100 يوم من حرب غزة.. حلول دبلوماسية تعطلت وغموض يكتنف "اليوم التالي"

time reading iconدقائق القراءة - 13
مخيمات النازحين الفلسطينيين الفارين من القصف الإسرائيلي المتواصل في رفح جنوبي قطاع غزة. 31 ديسمبر 2023 - Getty Images
مخيمات النازحين الفلسطينيين الفارين من القصف الإسرائيلي المتواصل في رفح جنوبي قطاع غزة. 31 ديسمبر 2023 - Getty Images
دبي -مشعل النفيعي

100 يوم مرت على الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وما زال الفلسطينيون يحاولون سبر أغوار مستقبل القطاع عبر نقاش لا ينقطع، وسط تعطل المساعي الدبلوماسية لإنهاء الصراع، والغموض الذي يكتنف سؤال "اليوم التالي" للحرب.

ومنذ بداية أزمة غزة، كان الجدل سيد الموقف فلسطينياً وعربياً وعالمياً بشأن قدرة حركة "حماس" العسكرية على مواجهة الحرب المحتدمة التي تشنّها إسرائيل ضد القطاع القائم على مدينة كاملة من الأنفاق التي أنشأتها الحركة منذ سنوات طويلة.

كذلك طغى سؤال "اليوم التالي للحرب" على ما عداه، وسط مقترحات غربية بعودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة غزة جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية، وصولاً إلى "الدولة المنتظرة".

أهداف لم تتحقق

ورغم مرور 100 من الحرب، رأى الكاتب والباحث الفلسطيني سعيد زيداني، أن إسرائيل "لم تحقق حتى الآن، الهدف المعلن المتمثل في تفكيك المقاومة الفلسطينية، وتقويض حكم وقدرات (حماس) العسكرية"، مستبعداً إمكانية نجاح تل أبيب في تحقيق ذلك.

وتوقع زيداني في تصريحات لـ"الشرق"، أن "تغيّر (حماس) شكل المقاومة في القطاع، فبدلاً من أن تطلق صواريخ، أو تستخدم أسلحة ثقيلة في البر، أو في البحر أحياناً، قد تنفذ شكلاً من أشكال حرب العصابات ضد القوات الإسرائيلية".

ويتعامل الجيش الإسرائيلي بكثير من الحذر مع هجومه البري الذي شمل مناطق محددة وقريبة من السياج الفاصل مع قطاع غزة، خاصة أن طريقه لم يكن ممهداً وسهلاً في ضوء البنية العسكرية التحتية لـ"حماس"، المتمثلة في شبكة معقدة من الأنفاق تمتد لمئات من الكيلومترات.

واستهدف الجيش الإسرائيلي ببطء، ولكن بشكل منهجي خط إنتاج الأسلحة المنظم الذي طورته "حماس" على مدى السنوات الـ15 الماضية، والتي تمتعت خلالها بـ"ملاذ آمن" في قطاع غزة، بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

واعتبر رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل الفلسطينية، بلال الشوبكي، أن الوقت في صالح الحركة ما دامت مستمرة في عملية "تصنيع الذخائر داخلياً"، و"إدارة الذخيرة والاقتصاد في استخدامها"، مشيراً إلى أن "هذا ما شهدناه في مسألة إطلاق الصواريخ، واعتماد الكمائن بدلاً من المواجهة المفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة".

وهاجمت "حماس" بشكل متكرر، الجيش الإسرائيلي، بعدة طرق ووسائل عسكرية منها الطائرات المسيرة المفخخة، والصواريخ المضادة للدبابات، والصواريخ عالية الفعالية.

وتسعى إسرائيل التي أعلنت قتل ما لا يقل عن 8 آلاف من مقاتلي الفصائل الفلسطينية خلال عملياتها العسكرية إلى تحقيق 3 أهدف تتمثل في "القضاء على حماس"، و"إعادة جميع الأسرى"، و"ضمان ألا تشكل غزة مرة أخرى، تهديداً على إسرائيل"، بحسب ما ذكره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لكن "حماس" ترهن مسألة عودة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، بأمرين أولاً: "الوقف الكلي للحرب"، و"الإفراج عن كافة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية".

وقال الكاتب والباحث الفلسطيني سعيد زيداني، إن "إسرائيل مصممة على إتمام عملياتها في غزة حتى النصر الكامل والقاطع، وهذا في رأيي هدف غير قابل للتحقق"، مضيفاً أنه حتى لو قالت تل أبيب إنها "قضت على قدرات (حماس) الصاروخية، واحتلت القطاع بالكامل، فإن المقاومة ستستمر".

نمط جديد للحرب

ويشكك الخبراء في قدرة إسرائيل على القضاء التام على الحركة التي تسيطر على غزة منذ عام 2007، فيما لا تزال تل أبيب تؤكد التزامها بتفكيك مشروع حكم "حماس" في القطاع، لكن معهد واشنطن توقع أنه "في حال فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق هذا الهدف، فلن تشكل الحركة مع نهاية هذه الحرب سوى جزء صغير من التهديد الذي كانت تمثله سابقاً".

وفي سؤال عن مدى قدرة "حماس" على الصمود أمام الهجوم الإسرائيلي المحتدم، أشار الشوبكي في تصريحاته لـ"الشرق"، إلى أن الحركة "تدير هذه المواجهة بنمط مختلف، لا يستنفد كل مقدراتها العسكرية، إذ سبق أن نشرت فيديو قبل أسابيع تشير فيه إلى أن عمليات التصنيع تتم داخل قطاع غزة لجزء من ذخيرتها؛ وبالتالي ربما هذا يعطيها مزيداً من الوقت".

وتطرق رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل بلال الشوبكي، إلى مسألة "الصمود السياسي" لحركة "حماس"، قائلاً: إن "الحركة لديها امتداد على المستوى الجماهيري، وبالتالي حتى لو قُوضت بنيتها العسكرية، فهذا لا يعني انتهاءها"، لافتاً إلى أن ذلك "يعني تغير شكل المقاومة الفلسطينية من نمط إلى آخر".

ورأى الوزير السابق والسياسي الفلسطيني أشرف العجرمي، أن "(حماس) من الناحية العسكرية لا تستطيع الصمود لفترة طويلة أي بضعة أشهر"، لكنه تساءل: "هل لإسرائيل هذا الوقت الكافي الذي تستطيع فيه قضم القدرات والبنية التحتية للحركة إلى ما لا نهاية".

"مواقف متشددة"

واعتبر العجرمي في تصريحات لـ"الشرق"، أن "إسرائيل في ورطة حقيقية إذ أن الوقت أمامها أصبح ضيقاً للغاية، ولا يمكنها أن تنتصر وتقضي على (حماس) بالكامل خلال فترة محدودة مربوطة بأشهر قليلة كما تخصص لها الإدارة الأميركية والعالم".

وبالتوازي مع التطورات الميدانية في غزة، أبدى الطرفان المتصارعان مؤخراً مواقف متشددة إزاء فكرة العودة إلى التفاوض، إذ اشترطت إسرائيل إطلاق سراح كل المحتجزين لدى "حماس"، فيما شددت الأخيرة على أنها لن تدخل في مفاوضات جديدة "إلا إذا أوقفت إسرائيل عدوانها بشكل تام، وانسحبت قواتها من كامل قطاع غزة".

وتقود كلا من مصر وقطر، حراكاً دبلوماسياً من أجل دفع هذه الجهود نحو إنهاء الحرب على قطاع غزة، والتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل و"حماس" على مراحل تتضمن هدنة في القطاع، مقابل السماح بالإفراج عن محتجزين بين الجانبين، لكن هذه الجهود تأثرت بعد اغتيال القيادي في "حماس" صالح العاروري في العاصمة اللبنانية بيروت.

وتوقع بلال الشوبكي أن تؤدي الصفقة الجديدة المنتظرة، إلى "وقف كامل لإطلاق النار، لأن موقف الفصائل الفلسطينية واضح وهو أنه لا يمكن القبول بصفقة تبادل للأسرى إلا على أرضية وقف إطلاق النار".

ورجح رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، أن يجلس جميع الأطراف على "طاولة المفاوضات من أجل إنهاء هذه الأزمة"، لكنه لفت إلى "محاولة إسرائيل تعظيم خسائر (حماس) بحيث تصبح مطالبها في المفاوضات مرتبطة فقط بوقف إطلاق النار، دون أن يمتد ذلك إلى أمور أخرى، مثل مرحلة ما بعد الحرب أو اشتراطات قاسية جداً فيما يتعلق بالأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم ضمن هذه الصفقة".

ولا يزال هناك أكثر من 136 أسيراً إسرائيلياً محتجزاً في غزة منذ الهجوم على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، الذي أسفر عن قتل 1200 إسرائيلي، واقتياد الفصائل الفلسطينية لأكثر من 240 أسيراً إلى قطاع غزة، وفقاً للبيانات الإسرائيلية التي تتضارب.

خيارات محدودة

ورأى العجرمي، أنه "‏لا يوجد أمام إسرائيل أي خيارات لتحرير محتجزيها في قطاع غزة، دون التوصل إلى صفقة مع (حماس) والفصائل الفلسطينية"، مشيراً إلى "عدم نجاح" الضغط العسكري المكثف على الفصائل الفلسطينية لتحقيق هدف تحرير المحتجزين.

وتوقع الوزير الفلسطيني السابق، أن يتوصل الطرفان إلى صفقة تتضمن مرحلتين، الأولى: "يتم الإفراج فيها عن كبار السن وبعض النساء والمرضى المدنيين الإسرائيليين على وجه التحديد، مقابل عدد من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين".

أما المرحلة الثانية، فتوقع العجرمي أن يتم فيها "الإفراج عن كل الجنود والضباط الإسرائيليين المتواجدين في قطاع غزة، مقابل الإفراج عن أعداد كبيرة، وربما كل الأسرى والمحتجزين الفلسطينيين"، لكنه شدد على ضرورة "التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار" في المرحلة الثانية، واصفاً قضية المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة بـ"ورقة حياة لقادة (حماس)".

وأوضح الوزير السابق، أن الحركة "لن تتخلى عن هذه الورقة، إلا بضمان وقف الحرب وضمان حريتهم والحفاظ على حياتهم"، ورغم ذلك شكك العجرمي في رغبة إسرائيل في إتمام الصفقة، قائلاً: إن "رئيس الحكومة الإسرائيلية ورئيس الأركان أكدوا أنه لا يمكن إيقاف الحرب بشكل كامل، كما ذكروا أن المستوى السياسي هو المسؤول عن إنجاز هذه الصفقة وهو الذي يتحمل المسؤولية الكاملة".

صفقة جزئية مرتقبة

وقال الكاتب والباحث الفلسطيني سعيد زيداني، إن "إسرائيل لن توقف إطلاق النار بشكل كامل، كما أنها غير مستعدة للخروج من القطاع من أجل تحرير الأسرى"، واصفاً شروط الطرفين بأنها "لا تبشر بالخير". 

لكن زيداني رأى أن "الظروف الحالية قد تساعد في التوصل إلى صفقة جزئية لتحرير عدد من الأسرى خاصة كبار السن والنساء والمرضى، مقابل وقف إطلاق للنار لمدة أسابيع".

أما بلال الشوبكي، فأشار إلى أن "التواصل بين كافة الأطراف لم ينقطع بأي شكل من الأشكال، لكن هناك تعثراً في المفاوضات، بسبب السلوك الإسرائيلي الأخير في الأراضي اللبنانية وتحديداً اغتيال العاروري"، معتبراً أن استمرار المفاوضات "مؤشر على أنها مسألة وقت فقط".

وذكر أن "الجهود المصرية والقطرية تنصب حالياً على كيفية الوصول إلى مدخل تدريجي لوقف إطلاق النار"، موضحاً أن "التواصل جار من أجل جس النبض ومعرفة الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها من قبل أي من أطراف هذه المفاوضات".

سؤال "اليوم التالي"

"اليوم التالي" للحرب على قطاع غزة، كان له نصيبه هو الآخر من المقترحات والمبادرات الإقليمية والغربية، منها ما يشير إلى ضرورة إخراج "حماس" من القطاع، وعودة السلطة الفلسطينية إلى الحكم، ولكن بعد تنفيذها عدة إصلاحات، وأخرى تدعم فكرة إطلاق حوار فلسطيني للوصول إلى شراكة سياسية استعداداً للمرحلة المقبلة.

وتدعم الولايات المتحدة، توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية تحت حكم السلطة الفلسطينية، لكن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، شدد، الأسبوع الماضي، على "ضرورة تنفيذ إصلاحات في السلطة لتتحمل مسؤولية الحكم في قطاع غزة"، وهي خطوة تواجه برفض إسرائيلي.

واستبعد الوزير السابق والسياسي الفلسطيني أشرف العجرمي، أن تكون للسلطة في رام الله القدرة على إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة، "دون توافق وطني كامل وموافقة (حماس) والفصائل في القطاع"، مؤكداً أن الطريق "يمر عبر إعادة تكوين وإنشاء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في غزة، وإعادة تنظيم قدراتها".

أما رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل بلال الشوبكي، فقد تطرق إلى "عدم وجود مؤشرات حتى هذه اللحظة، تشير إلى أن هناك توافقاً فلسطينياً داخلياً بشأن ما يجري أو بشأن إمكانية توحيد السلطة الفلسطينية".

لكنه رأى إمكانية الوصول إلى صيغة تندمج فيها "حماس" مع سلطة الفلسطينية لحكم مشترك، وقال: "هذا الأمر ببساطة ممكن إذا أُجريت انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة"، مضيفاً أن "المطروح حالياً هو كيف يمكن إدماج (حماس) في منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما تسعى إليه الحركة حتى هذه اللحظة وما تم الاتفاق عليه في إعلان القاهرة عام 2005".

وقدمت جهات غربية بدائل للسلطة الفلسطينية في حال تعثر دخولها إلى غزة منها، إنشاء قوات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، أو قوات مشتركة عربية ودولية، لكن وزراء خارجية مصر وقطر والسعودية وفلسطين والأردن وتركيا، شددوا على أنه "إذا أراد العالم أن تشارك الدول العربية، في لعب دور في إعادة إعمار غزة، ودعم السلطة الفلسطينية، فيجب أن يكون هناك مسار تجاه إقامة دولة فلسطينية".

وشدد الكاتب والباحث الفلسطيني سعيد زيداني، على الحاجة إلى "قوات خارجية إما عربية بقيادة دولية أو الأمم المتحدة لكي تساعد على معالجة ليس الأمور المدنية العادية فقط، وإنما أيضاً إعادة بناء قطاع غزة، والحفاظ على الأمن العام".

وأكد زيداني وهو أستاذ الفلسفة في جامعة القدس سابقاً، على أن الوضع الحالي "يحتم نوعاً من الاتفاق بين (حماس) والسلطة الفلسطينية إما بتشكيل قيادة موحدة أو بإعادة بناء منظمة التحرير أو الوصول إلى تفاهمات تمكّن السلطة من أخذ دور جدي في مرحلة ما بعد الحرب".

إسرائيل من جهتها، كشفت عن خطتها للمرحلة التالية من حرب غزة والتي تضمنت عدم سيطرة "حماس" على قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، واحتفاظ إسرائيل بالحرية في العمليات العسكرية داخل القطاع.

واستبعدت الخطة الإسرائيلية، التواجد المدني الإسرائيلي في غزة، لكنها أشارت إلى تحميل هيئات فلسطينية مسؤولية القطاع "طالما لم تكن هناك أي أعمال عدائية ضد إسرائيل"، بحسب ما ذكره وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت.

ورفضت حركة "حماس" المقترحات التي تتحدث عن حكم غزة، إذ وجه القيادي في الحركة، أسامة حمدان، رسالة إلى واشنطن، قائلاً: "توقفوا عن التفكير في التخطيط لحكم غزة بعد الحرب".

تصنيفات

قصص قد تهمك