صراع مستمر ومعارك منتظرة.. أم درمان "ميدان الحسم" في السودان

time reading iconدقائق القراءة - 9
دخان يتصاعد في سوق بأم درمان وسط الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 17 مايو 2023 - via REUTERS
دخان يتصاعد في سوق بأم درمان وسط الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 17 مايو 2023 - via REUTERS
بورتسودان -أحمد العربي

تحتل مدينة أم درمان أهمية كبيرة في السودان، تجلت منذ اندلاع المعارك الجارية منذ العام الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، في ظل موقع المدينة الاستراتيجي كإحدى بوابات العاصمة، وكذلك لوجود العديد من المواقع العسكرية في المدينة، ما جعلها ميداناً للاشتباك المستمر بين جانبي الصراع.

ويبدو أن مدينة أم درمان على موعد مع معركة حاسمة بين الجيش والدعم السريع، بعد ترجيح الجيش كفته في الانتشار والتمركز بمناطق استراتيجية في المدينة، وعزله قوات من الدعم السريع شرق مدينة أم درمان بالتحديد في منطقة الإذاعة والتلفزيون.

أم درمان التي تقع على الضفة الغربية لنهر النيل، تعد إحدى أكبر مدن السودان وأعرقها، وتمثل بوابة العاصمة الغربية المطلة على غرب السودان، ومدخلها من شمال السودان، وتضم أم درمان الكبرى ثلاثة أقسام هي أم درمان القديمة وكرري وأم بدة.

الموقع الاستراتيجي لأم درمان منحها أهمية عسكرية كبيرة، فتوزعت في شمال وجنوب المدينة، المواقع العسكرية للجيش السوداني، وأهمها القاعدة الطبية (السلاح الطبي) في الجنوب الشرقي، وسلاح المهندسين جنوب المدينة، وفي شمالها أهم القواعد الجوية العسكرية في العاصمة الخرطوم؛ قاعدة وادي سيدنا، ومنطقة كرري العسكرية التي تضم عدداً من الوحدات العسكرية.

كما توجد في أم درمان الكلية الحربية وجامعة كرري التابعة للجيش، إلى جانب عدد من معسكرات التدريب الخاصة بالجيش وقوات الدعم السريع وجهاز المخابرات في شمال وجنوب المدينة، كما تنتشر القوات النظامية بمختلف تشكيلاتها في حدود المدينة الغربية والشمالية، وفي الجنوب لتأمين مداخل ولاية الخرطوم.

مسار معارك أم درمان

ركزت قوات الدعم السريع منذ اليوم الأول للصراع في 15 أبريل الماضي، على فرض سيطرتها على مداخل مدينة أم درمان، وبالتحديد الغربية، حيث المنفذ الرئيسي وطريق الإمداد الأكبر للقوات من غرب السودان وصولاً للخرطوم، عن طريق بوابة أم درمان. 

عملت قوات الدعم السريع على جعل المناطق العسكرية التابعة للجيش في أم درمان على شكل جزر معزولة؛ ففصلت بين شمال وجنوب المدينة بقواتها، ووضعت دفاعاتها وعززت من انتشارها وسط المدينة، بالتالي سيطرت على منطقة أم درمان القديمة وأجزاء من جنوب أم درمان، وحاولت التوغل شمالاً، مع احتفاظها بالكثافة العددية في غرب المدينة.

وعلى مدار 10 أشهر، عزلت قوات الدعم السريع، سلاح المهندسين التابع للجيش، والذي يرتبط مع عدد من المناطق العسكرية جنوب أم درمان بطرق داخلية، ومنها السلاح الطبي، وكلية القادة والأركان وسلاح الموسيقى العسكرية ومرافق عسكرية أخرى؛ عزلته عن شمال أم درمان، وقطعت إمداد القوات التي تحصنت في مواقعها العسكرية.

في المقابل، تبنى الجيش السوداني، استراتيجية تنفيذ عمليات نوعية للقوات بشمال أم درمان وجنوب أم درمان مع القصف المدفعي والجوي، ومع استمرار القتال على هذا المنوال كانت قوات الجيش تتقدم نحو تحصينات الدعم السريع وسط المدينة، عبر عمليات نوعية تنفذها قوات مشتركة من المشاة، وذلك وفق مصدر عسكري ميداني، إذ أن الخطة هي السيطرة على مناطق وسط المدينة ومنع تقدم قوات الدعم السريع شمالاً.

تطورت العمليات العسكرية للجيش منذ مطلع العام الجاري 2024، إذ ركز الجيش هجومه عبر أكثر من محور؛ من شمال أم درمان نحو شرقها ووسطها، حيث تقدمت دفاعات الجيش نحو وسط المدينة لإحداث ثقوب في تحصينات الدعم السريع في شارع العرضة وسط المدينة الذي يفصل شمال وجنوب أم درمان، ويُعد الطريق الرئيسي لحركة قوات الدعم السريع من أقصى غرب المدينة حتى شرقها، وإلى مدينة بحري شمال الخرطوم، حتى أفلحت قوات الجيش في تحقيق أول التحام لها للقوات من شمال أم درمان وجنوبها في 16 فبراير.

نقطة تحول

ووفق تقرير صادر عن موقع "أكليد" ACLED المختص في النزاعات المسلحة، فإن تقدم الجيش السوداني في أم درمان، يمثل نقطة تحول محتملة في الصراع، مع إمكانية استعادة السيطرة على منطقة العاصمة الخرطوم، فإذا تمكنت القوات المسلحة السودانية من الارتباط بنجاح في أم درمان، فقد تكون قادرة على دعم نظيرتها في بحري، والاستفادة من التقدم في شمال بحري لتأمين السيطرة المحتملة على جانبي جسر الحلفايا. وإذا تمكنت القوات المسلحة السودانية من ربط قواتها في شمال وجنوب بحري، فإن هذه الخطوة ستكسر بشكل فعال الحصار المفروض على مقر القيادة العامة.

لخبير الاستراتيجي أمين إسماعيل المجذوب قال لـ"الشرق"، إن كل طرف لديه رغبة في تحسين موقفه التفاوضي العسكري على الأرض، موضحاً أن خطة الجيش تهدف إلى "تدمير العدو في السودان، باعتباره غزواً خارجياً"، "خاصة أن أم درمان تمثل شريان وخط إمداد حيوي، ولا بد من إغلاق هذا الخط؛ لذلك اتخذت القوات المسلحة خطوات على الأرض، وعملت على حرمان الدعم السريع من الإمداد".

وأضاف أنه "كان لا بد من كسر حصار سلاح المهندسين والسلاح الطبي شمال أم درمان وتأمين خط إمداد من بورتسودان شرقاً إلى نهر النيل؛ مروراً حتى كرري وأم درمان القديمة حتى سلاح المهندسين جنوب أم درمان، وهذا خط إمداد مهم لتغذية القوات الموجودة".

وأوضح الخبير العسكري، أن قوات الجيش عملت على إبعاد التهديدات عن منطقة شمال أم درمان ذات المرافق العسكرية المهمة، كي يكتمل تأمين جسر الإنقاذ وجسر النيل الأبيض، بما يسمح بمرور القوات من أم درمان والالتحام بالقوات في سلاح المدرعات جنوب الخرطوم، ومرور القوات إلى جنوب أم درمان، ومنها منطقة جبل الأولياء وإغلاق جسر جبل الأولياء. 

ويرى المجذوب، أنه يمكن القول إن "المعركة محسومة بشكل كبير في الخرطوم"، موضحاً أنه بالتوزاي لتلك التحركات هناك حملة تنظيف لطريق شريان الشمال الرابط بين الخرطوم والولاية الشمالية، وتأمين المنطقة من شندي بولاية نهر النيل حتى مصفاة الجيلي، بما يسمح للقوات بالتقدم نحو العاصمة.

وزار رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، مدينة أم درمان، مساء الجمعة، بعد ساعات من إعلان الجيش "تقدماً استراتيجياً" تمثل في تنفيذ عملية التحام وتقدم من شمال وجنوب المدينة.

جاء ذلك بعد ساعات من نشر القوات المسلحة السودانية عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، مقاطع مصورة، قال إنها تُظهر تقدم قوات سلاح المهندسين في مناطق شمال أم درمان، مشيرةً إلى أنه "تم تدمير مركبات العدو وقتل العشرات"، في إشارة لقوات الدعم السريع.

وتشهد أحياء وسط مدينة أم درمان منذ أيام، معارك ضارية، تركزت في محيط سوق المدينة والسوق الشعبي، إذ يسعى الجيش السوداني إلى فرض حصار على قوات الدعم السريع التي تتمركز بالقرب من هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني وسط المدينة.

في المقابل، يرى المحلل السياسي الفاضل منصور، إن ما يحدث من تحركات للجيش هو "محاولة فاشلة من الجيش للتغطية على الجريمة البشعة التي ارتكبها ضد مواطنين قبل أربعة أيام، والذين قتلهم وقطع رؤوسهم ومُثِّل بجثثهم، وهذه الجريمة شهدت رواجاً عالياً على مستوى الوسائط الإعلامية الداخلية والخارجية".

وأضاف منصور، المحسوب على قوات الدعم السريع، أن دخول قوات الدعم السريع، مناطق عسكرية حساسة، مثل كلية القادة والأركان المشتركة، وهي على بعد 200 متر من سلاح المهندسين؛ حتم على الجيش التحرك من "مخبأ" كرري، محاولاً إمداد سلاح المهندسين بالعتاد العسكري، و"لكنه فشل في ذلك أيضاً بعد معارك ضارية"، وفق منصور.

تصنيفات

قصص قد تهمك