قال الأمير خالد بن بندر بن سلطان، سفير السعودية لدى بريطانيا، إن تطبيع بلاده للعلاقات مع إسرائيل "لن يتم دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة"، مشدداً في الوقت نفسه على أن المملكة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة.
وأوضح، في مقابلة مع راديو هيئة الإذاعة البريطانية BBC، أنه "بينما نواصل المضي قدماً حتى بعد 7 أكتوبر، نؤمن بالتطبيع لكن ليس على حساب الشعب الفلسطيني"، مشيراً إلى تعليق المفاوضات بشأن التطبيع.
ورداً على سؤال بشأن محادثات التطبيع خلال الفترة الحالية، ووجود اهتمام به في السعودية، قال الأمير خالد بن بندر: "بالتأكيد هناك اهتمام، قبول إسرائيل لفترة طويلة هو واقع يجب أن نتعايش معه، لكن لا يمكننا العيش مع إسرائيل بدون دولة فلسطينية".
تعليق المفاوضات
وبشأن استعداد السعودية لتعليق مفاوضات تطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى رؤية دولة فلسطينية، عبّر السفير السعودي عن اعتقاده بأن "التطبيع تم تعليقه بالفعل"، مضيفاً: "لا نحتاج إلى عدم الاعتراف بإسرائيل، لأننا لا نعترف بذلك".
وعن مدى إمكانية تغيير هذا الموقف، قال السفير السعودي: "كنا قريبين من التطبيع، وبالتالي قريبين من دولة فلسطينية، لا يأتي أحدهما دون الآخر".
وأوضح أن ما تمت مناقشته هو "تسلسل كيفية إدارته"، مبيناً أن "هذا الجزء من المناقشة ليس مع الأميركيين فحسب، بل مع الفلسطينيين أيضاً".
وأكد أن "هذه ليست خطة سلام سعودية إسرائيلية، هذه خطة فلسطينية إسرائيلية، تتعلق بأن بقاء كلا البلدين في المستقبل هو مجرد جزء من هذا".
وتابع: "في نهاية المطاف، مصلحة الشعب الفلسطيني هي الأهم، لأنه بدون دولة ذات سيادة مستقلة للفلسطينيين لن يكون هناك شيء مهم، لأنه لن يكون هناك حل طويل الأجل للصراع".
ورفض السفير السعودي في المملكة المتحدة اعتبار محادثات التطبيع بين السعودية وإسرائيل "سبب أحداث 7 أكتوبر"، مؤكداً أن الحدث كان له الكثير من الدوافع "ربما أهمها هو احتلال الأراضي الفلسطينية"، ولفت إلى أن "هذا الصراع يعود إلى ما يقرب من 100 عام".
مشكلة الحكومة الإسرائيلية
ورد السفير السعودي في بريطانيا، على سؤال بشأن ما إذا كان يرى أن "حماس" جزء من الحل، وجزء من دولة فلسطينية، قائلاً إن الأمر "يتطلب الكثير من التفكير، والكثير من العمل". وضرب مثالاً بما حدث في حل قضية إيرلندا، موضحاً: "إذا نظرت إلى إيرلندا الآن، فإنه تم الاعتراف بأكبر حزب في إيرلندا اليوم، بينما كان العديد من أعضائه مصنفين كإرهابيين قبل 40 عاماً".
ودار النزاع في إيرلندا الشمالية لثلاثة عقود بين الجمهوريين الكاثوليك المؤيدين لإعادة توحيد إيرلندا، والبروتستانت الوحدويين الداعين لإبقاء المنطقة تحت التاج البريطاني. وأودى النزاع بحياة نحو 3500 شخص، وانتهى باتفاق "الجمعة العظيمة" للسلام عام 1998.
وتابع: "عندما يكون هناك صراع، فإن أول شيء عليك أن تدركه هو أن كلا الجانبين قد خسرا، وعندما يخسر الطرفان، فأنت على استعداد لتقديم تنازلات. وإذا لم يكن هناك حل وسط ليس هناك حل".
وواصل: "المشكلة التي لدينا اليوم مع الحكومة (الإسرائيلية) هي أن لديها منظوراً مطلقاً متطرفاً لا يعمل على تحقيق التسوية، وبالتالي لا تعمل إطلاقاً على حل الصراع، مؤكداً أن السعودية لا تتحدث مع الحكومة الإسرائيلية، وأن "الأميركيين يتحدثون معهم".
وأشار إلى ما ذكره السفير الفلسطيني في المملكة المتحدة، حسام زملط، بأن "المشكلة ليست في الأرض المحتلة التي يحتلها المستوطنون، بل أن المستوطنين احتلوا الآن الحكومة الإسرائيلية".
وقال إن "بعض الوزراء الإسرائيليين الذين اعتقدنا أنهم أكثر عقلانية، يقولون أشياءً لو قالها أي مسؤول حكومي آخر في أي حكومة أو أي دولة أخرى، فإنه لن يتعرض للانتقاد فحسب، بل سيتم إدانته بشدة، وفي معظم الحكومات المعقولة، سيُطلب منه مغادرة الحكومة".
وشدد الأمير خالد بن بندر، على أن السعودية تريد وقف إطلاق النار في غزة.
مستقبل غزة
ورداً على سؤال بشأن استعداد السعودية للمشاركة في إدارة غزة، قال السفير: "ليس لدينا حل فوري ومثالي، فنحن عالقون في حالة لم يتفق فيها المجتمع الدولي بعد بشكل عام على وقف إطلاق النار، وحتى نتمكن من جعل الجميع يعمل معاً على وقف إطلاق النار، سيكون الأمر صعباً لتحديد ما هي الطريقة".
وعبّر سفير السعودية عن اعتقاده بأنه "يجب أن يكون هناك شيء ما في غزة"، موضحاً أن "السلطة الفلسطينية لديها الكثير من الموارد التي كانت في جعبتها بشكل يمكنها من التحرك، ولكن من المؤكد تقريباً أن الأمر سيتطلب مشاركة دولية".
وتساءل الأمير خالد بن بندر: "كيف يتم ذلك؟ ومن أين يأتي؟ يجب أن يحدث ذلك في نقاش مع الفلسطينيين والمجتمع الدولي، وبلا شك لا يمكنك الاستغناء عن قبول الإسرائيليين، لذا فإن نقطة التوقف الكبرى هي بالنسبة لإسرائيل، وليس لأي طرف آخر".
عنف إسرائيلي غير مسبوق
ونبه سفير السعودية في المملكة المتحدة إلى أن "التطرف مصدر قلق للجميع، وليس بالنسبة لنا فقط"، مرجعاً السبب إلى "المستوى غير المسبوق من العنف الذي تم تنفيذه على كلا الجانبين، ولكن على وجه الخصوص؛ مما يفترض بها أن تكون دولة مسؤولة وهي إسرائيل، حيث أنه على مدى 3 أشهر، لا أعتقد أنني رأيت شيئاً كهذا في حياتي".
وأوضح: "أكثر من 85% من سكان غزة نزحوا ليس مرة واحدة فقط، بل عدة مرات، وهذا يعني أنه بمجرد انتقالهم إلى مكان آمن، كان عليهم الانتقال مرة أخرى. أكثر من 20 ألف شخص قتلوا، أكثر من 10 آلاف طفل قتلوا وشوهوا وجرحوا، الأرقام مؤسفة تماماً، لا أعتقد أننا رأينا هذا الصراع بالتأكيد في الذاكرة الحديثة".
ولفت إلى أن ذلك "سيخلق نقصاً في الأمل، ليس فقط بين الشعب الفلسطيني، ولكن هذا التأثير الذي يراه كل أطياف الناس في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا، وفي الجزائر ومصر والأردن والسعودية وماليزيا، جميعهم يرون فشل الإنسانية وما يحدث، لأنه لا أحد فعل أي شيء لوقفه".
وأشار إلى أن جهود العالم لوقف الصراع الدائر ليست كافية، حيث أنه "لديك حكومة إسرائيلية تتحدث عن مجرد إنهاء المرحلة الأولى من عملياتها".
وتساءل الأمير خالد بن بندر: "كم من الناس يجب أن يموتوا قبل أن نصل إلى أي طريق آخر؟".
"غض الطرف" تجاه إسرائيل
وعبّر السفير السعودي عن رغبته في رؤية المملكة المتحدة "تخفف موقفها أكثر"، وأضاف أن ما يود رؤيته، ليس فقط من بريطانيا ولكن من العالم، هو معاملة إسرائيل بنفس الطريقة التي تعامل بها الجميع، موضحاً: "لو فعل أي شخص آخر ما يفعله هؤلاء اليوم لرأيتهم معزولين عن المجتمع الدولي، ولرأيت أشخاصاً يتحدثون عن العقوبات، ولرأيت كل أنواع الأشياء".
وتابع الأمير خالد بن بندر: "لا أرى أن هذا السلوك عادل وبه أخلاق. غض الطرف تجاه إسرائيل هي مشكلة حقيقية، لن نجد العدالة للفلسطينيين إذا لم نجد العدالة مع الإسرائيليين، ومن الصعب على أي شخص لديه أي حس أن ينظر إلى ما يحدث ويقول إنه مبرر".
وفي وقت سابق، الاثنين، استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في المخيم الشتوي بمدينة العلا شمال غرب المملكة.
وأكد ولي العهد السعودي، لبلينكن خلال اللقاء "أهمية وقف العمليات العسكرية في غزة، وتكثيف المزيد من الجهود على الصعيد الإنساني، والعمل على تهيئة الظروف لعودة الاستقرار واستعادة مسار السلام بما يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وتحقيق السلام العادل والدائم"، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس".
وقالت الوكالة إنه جرى خلال اللقاء "تبادل الآراء حول تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة تجاهها بما يحقق الأمن والاستقرار، خاصة مستجدات الأحداث في غزة ومحيطها والمساعي بشأنها"، وكذلك، استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين السعودية والولايات المتحدة، و"مجالات التعاون المشترك وسبل تطويره بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين".
بدوره، قال بلينكن الذي زار السعودية في إطار جولة إقليمية، في كلمة من أمام طائرته قبيل مغادرته مطار العلا الدولي، متوجهاً إلى إسرائيل، إنه وجد الزعماء في الشرق الأوسط عازمين على منع اتساع الصراع، وإنه سيبلغ إسرائيل بما سمعه خلال جولته بالمنطقة، وسيضغط على إسرائيل لفعل المزيد لحماية المدنيين، وسيتحدث عن "رؤيتنا للمستقبل، وأثق بوجود مسار مستقبلي سيحقق السلام والأمن لإسرائيل".