انخفضت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المُسال الروسي بشكل طفيف العام الماضي 2023، بعد ارتفاعها بشكل كبير في عام 2022، بينما تتزايد الثقة في أن التكتل، يمكنه التخلّص من واردات الوقود الأحفوري من موسكو بشكل كامل، بحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وقالت الصحيفة البريطانية، الجمعة، إن صناع السياسة في بروكسل يعملون الآن على وضع اللمسات النهائية على تشريع سيسمح بموجبه للدول الأعضاء بحظر استيراد الغاز الروسي بشكل كامل عبر خطوط الأنابيب، وكذلك الغاز الطبيعي المُسال، بعد مرور عامين تقريباً على الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي دفع التكتل إلى التحرك للاستقلال عن روسيا في مجال الطاقة.
ويعتقد بعض التجار والمحللين ومسؤولي الاتحاد الأوروبي، أن التشريع يمكن أن يتيح خفضاً تدريجياً للواردات الروسية وصولاً إلى المنع الكامل، دون حدوث تأثيرات كبيرة على سوق الغاز الأوروبي، وذلك على الرغم من أن الاتحاد كان يحصل على ما يقرب من نصف إمداداته من موسكو قبل الحرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن ما وصفته بـ"تسليح الكرملين" لإمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، في الفترة التي سبقت غزو أوكرانيا في فبراير 2022، دفع عواصم الاتحاد الأوروبي إلى البحث عن بدائل، وتغطية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي المُسال من قبل الولايات المتحدة بشكل أساسي، ولكن من المفارقة أن ذلك أدى أيضاً إلى قفزة في واردات الغاز المستورد من موسكو، التي لا تزال واحدة من الدول المنتجة الكبرى.
ويمثل الغاز الطبيعي المُسال الروسي، وما تبقى من غاز خطوط الأنابيب الروسية 13% فقط من إجمالي إمدادات الكتلة العام الماضي، انخفاضاً من 40% في عام 2021، وفقاً لشركة S&P Global Commodity Insights.
وأظهرت بيانات من مجموعة بورصة لندن للأوراق المالية، أن واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المُسال من روسيا، بلغت 20.5 مليار متر مكعب في عام 2022، وهو ما يمثل قفزة بنسبة 30% مقارنةً بعام 2021، وقد شهدت هذه الواردات انخفاضاً طفيفاً العام الماضي، إذ بلغت 19.8 مليار متر مكعب.
"قواعد جديدة"
ونقلت "فاينانشيال تايمز" عن مفوضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كادري سيمسون، قولها، الشهر الماضي، إن "القواعد الجديدة التي تسمح للدول الأعضاء بحظر حجز كميات خاصة بها في خطوط أنابيب الغاز، ومحطات الغاز الطبيعي المُسال الموجودة داخل الكتلة، كانت طريقة مناسبة ومستهدفة لدول الاتحاد من أجل خفض الإمدادات الروسية".
فيما يقول مسؤولون بالاتحاد الأوروبي، إن القواعد يجب أن توفر أساساً لشركات التكتل لفسخ العقود مع مزودي الغاز الروس دون دفع تعويضات ضخمة.
في السياق، قال الباحث بمركز Bruegel للأبحاث ومقره بروكسل بِن ماكويليامز: "هناك الآن إمكانية كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي للتخلص من الطاقة الروسية، ودول الكتلة اتخذت إجراءات بالفعل مثل إضافة مصادر الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الغاز، وسيكون هناك المزيد من إمدادات الغاز الطبيعي المُسال غير الروسية المتاحة خلال العامين المقبلين، والتي يمكن للاتحاد الأوروبي استخدامها".
ووفقاً للصحيفة، يتناقض الوضع الحالي في الكتلة إلى حد كبير مع الوضع في 2022، عندما قيدت موسكو إمدادات خطوط الأنابيب أثناء غزوها لأوكرانيا، واضطر الاتحاد آنذاك إلى السعي للحصول على الغاز الطبيعي المُسال في السوق العالمية لتعويض الكميات المفقودة.
وبلغت أسعار عقود الغاز القياسية الأوروبية أكثر من 300 يورو لكل ميجاوات/ساعة في ذلك الوقت، في ذروة أزمة الطاقة، ولكن أسعار الغاز أصبحت الآن عُشر ما كانت عليه حينها، مع مستويات تخزين أعلى بشكل مريح من متوسط الخمس سنوات السابقة.
ضغوط على الأسعار
من جانبه قال مدير شركة Baringa Partners للاستشارات في لندن، بيتر طومسون، إنه في حال التخلص التدريجي من الغاز الطبيعي المُسال الروسي من أوروبا، فسيكون هناك بعض "الضغط التصاعدي" على سعر الغاز الأوروبي، محذراً من أنه "لا ينبغي أن يكون هناك تغيير كبير في الأسعار".
ورجحت الصحيفة أن وقف تدفقات خطوط الأنابيب بشكل كامل سيكون أمراً صعباً، إذ لا تزال العديد من الدول الأعضاء غير الساحلية في الاتحاد، وأبرزها المجر والنمسا، تعتمد بشكل كبير على الإمدادات الروسية.
وأضاف طومسون: "كيفية إيصال الغاز إلى تلك البلدان سؤال تصعب الإجابة عليه في الوقت الراهن، ولكن بمجرد إنشاء البنية التحتية مثل محطات استيراد الغاز الطبيعي المُسال المخطط لها في جميع أنحاء أوروبا سيكون من السهل الإجابة عليه".
وذكرت الصحيفة أن النمسا تحركت بالفعل لتنويع إمداداتها، إذ عقدت مجموعة الطاقة في البلاد OMV صفقة في نوفمبر الماضي مع شركة Cheniere Energy الأميركية لإنتاج الغاز الطبيعي المُسال، وبموجب الصفقة ستحصل على الغاز اعتباراً من عام 2029.
لكن المجر لم تتخذ أي خطوات لوقف الواردات الروسية، التي تمر عبر بلغاريا وأوكرانيا، ومن المقرر أن تنتهي اتفاقية عبور خطوط أنابيب الغاز بين موسكو وكييف نهاية هذا العام.
في المقابل، حذّر محللون من المخاطر التي تهدد أمن الإمدادات في أوروبا، وأحدها هو انتعاش الطلب على الغاز، إذ كان أحد عوامل انخفاض أسعاره ووفرته خلال الشهور الماضية هو الانخفاض الهائل في الطلب الذي شهدته الكتلة، مع توقف بعض المصانع عن العمل بسبب ارتفاع الأسعار.
وكان الطلب على الغاز في الاتحاد الأوروبي في طريقه للانخفاض بنسبة 7% في عام 2023 مقارنةً بالمستوى المنخفض بالفعل في عام 2022، وفقاً لبيانات "ستاندرد آند بورز".
ويقول مايكل ستوبارد، رئيس قطاع استراتيجيات الغاز العالمية في S&P Global Commodity Insights: "تشعر الحكومات وصناع السياسات براحة أكبر بشأن وضع الغاز، وهو ما أواصل الإشارة إلى أنه مجرد ارتياح زائف، فلا أعتقد أن لدينا فكرة جيدة عن مستوى توازن العرض والطلب".