغم وضعه الصحي.
وعقب استقالة الرئيس بوتفليقة تحت ضغط الشارع وقيادة أركان الجيش، غادر نزار إلى إسبانيا، وبعد فترة وجيزة أدانه القضاء العسكري غيابياً بالسجن لمدة 20 سنة، وصدرت في حقه مذكرة توقيف دولية من المحكمة العسكرية بعد إدانته بتهم "التآمر على الدولة" في القضية المعروفة بـ"الاجتماع المشبوه للتآمر على سلطة الجيش" التي حرّكتها رئاسة أركان الجيش.
وضمت هذه القضية قيادات مدنية وعسكرية بارزة في نهاية حكم الرئيس بوتفليقة، منها شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة، ومدير جهاز المخابرات الأسبق الفريق محمد مدين المعروف بـ"الجنرال توفيق"، إلى جانب خلفه اللواء بشير طرطاق.
وعاد نزار إلى الجزائر في ديسمبر 2020، عندما أوفدت الرئاسة الجزائرية طائرة خاصة أقلته من إسبانيا، حيث كان يقيم في أوج "جائحة كورونا"، وبالتزامن مع ذلك، قررت المحكمة العليا في البلاد نقض الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية، واستئناف المحاكمة بتشكيلة جديدة انتهت بتبرئة اللواء المتقاعد.
ومنذ تلك الفترة، توارى نزار المتقاعد عن الأنظار واختار "الصمت"، حتى إنه لم يحضر في 4 أغسطس 2022 مراسم تكريمه من قبل الرئيس تبون مع قيادات عسكرية بارزة أخرى، منها الفريق المتقاعد محمد مدين لـ"دواع صحية".
متاعب مع القضاء السويسري
وفي شهر أغسطس 2023، وجه القضاء السويسري لخالد نزار تهماً بـ"ارتكاب جرائم ضد الإنسانية" بشبهة موافقته على عمليات تعذيب خلال "العشرية السوداء" في الجزائر، بناء على شكوى قدمتها ضده منظمة "ترايل إنترناشيونال" غير الحكومية، التي تحارب الإفلات من العقاب على "جرائم الحرب"، وهي ليست المرة الأولى التي يواجه فيها هذه التهم من قبل القضاء السويسري.
وقابلت الخارجية الجزائرية هذا الإجراء، باحتجاج رسمي اعتبرت فيه أن "القضاء السويسري قدم باستخفاف شديد منبراً للإرهابيين وحلفائهم ومؤيديهم بغية محاولة تشويه سمعة الكفاح المشرف الذي خاضته الجزائر ضد الإرهاب"، محذرة من أن القضية "قد تجر العلاقات بين الجزائر وسويسرا إلى طريق غير مرغوب فيه وغير قابل للإصلاح".