لعب شهباز شريف، الذي عاد رئيساً لوزراء باكستان للمرة الثانية، الأحد، دوراً حاسماً في الحفاظ على تماسك ائتلاف متباين لمدة 16 شهراً، بعد الإطاحة بمنافسه عمران خان.
وفاز شريف (72 عاماً) في التصويت البرلماني لاختيار رئيس الحكومة الجديدة، ليعود إلى المنصب الذي كان يشغله حتى أغسطس الماضي، عندما حُل البرلمان قبل انتخابات الشهر الماضي، إذ تدير باكستان حكومة انتقالية منذ ذلك الحين.
وقد اختاره حزبه وحلفاؤه في الائتلاف لقيادة إسلام أباد، رغم فوز شقيقه الأكبر نواز شريف بمقعد في البرلمان والتوقعات بأن يؤدي اليمين مرة أخرى.
وحصل حزب "الرابطة الإسلامية الباكستانية" جناح نواز شريف، على 80 مقعداً فقط من أصل 264 جرى التنافس عليها في الانتخابات، لكنه حظي بدعم أحزاب أخرى للحصول على الأغلبية.
وقالت مريم ابنة نواز شريف في منشور على منصة "إكس" إن "والدها لم يكن يريد رئاسة حكومة أقلية بعد أن حصل على أغلبية واضحة في الفترات الثلاث السابقة التي رأس فيها الحكومة".
"صانع سلام"
وبالإضافة إلى حفاظه على تماسك الائتلاف بعد الإطاحة بعمران خان في عام 2022، ساعد شريف، باكستان، في الحصول على خطة إنقاذ حيوية من صندوق النقد الدولي العام الماضي.
واستعاد منصب رئيس الوزراء، بعد أن وأد حزب "الرابطة الإسلامية الباكستانية" جناح نواز شريف، الخلافات مع الجيش صاحب النفوذ في مواجهة منافسهما المشترك، خان الذي لم يكن على وفاق مع كبار الجنرالات بشأن الكثير من القضايا السياسية.
وفي ذلك الوقت، كان نواز شريف في المنفى الاختياري في لندن وتم استبعاده من تولي أي منصب عام، لكنه عاد إلى باكستان في أكتوبر الماضي.
وقبل توليه منصب رئيس الوزراء، اشتهر شهباز شريف كإداري أكثر من كونه سياسياً، إذ شغل منصب رئيس الوزراء 3 مرات في إقليم البنجاب، أكبر أقاليم البلاد، لكن كرئيس للوزراء، سرعان ما قام بدور صانع السلام بين أحزاب الائتلاف، التي غالباً ما تشب بينها الخلافات بشأن السياسات الرئيسية.
منقذ اقتصادي
وكان أكبر إنجاز حققه شهباز شريف في فترة ولايته القصيرة هو التوصل إلى خطة إنقاذ بين صندوق النقد الدولي وباكستان التي كانت على شفا التخلف عن سداد الديون، إذ تم التوقيع على الاتفاق بعد أن أجرى اتصالاً شخصياً مع رئيسة الصندوق كريستالينا جورجيفا في يونيو.
ورغم ذلك، بلغ التضخم في عهد حكومته مستوى مرتفعاً عند 38%، مع انخفاض قياسي في قيمة الروبية، وهو ما يعود بشكل أساسي إلى الإصلاحات الهيكلية التي استلزمها برنامج صندوق النقد لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد.
ويلقي شريف باللوم في الانهيار الاقتصادي على حكومة خان، التي يقول إنها "خرقت اتفاقاً مع صندوق النقد قبل الإطاحة به مباشرة"، وأفاد بأن حكومته اضطرت إلى إدخال سلسلة من الإصلاحات وإلغاء الدعم، ما أدى إلى ارتفاع التضخم.
تحديات رئيسية
ولا تزال باكستان غارقة في أزمة اقتصادية مع بقاء التضخم مرتفعاً، إذ يحوم حول 30%، وتباطؤ النمو الاقتصادي إلى حوالي 2%.
وانخفض التضخم في فبراير على أساس سنوي بشكل طفيف إلى 23.1%، ما يعود جزئياً إلى تأثير ارتفاع معايير قياس التضخم.
وسيحتاج شريف إلى تكرار الإنجاز المتمثل في إبرام خطة إنقاذ قصيرة الأجل مع صندوق النقد، بعد انتهاء البرنامج الحالي الشهر المقبل، كما سيحتاج إلى اتفاق جديد موسع لإبقاء باكستان على المسار الصعب نحو التعافي.
لكن الدور الرئيسي لرئيس الوزراء سيكون الحفاظ على العلاقات مع الجيش، الذي سيطر بشكل مباشر أو غير مباشر على باكستان منذ حصولها على الاستقلال.
ويرى محللون إنه يتمتع بقبول وتوافق أكبر مع كبار قادة الجيش، على عكس شقيقه الأكبر الذي كانت علاقته مع الجيش متوترة خلال الولايات الثلاثة له في المنصب.
ومنذ عدة سنوات ينفي الجيش تدخله في السياسة، لكنه تدخل قبل ذلك بشكل مباشر للإطاحة بحكومات مدنية ثلاث مرات، كما لم يكمل أي رئيس وزراء ولايته الكاملة ومدتها خمس سنوات منذ استقلال باكستان في عام 1947.
وستكون خصخصة بعض الشركات الحكومية العملاقة، بما في ذلك الخطوط الجوية الوطنية، وأيضاً تأمين الاستثمار الأجنبي؛ من العوامل الأساسية أيضاً في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية.
ورغم نفوذ المؤسسة العسكرية على القرارات المتعلقة بالدفاع والسياسة الخارجية، سيتعين على شريف موازنة العلاقات مع كل من الولايات المتحدة والصين الحليفتين الرئيسيتين لإسلام أباد، كما سيحتاج إلى معالجة العلاقات المتوترة مع الهند وإيران وأفغانستان، وهي ثلاثة من البلدان الأربعة المجاورة لباكستان.
"مدمن على العمل"
ولد شريف في مدينة لاهور بشرق البلاد لعائلة ثرية تعود أصولها إلى كشمير تعمل في تجارة الصلب، إذ بدأ مسيرته السياسية رئيساً لحكومة ولاية البنجاب في عام 1997.
ويصفه الوزراء والبيرقراطيون الذين عملوا معه عن قرب بأنه "مدمن على العمل"، وعندما كان رئيساً لحكومة البنجاب خطط لعدد من مشروعات البنية التحتية الضخمة الطموحة ونفذها، بما في ذلك أول نظام حديث للنقل الجماعي بباكستان في لاهور.
ودخل شهباز شريف حلبة السياسة على المستوى الوطني، عندما صار زعيماً لحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية جناح نواز شريف، بعد إدانة الشقيق الأكبر في عام 2017، بتهمة "إخفاء الأصول المتعلقة بقضية وثائق بنما"، وتزوج شهباز شريف مرتين، وله ولدان وبنتان من زواجه الأول. ويعمل أحد ابنيه بالسياسة.