اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي أن بلاده تقاتل "محوراً، وليس عدواً واحداً"، في الحرب التي تشنها على قطاع غزة منذ أشهر، معلناً أن جيش بلاده يتجه إلى "مرحلة جديدة من الحرب"، وهو ما اعتبره قيادي بحركة "حماس" دليلاً على التخبط داخل الجيش الإسرائيلي، مشدداً على أن إسرائيل لم تحقق أي من أهدافها في المراحل السابقة من الحرب على غزة، وأن حركته "مستعدة لمرحلة طويلة" من القتال.
وقال يوآف جالانت لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إن حجم وشدة الهجوم الذي شنته حركة "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر، "صدم بشدة إحساس الإسرائيليين بالأمن، وغير بشكل عميق الطريقة التي ينظرون بها إلى العالم من حولهم".
وأضاف جالانت، أن "7 أكتوبر، كان اليوم الأكثر دموية بالنسبة للشعب اليهودي منذ عام 1945. والعالم بحاجة إلى أن يفهم. هذا أمر مختلف".
وأشار إلى أن "خطورة التهديد تشكل الأساس لشراسة الرد الإسرائيلي، وعزمها ليس فقط على تدمير (حماس) المدعومة من إيران، بل على التصرف بقوة كافية لردع خصوم محتملين آخرين متحالفين مع طهران، بما في ذلك (حزب الله) في لبنان".
ودافع جالانت بشدة عن سلوك إسرائيل في الحرب، التي تدخل شهرها الرابع، وقدم تقييماً للمخاطر التي يقول إن بلاده تواجهها، ما يشير إلى "صراع محتمل طويل الأمد في غزة، وتحول دائم في موقف إسرائيل الدفاعي"، بحسب الصحيفة.
وتابع وزير الدفاع الإسرائيلي: "وجهة نظري الأساسية هي أننا نقاتل محوراً، وليس عدواً واحداً. إيران تبني قوتها العسكرية حول إسرائيل من أجل استخدامها".
عمليات خاصة
وقبل زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل، أشار جالانت إلى أن القوات الإسرائيلية ستتحول إلى ما سماه "مرحلة المناورة المكثفة في الحرب"، نحو "أنواع مختلفة من العمليات الخاصة".
لكن جالانت حذّر من أن الفصل التالي من الصراع "سيستمر لفترة أطول"، مشدداً على أن إسرائيل لن تتخلى عن أهدافها المتمثلة في تدمير "حماس"، "كقوة مقاتلة، وإنهاء سيطرتها على قطاع غزة، وتحرير الرهائن المتبقين".
بعد دعوات الأسبوع الماضي من قبل أعضاء اليمين المتطرف في ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لعودة المستوطنين اليهود إلى غزة، والاحتلال الإسرائيلي للقطاع، حدد مكتب جالانت رؤية ما بعد الحرب لحكم ذاتي فلسطيني، إلى جانب حرية الجيش الإسرائيلي في "التصرف ضد التهديدات الأمنية".
وفي رأي جالانت، ينبغي لقوة عمل متعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة، مع شركاء أوروبيين وشرق أوسطيين، أن تشرف على "إعادة تأهيل" غزة.
وأضاف: "نحن قريبون من المرحلة التالية في الشمال، بما في ذلك مدينة غزة"، حيث فرضت القوات الإسرائيلية سيطرتها إلى حد كبير، على الأقل فوق الأرض.
فيما يقول ضباط إسرائيليون، إنهم ما زالوا يعملون على تدمير شبكة كبيرة من الأنفاق تحت الأرض يستخدمها مقاتلو "حماس".
ولفتت الصحيفة إلى أنه مع تحرك القتال، الذي يتركز الآن في خان يونس جنوباً، سيعمل الجيش الإسرائيلي في ساحة معركة مزدحمة للغاية. ومعظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة مكدسين الآن في الطرف الجنوبي من القطاع، ما يزيد من خطر وقوع خسائر أكبر في صفوف المدنيين في القتال هناك.
وقال جالانت: "علينا أن نأخذ في الاعتبار، العدد الهائل من المدنيين"، موضحاً أن "التكتيكات العسكرية ستحتاج إلى تعديل.. سيستغرق الأمر بعض الوقت. لكننا لن نستسلم".
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين قولهم، إن "التحوّل إلى عمليات أقل كثافة سيكون تدريجياً، وسيحدث في أوقات مختلفة في أجزاء مختلفة من غزة".
فيما قال ضباط إسرائيليون، إن "المرحلة الأكثر حساسية" من القتال ستكون على الأرجح حول رفح، وهي مدينة في غزة تقع على حدود القطاع مع إسرائيل، تكتظ الآن بالنازحين بسبب القتال في أماكن أخرى.
تهديد لبنان بسيناريو غزة
وأشار جالانت إلى أن شاغله المباشر الآخر، هو الحدود الشمالية لإسرائيل، حيث نُشرت أعداد كبيرة من الجنود في حالة حدوث صراع مع "حزب الله". وأُجْلِيَ عشرات الآلاف من المدنيين الإسرائيليين من منازلهم في شمال البلاد.
ولفتت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة ودولاً أخرى شاركت في جهود دبلوماسية مكوكية، تهدف إلى التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل و"حزب الله". وتريد إسرائيل سحب جميع قوات "حزب الله" من المناطق الحدودية.
وقال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، الجمعة، إن مقاتلي الحزب، استهدفوا 48 موقعاً حدودياً إسرائيلياً منذ 7 أكتوبر. ويأتي ذلك بعد الغارة الإسرائيلية التي أودت بحياة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري، و6 من رفاقه، في بيروت، الأسبوع الماضي.
وقال جالانت إن "الأولوية ليست الدخول في حرب مع (حزب الله)، لكن ينبغي أن يتمكن 80 ألف شخص من العودة إلى منازلهم بأمان". وإذا لم يتم التفاوض بشأن اتفاق لجعل ذلك ممكناً، فإن إسرائيل لن تتراجع عن العمل العسكري".
وأضاف: "نحن على استعداد للتضحية. إنهم يرون ما يحدث في غزة. إنهم يعرفون أنه يمكننا استنساخ ذلك في بيروت".
واعتبر جالانت أن هجوم "حماس" في 7 أكتوبر يمثل "فشلاً كبيراً" في الردع، وأن المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن قادة "حماس" لم يتوقعوا أن تنفذ إسرائيل عملية برية واسعة النطاق رداً على ذلك.
وتابع: "لم يأخذوا الأمر على محمل الجد، حتى عندما دخلنا لأول مرة"، موضحاً أن "هدف إسرائيل النهائي هو إقناع أعدائها بأن أي هجوم مستقبلي سيؤدي إلى عواقب وخيمة".
وتساءل: "هل ينبغي السماح لحماس وحزب الله وإيران بأن يقرروا كيف نعيش حياتنا هنا في إسرائيل؟ هذا أمر لا نقبله".
مرحلة طويلة من الحرب
في المقابل علّق القيادي في حركة "حماس"، يوسف حمدان، على حديث جالانت عن الانتقال إلى مرحلة ثالثة من الحرب، بأنه "محاولة لبيع الوهم للمجتمع الإسرائيلي".
وقال لوكالة أنباء العالم العربي AWP، إن "جالانت يتحدث وكأن المرحلة الثانية أو حتى الأولى حققت أهدافها"، واصفاً تصريحاته بأنها "تأتي في سياق سلسلة من التصريحات التي تعكس حجم التخبط الذي يعانيه جيش الاحتلال".
وأضاف حمدان: "جالانت يعبّر عن الاختلاف داخل حكومة الاحتلال؛ لأنها لم تحقق أي أهداف على الأرض"، مشيراً إلى أن "الأهداف التي أعلنت عنها إسرائيل المتعلقة بإنهاء قوى المقاومة وإنهاء (حماس) واستعادة المحتجزين وفرض واقع ميداني جديد بالتهجير على شعبنا الفلسطيني، لم يتحقق أي شيء منها في المرحلة الأولى ولا المرحلة الثانية".
وتابع: "المرحلة الثالثة تبدأ على وقع قدرة المقاوم على إيلام العدو.. نتنياهو وجالانت و(وزير المالية بتسلئيل) سموتريتش و(وزير الأمن القومي إيتمار) بن جفير يواصلون الهروب إلى الأمام. لا يريدون إنهاء المعركة، ويريدون مواصلة ارتكاب المجازر في حق الشعب الفلسطيني دون تحقيق أي نتائج، لا عسكرية ولا سياسية ولا ميدانية".
وأشار حمدان، إلى أن "جالانت لا يزال يتخبط في غزة وفي (المحافظة) الوسطى، وفي خان يونس وكل محاور القتال. يبيع وهم الإنجاز للمجتمع الصهيوني.. لكن الحقيقة والصور تبثها المقاومة والوقائع على الأرض تثبت أنه لا يحقق أياً من أهدافه".
وأكد استعداد غزة لاحتمال مرحلة طويلة من الحرب "المقاومة أكدت في كل مرة أنها مستعدة لمواجهة العدو الصهيوني لفترات طويلة.. وهي تجيد هذه المعركة من حرب الشوارع ولديها القدرة على استنزاف العدو لفترات طويلة".
قلق أميركي من توسع الحرب
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية ذكرت في تقرير، الأحد، أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، أرسل كبار معاونيه إلى الشرق الأوسط لتحقيق هدف حاسم يتمثل في منع اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وجماعة "حزب الله" اللبناني.
كانت إسرائيل أوضحت أنها تعتبر استمرار تبادل إطلاق النار بين قواتها و"حزب الله" على طول الحدود أمراً لا يُمكن الدفاع عنه، وقالت إنها قد تشن عملية عسكرية كبيرة في لبنان قريباً.
وقال جالانت، الجمعة: "نحن نفضل طريق التسوية الدبلوماسية المتفق عليها، لكننا نقترب من النقطة التي ستنقلب فيها الساعة الرملية".
ويشعر مسؤولون أميركيون بالقلق من أن يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن توسيع نطاق القتال سيلعب دوراً محورياً في استمرار حياته السياسية، وسط انتقادات داخلية لفشل حكومته في منع هجوم 7 أكتوبر.
وقالت الصحيفة، إن الإدارة الأميركية، حذرت إسرائيل في محادثات خاصة من حدوث تصعيد كبير في لبنان. وخلص تقييم لوكالة استخبارات الدفاع DIA، إلى أن نجاح الجيش الإسرائيلي في القيام بذلك سيكون أمراً صعباً؛ لأن أصوله وموارده العسكرية ستُنْشَر بأعداد ضئيلة للغاية، وفقاً لشخصين مطلعين على النتائج.
وأجرت "واشنطن بوست" مقابلات مع أكثر من 10 مسؤولين في الإدارة ودبلوماسيين، تحدث بعضهم بشرط عدم كشف هوياتهم لمناقشة الوضع العسكري الحساس بين إسرائيل ولبنان.
وقال مسؤولون أميركيون، إن "حزب الله"، الذي يمتلك مقاتلين مدربين تدريباً جيداً وعشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف، ويُعد أحد الخصوم القدامى للولايات المتحدة، يريد تجنب حدوث تصعيد كبير، وإن زعيم الجماعة، حسن نصر الله، يسعى إلى الابتعاد عن الحرب.
وتعهد نصر الله، في خطاب، الجمعة الماضي، بـ"الرد على العدوان الإسرائيلي"، وألمح إلى أنه على استعداد لإجراء مفاوضات بشأن ترسيم الحدود مع إسرائيل.
ووصل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى إسرائيل، الاثنين، لمناقشة تدابير محددة لـ"تجنب التصعيد"، حسبما قال المتحدث باسم الوزارة، مات ميلر، قبل استقلال الطائرة متجهاً إلى الشرق الأوسط.
وقال ميلر: "ليس من مصلحة أحد، لا إسرائيل، ولا المنطقة، ولا العالم، أن يمتد هذا الصراع إلى خارج غزة"، لكن هذا الرأي ليس سائداً داخل الحكومة الإسرائيلية.
وقال مسؤولون أميركيون إن مسؤولين إسرائيليين بحثوا شن هجوم استباقي على "حزب الله" منذ الهجوم الذي شنته "حماس". وأضافوا أن هذا الأمر واجه معارضة أميركية مستمرة بسبب احتمال جر إيران، التي تدعم "حزب الله" و"حماس"، والقوات الوكيلة لها الأخرى إلى الصراع، ما قد يجبر الولايات المتحدة على الرد عسكرياً نيابة عن إسرائيل.