خلال 3 أشهر، سيُدعى 370 مليون أوروبي إلى مراكز الاقتراع لتجديد برلماناتهم، مع اقتراب استحقاق انتخابي آخر على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، قد يعيد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
وفي مواجهة شبح عودة الملياردير الأميركي، الذي لا يخفي ازدراءه للاتحاد الأوروبي وأولوياته، من دعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي إلى مكافحة تغير المناخ، تبرز تساؤلات بشأن تأثيره على صناديق الاقتراع في الاتحاد الأوروبي بدوله الـ27.
وكذلك تزداد التساؤلات بشأن ما إذا كان سيعزز هذا الاحتمال، الصعود المرجح لليمين المتطرف، أم أنه على العكس سيشجّع الناخبين على توحيد صفوفهم والتصويت لصالح أوروبا أكثر ثباتاً؟
يلخص سيباستيان ميلار من معهد "جاك ديلور" الوضع قائلاً: بالنسبة لأوروبا، يشكل "ترمب 2" (ولاية جديدة له في البيت الأبيض)، "علامة تعجب كبيرة، وعلامة استفهام ضخمة في نفس الوقت".
من جهتها، قالت سوزي دينيسون المحللة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن "سيناريو ترمب" سيعود بعواقب وخيمة على المشروع الأوروبي لسنوات، مؤكدة أن العديد من الأولويات الأوروبية سيصبح تحقيقها "أصعب بكثير".
لكنها تأسف لأن هذا السؤال لن يكون بالضرورة في قلب مناقشات الحملة الانتخابية للبرلمان الأوروبي.
وستخضع نتيجة التصويت الذي سيجرى من السادس إلى التاسع من يونيو المقبل، لانتخاب 720 نائباً، لتدقيق كبير لأن التوازن بين العائلات السياسية يحدد مسار السباق على "المناصب العليا" أي رئاسات المؤسسات الرئيسية: البرلمان والمفوضية والمجلس الأوروبيين.
"تهديد الهجرة"
قبل أقل من 100 يوم على الانتخابات، تشير استطلاعات الرأي بوضوح إلى صعود اليمين القومي والمشكك في أوروبا، مع وجود مجموعة واسعة من الفروق الدقيقة والمواقف في داخله حسب كل بلد.
ويبدو حزب الشعب الأوروبي (يمين) في وضع جيد يسمح له بالاحتفاظ بموقعه كقوة سياسية كبرى، يليه الاشتراكيون والديمقراطيون. لكن المرتبة الثالثة تبقى أكثر غموضاً.
فكتلة "أوروبا المتجددة" (وسطيون وليبراليون)، التي تحتل هذا الموقع حالياً، قد تتفوق عليها مجموعة الهوية والديمقراطية (يمين متطرف).
ويتوقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن يحتل "الشعبويون المناهضون لأوروبا" المرتبة الأولى في تسع من الدول الأعضاء، بما في ذلك فرنسا والمجر وإيطاليا وهولندا.
وتقول رايتشل ريزو، من الفرع الأوروبي للمجلس الأطلسي، إن "هناك لغة مشتركة تتمحور حول تهديد الهجرة". وأضافت: "لكن من الصعب تحديد التأثير الحقيقي لذلك على المستوى الأوروبي".
ويفترض أن يشكل الوضع الاقتصادي الحالي السيئ تربة خصبة للقوى المشككة في أوروبا.
فعلى الرغم من أن المستهلكين بدأوا يلمسون تراجع التضخم، ليس من المتوقع حدوث أي تحسن اقتصادي قبل الانتخابات.
وقد خفض البنك المركزي الأوروبي مؤخراً، توقعاته للنمو في منطقة اليورو في 2024 إلى 0.6%، مقابل 0.8% في تقديراته السابقة.
الاقتصاد أولاً
يعتقد نحو 3 من كل 4 أوروبيين، أن مستوى معيشتهم سينخفض هذا العام، ويؤكد 1 من كل 2 تقريباً أن هذا المستوى انخفض بالفعل، حسب دراسة أجريت في ديسمبر لـ"يوروباروميتر" (استطلاعات للرأي تجرى منذ 1974 باسم المؤسسات الأوروبية بما فيها المفوضية).
وتوضح سوزي دينيسون، "هناك عوامل مختلفة تهمّ الناخبين في مختلف البلدان الأوروبية لكن هناك عاملاً أساسياً واحداً في كل مكان هو الوضع الاقتصادي".
وتبقى معرفة إلى أي مدى سينجح دونالد ترمب الذي يعتبر في تجمعاته الانتخابية عدم شعبيته في أوروبا تقديراً له، في محاولته التأثير على المناقشة الأوروبية.
ويؤشر اجتماع ترمب في فلوريدا، الجمعة، مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، "المشاغب" في القمم الأوروبية، والزعيم الوحيد في دول الاتحاد الذي يحافظ على علاقات وثيقة مع الكرملين، إلى نية الرئيس السابق أن يبقى "المدمّر الأكبر" للتعددية عموماً، والاتحاد الأوروبي خصوصاً.
ويؤكد سيباستيان ميلار أن احتمال عودة ترمب "يثير القلق" داخل أوروبا، وهذا يصبّ في صالح الأحزاب الحاكمة، مرجحاً أنه "بقدر ما يزداد تهديد ترمب، وبقدر ما تزداد عدوانية روسيا، يتقلص الاستعداد للقفز إلى المجهول".
ويتابع أنه "في قضايا مثل السياسة الزراعية المشتركة، يجد اليمين المتطرف ضالته: بيروقراطية بروكسل، والمعايير المبالغ فيها (...) لكن عندما يتعلق الأمر بأوروبا في مواجهة بقية العالم، الأمر مختلف تماماً".
شهد الاتحاد الأوروبي توسعاً متواصلاً منذ عام 1957 باستثناء خروج بريطانيا منه، ليصبح تدريجاً قوة عظمى، على الأقل اقتصادياً. وفيما يلي خمس نقاط تعرض معلومات عن الاتحاد قبل انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة من 6 إلى 9 يونيو.
يضم الاتحاد الأوروبي 27 دولة يبلغ عدد سكانها الإجمالي 450 مليون نسمة. وهو ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، إذ يسجل إجمالي الناتج المحلي فيه 19300 مليار دولار (17683 مليار يورو)، بحسب صندوق النقد الدولي. وتتقدم عليه الولايات المتحدة بـ28 ألف مليار دولار وتأتي الصين في المرتبة الثالثة بـ18600 مليار دولار.
ولكن مؤسسات أخرى مثل البنك الدولي تضع الصين في مرتبة متقدمة على الاتحاد الأوروبي. وفي حال الارتكاز على نصيب الفرد من الثروة، يصبح الترتيب أكثر إثارة للجدل.
مؤسسات رئيسية
يقود الاتحاد الأوروبي رؤساء مؤسساته الرئيسية الثلاث؛ إذ تترأس أورسولا فون دير لايين المفوضية الأوروبية، وشارل ميشيل المجلس الأوروبي، الذي يمثل الدول الأعضاء، وروبرتا ميتسولا البرلمان الأوروبي.
وفرضت وزيرة الدفاع الألمانية السابقة أورسولا فون دير لاين نفسها في الاتحاد، وتأمل في البقاء في منصبها بعد الانتخابات.
ويقود مسؤولون آخرون، عدداً من المؤسسات الأوروبية التابعة للاتحاد، وهي البنك المركزي الأوروبي، ومحكمة العدل الأوروبية، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية، ولجنة الأقاليم.
وهناك أيضاً "رئاسة نصف سنوية للاتحاد الأوروبي، تشغلها كل دولة من الدول الأعضاء بالتناوب. وتتولى بلجيكا حالياً رئاسة مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي. وتقوم بإعداد جدول الأعمال وتنسيق المناقشات.
أعلام ورموز
وفي حين يضم الاتحاد الأوروبي 27 عضواً حالياً، لا يضم علمه عدداً مماثلاً من النجوم مثل علم الولايات المتحدة ونجماته الخمسين، التي تمثل كل الولايات الأميركية، بل ترتسم على علم الاتحاد 12 نجمة ثابتة، فلا يضطر بذلك إلى تغيير علمه مع توسعه وانضمام أي عضو جديد، أو مع خروج إحدى الدول على غرار ما فعلته بريطانيا.
والعلم الحالي أيضاً أقدم من الاتحاد الأوروبي نفسه، لأنه أُخذ عن علم مجلس أوروبا من دون أن تكون له علاقة بالاتحاد الأوروبي.
وأُنشئ مجلس أوروبا في ستراسبورج، ويضم 46 دولة، وهو أهم منظمة أوروبية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
ورسمياً، تُعتبر الدائرة المرصعة بالنجوم في وسط العلم الأوروبي "رمزاً للوحدة"، وإن كانت توحي للبعض بشكل ساعة.
وهناك تفسيرات أخرى لاهوتية لها. ويؤكد أرسين هيتز وهو أحد مصمّمي العلم أن دائرة النجوم مستوحاة من تاج النجوم الذي غالباً ما يكلل رأس مريم العذراء في التماثيل والصور. إلا أن مجلس أوروبا يرى أنّ الأمر مجرد صدفة.
كذلك اعتمد الاتحاد الأوروبي نشيد مجلس أوروبا: "نشيد الفرح" للودفيج فان بيتهوفن.
ولكن ابتكر الاتحاد من خلال اعتماده اليورو كعملة أوروبية موحدة بين دوله. وأصبح اليورو حالياً أقوى رمز لوحدة الاتحاد الأوروبي، رغم أن 20 دولة فقط تعتمده من الدول الأعضاء السبع والعشرين.
"عاصمة" لأوروبا
لا توجد فعلياً عاصمة للاتحاد الأوروبي، لكن من الناحية العملية فرضت العاصمة البلجيكية بروكسل نفسها، كمركز له لأنها تضم مقر المفوضية الأوروبية، والمجلس الأوروبي (حيث يجتمع رؤساء الدول والحكومات)، ومبنى ضخم للبرلمان الأوروبي، على الرغم من أن المقر الرئيسي للبرلمان المؤسسة المنتخبة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي يقع في ستراسبورج، في شرق فرنسا.
ويقضي أعضاء البرلمان الأوروبي وقتهم في بروكسل، حيث تجري معظم أعمالهم، ويشتكون شهرياً عندما يضطرون إلى الذهاب إلى ستراسبورج لحضور الجلسات العامة.
ويقع مقر مؤسسات أخرى في لوكسمبورج مثل محكمة العدل، كما ينتشر عدد كبير من وكالات الاتحاد الأوروبي في سائر أنحاء القارة.
فن التفاوض
وحقّق الاتحاد الأوروبي، نجاحات سهّلت حياة الأوروبيين وبينها اليورو، وإزالة غالبية الحدود الوطنية، ورفع رسوم الهواتف المحمولة بين مختلف البلدان الأعضاء.
ولكن لتحقيق النجاحات والأهداف وإصدار التوجيهات، يتفاوض عدد كبير من المسؤولين والدبلوماسيين الأوروبيين بشأن أي بند خلال ساعات في إطار اجتماعات عديدة، في المفوضية، والمجلس، ثم في البرلمان.
ويزيد الأمور تعقيداً أن بعض القرارات المتعلقة بالضرائب أو بالشؤون الخارجية تتطلب إجماعاً. وعليه يتساءل كثيرون عن أداء أوروبا في حال ضم الاتحاد 30 عضواً أو أكثر، مع الانضمام المحتمل لأوكرانيا، أو مولدافيا، أو دول البلقان.