جنوب إفريقيا أمام العدل الدولية: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة ولا مبرر لأفعالها

بريتوريا: الخبراء يتوقعون ضحايا للجوع والمرض أكثر من الأعمال العسكرية

time reading iconدقائق القراءة - 12
قضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي خلال جلسة الاستماع في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل لـ"ارتكابها الإبادة الجماعية" في غزة. 11 يناير 2024 - AFP
قضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي خلال جلسة الاستماع في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل لـ"ارتكابها الإبادة الجماعية" في غزة. 11 يناير 2024 - AFP
دبي/ لاهاي -الشرقوكالات

قالت جنوب إفريقيا، الخميس، إن إسرائيل "تمارس أعمال فصل عنصري وإبادة جماعية تجاه الفلسطينيين في غزة"، وإنه "لا مبرر لأفعالها"، وذلك في افتتاح جلسات الاستماع الخاصة بالدعوى القضائية التي أقامتها ضد إسرائيل، أمام محكمة العدل الدولية، بشأن ارتكاب الأخيرة، لأعمال إبادة جماعية في حق الفلسطينيين بقطاع غزة.

وقال محامو جنوب إفريقيا، خلال المرافعات الافتتاحية، إن الحرب التي تشنها إسرائيل حالياً على قطاع غزة هي جزء من "قمع مستمر منذ عقود" تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وقتلت إسرائيل، منذ 7 أكتوبر أكثر من 23 ألف شخص، أغلبهم من الأطفال والنساء، وحوّلت معظم قطاع غزة إلى ركام، ودفعت أغلب سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى النزوح، محدثة كارثة إنسانية. وتصف الأمم المتحدة القطاع بأنه "غير صالح للحياة حالياً"، وأنه "أصبح مقبرة للأطفال".

وفي شكوى تقع في 84 صفحة رُفعت إلى محكمة العدل الدولية التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، تحث جنوب إفريقيا القضاة على إصدار أمر عاجل لإسرائيل بـ"تعليق فوري لعملياتها العسكرية" في قطاع غزة.

وقال رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامابوسا، إن بلاده اضطرت لإقامة هذه الدعوى بسبب "القتل المستمر لسكان غزة"، وبدافع من تاريخ الفصل العنصري في بلاده.

"لا تبرير لانتهاك إسرائيل اتفاقية منع الإبادة"

واتهمت بريتوريا في جلسة الخميس، إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وقال وزير العدل في جنوب إفريقيا رونالد لامولا أمام المحكمة: "لا يمكن لأي هجوم مسلّح على أراضي دولة مهما كانت خطورته (...) أن يقدّم أي تبرير لانتهاكات اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948".

وقدمت محامية جنوب إفريقيا عديلة حسيم، العديد من الحجج أمام المحكمة، لإثبات أن إسرائيل "ترتكب فعلاً أعمال إبادة جماعية" خلال حربها على غزة.

وقالت عديلة حسيم، التي كانت تعرض صوراً لمقابر جماعية، إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة دفعت الفلسطينيين إلى "حافة المجاعة"، مشددة على أن الوضع بلغ حداً "بات فيه خبراء يتوقعون أن يموت عدد أكبر من الناس جراء الجوع والمرض"، بشكل يفوق الأعمال العسكرية المباشرة.

وأضافت: "تؤكد جنوب إفريقيا أن إسرائيل اخترقت المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، من خلال اقتراف أفعال تندرج تحت تعريف الإبادة الجماعية".

وتابعت: "الفلسطينيون في غزة يُقتلون بالأسلحة والقنابل الإسرائيلية من الجو والبر والبحر. كما أنهم معرّضون لخطر الموت المباشر بسبب المجاعة والمرض، بسبب تدمير المدن الفلسطينية، ومحدودية المساعدات المسموح بدخولها، واستحالة توزيع المساعدات مع سقوط القنابل"، "هذا يجعل الحياة مستحيلة".

South Africa's Minister of Justice Ronald Lamola and the delegation stand as judges at the International Court of Justice (ICJ) hear a request for emergency measures by South Africa, who asked the court to order Israel to stop its military actions in Gaza and to desist from what South Africa says are genocidal acts committed against Palestinians during the war with Hamas in Gaza, in The Hague, Netherlands, January 11, 2024. REUTERS/Thilo Schmuelgenوفدا جنوب إفريقيا وإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. 11 يناير 2024 - Reuters

"نية الإبادة الجماعية لدى إسرائيل"

وأردفت عديلة حسيم خلال مرافعتها بالقول: "تشكل كل هذه الأفعال، منفردة وجماعية، نمطاً محسوباً من السلوك، من جانب إسرائيل، يشير إلى نية الإبادة الجماعية. وتتجلى هذه النية في استهداف إسرائيل للفلسطينيين الذين يعيشون في غزة باستخدام الأسلحة التي تسبب دماراً قاتلاً على نطاق واسع، فضلاً عن القنص المستهدف للمدنيين".

وعرضت المحامية، عناصر عدّة للتدليل في مرافعتها على ارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية في غزة، من بينها "تحديد مناطق آمنة للفلسطينيين للجوء إليها، ومن ثم قصفها"، و"حرمان الفلسطينيين في غزة من الاحتياجات الأساسية، من الغذاء والماء والرعاية الصحية والوقود والصرف الصحي والاتصالات"، و"تدمير البنية التحتية الاجتماعية والمنازل والمدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات"، إضافة إلى "القتل المباشر".

وقال  المحامي بالمحكمة العليا في جنوب إفريقيا تيمبيكا نجكوكايتوبي، للمحكمة في لاهاي إن "إسرائيل توافرت لديها نية الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة.. إن نية تدمير غزة تمت رعايتها على أعلى مستوى في الدولة".

وأضاف أن "حجم الدمار في غزة، واستهداف منازل العائلات والمدنيين، وقتل الأطفال، كلها توضح أن نية الإبادة الجماعية في موضع التنفيذ"، مؤكداً أن "القصد الواضح هو تدمير حياة الفلسطينيين".

وذكر أن "السمة التي تميز هذه القضية، هي تكرار خطاب الإبادة الجماعية على كل مستويات الدولة في إسرائيل".

وجنوب إفريقيا وإسرائيل من الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي تم الإعلان عليها في عام 1948 رداً على "مجازر الإبادة في حق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية".

وتسعى جنوب إفريقيا إلى أن تفرض محكمة العدل "إجراءات مؤقتة"، وهي أوامر قضائية عاجلة تطبّق فيما تنظر في جوهر القضية الأمر الذي قد يستغرق سنوات. وشددت بريتوريا على أن "الظروف لا يمكن أن تكون أكثر إلحاحاً"، معتبرة أن "إسرائيل تشن حملة عسكرية على قدر خاص من الضراوة".

وتطالب جنوب إفريقيا أيضاً بتعويضات لإعادة بناء غزة وعودة النازحين الفلسطينيين.

انتقادات إسرائيلية لجنوب إفريقيا

ووجهت الحكومة الإسرائيلية انتقادات لجنوب إفريقيا، ووصفتها بأنها "الذراع القانونية لحركة حماس"، بعد رفعها للدعوة أمام محكمة العدل الدولية. 

وهاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بريتوريا، وقال إن "صراخ نفاق جنوب إفريقيا يصل إلى السماء. رأينا اليوم عالماً مقلوباً رأساً على عقب، نحارب الإرهابيين ونحارب الأكاذيب".

وأضاف نتنياهو أن إسرائيل "ستواصل الحفاظ على حقها في الدفاع عن النفس، وتأمين مستقبلنا حتى النصر الكامل" في إشارة إلى استمرار حربها في غزة التي قتلت أكثر من 23 ألف شخص أغلبهم من الأطفال والنساء.

وتابع متسائلاً: "أين كانت جنوب إفريقيا عندما قتل شركاء حماس وشردوا الملايين في سوريا واليمن".

وأصدرت الخارجية الإسرائيلية بياناً قالت فيه "إننا شهدنا اليوم أحد أعظم مظاهر النفاق في التاريخ وسلسلة من الادعاءات الباطلة والكاذبة".

وزعمت الخارجية الإسرائيلية أن "جنوب إفريقيا هي الذراع القانونية لمنظمة حماس، وشوهت الواقع في غزة منذ هجوم 7 أكتوبر". وقالت إنها "تجاهلت حقيقة أن الإرهابيين تسللوا إلى إسرائيل، وقتلوا وأعدموا واختطفوا مدنيين إسرائيليين، لمجرد أنهم إسرائيليون، في محاولة للإبادة الجماعية".

وكررت الخارجية الإسرائيلية مزاعمها بأن "حماس تستخدم السكان المدنيين في غزة كدروع بشرية، وتعمل من المستشفيات والمدارس وملاجئ الأمم المتحدة والمساجد والكنائس بقصد تعريض حياة سكان غزة للخطر".

وتنفي "حماس" هذه المزاعم، كما أن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا تشير إلى أن إسرائيل قصفت المناطق التي قالت إنها آمنة، بالإضافة إلى استهداف سيارات الإسعاف والمستشفيات.

وأرسلت إسرائيل فريقاً قانونياً للدفاع عن نفسها، وستخاطب المحكمة، الجمعة. وستحاول تركيز اهتمام المحكمة على هجمات السابع من أكتوبر، عندما اقتحم مقاتلو "حماس" عدة بلدات إسرائيلية، وقتلوا نحو 1200 شخص، واحتجزوا 250 آخرين، تم إطلاق سراح نصفهم تقريباً.

ومن المرجح أن يستغرق اتخاذ قرار بشأن "التدابير المؤقتة لوقف الحرب" الذي طالبت به جنوب إفريقيا، عدة أسابيع، فيما من المرجح أن تستمر القضية لسنوات من أجل إثبات تهم الإبادة الجماعية.

وعلى الرغم من أن نتائج المحكمة تعتبر ملزمة، إلا أنه من غير الواضح إذا كانت إسرائيل ستستجيب لأي أمر بوقف القتال. وإذا لم تفعل ذلك، فقد تواجه عقوبات من الأمم المتحدة، على الرغم من أن هذه العقوبات قد يتم حظرها باستخدام حق النقض (الفيتو) الأميركي.

حشود أمام محكمة العدل الدولية

وتجمعت حشود كبيرة خارج مبنى محكمة العدل الدولية في لاهاي، نظمتها جماعات مؤيدة للفلسطينيين، كما حضر مؤيدون لإسرائيل أيضاً.

وفصلت شرطة مكافحة الشغب الهولندية بين المجموعتين طوال فترة الصباح، ولم تذكر تقارير أي حوادث خطيرة.

وقالت امرأة تُدعى نهال الميس لوكالة "رويترز"، إنها جاءت لدعم الشعب الفلسطيني أملاً في أن "يحصلوا على العدالة في نهاية المطاف، هناك إبادة جماعية تُرتكب".

وقالت المحتجة الهولندية المؤيدة للفلسطينيين سارة جالي: "يحدوني أمل أن يحدث ما لم يتحقق حتى الآن، وهو وقف دائم لإطلاق النار". وأضافت أن هناك حاجة "إلى ممر آمن لمرور المساعدات الإنسانية، حتى لا تتفاقم (أزمة غزة) بسبب خطر انتشار العدوى والأوبئة والافتقار إلى الكهرباء والغذاء".

من جهتها، أشادت تيرانا حسن المديرة التنفيذية لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" بدور جنوب إفريقيا لإحالة الحرب الإسرائيلية على غزة إلى محكمة العدل التابعة للأمم المتحدة، وقالت إن "المجتمع الدولي سيكون مسؤولاً عن ضمان امتثال إسرائيل لأي قرار قضائي".

وأضافت تيرانا حسن لـ"رويترز" أن "جنوب إفريقيا تقدم قيادة مهمة هنا. إنها تستغل هذه الفرصة المهمة حقاً". ومضت تقول: "إذا لم تمتثل إسرائيل لإجراءات أو أوامر المحكمة، فحينها سيتعين على المجتمع الدولي أن يضمن ممارسة أي ضغط ممكن لدفع إسرائيل نحو تنفيذ الإجراءات فعلياً".

وأصدرت "هيومن رايتس ووتش"، الخميس، تقريرها العالمي الذي يرصد الانتهاكات في جميع أنحاء العالم. واتهمت المنظمة إسرائيل باستخدام تجويع المدنيين وسيلة للحرب في قطاع غزة، وهو ما يشكل جريمة حرب.

وأشارت تيرانا حسن إلى أنه "في خضم هذه الحرب، ما شهدناه هو انتهاكات منتظمة وصارخة للقانون الإنساني الدولي... استطعنا توثيق عناصر هذه الجريمة... جريمة التجويع".

تصنيفات

قصص قد تهمك