
بعد فوزه بزعامة "حزب العمال" الحاكم في ويلز، أصبح فوجان جيثينج، أول مسؤول من أصل إفريقي يرأس حكومة أوروبية، إذ يصف نفسه بـ"الويلزي الذي ولد في إفريقيا".
ويؤمن جيثينج بأن مشواره السياسي الذي بدأه في سن 17، شحذه بالخبرة والكفاءة اللازمتين لإدارة شؤون حزبه والبلاد، كما يصر على أن الإنجاز هو معيار تقييم القادة، وليس لونهم أو أصلهم.
وأمام جيثينج تحديات كثيرة في كارديف، غالبيتها تحديات اقتصادية، إذ أن حال ويلز لا يختلف كثيراً عن بقية مكونات المملكة المتحدة.
والاستثناء الذي حققه جيثينج في ويلز ليس الأول في المملكة المتحدة، فقد فعلها قبله ريشي سوناك، عندما أصبح أول بريطاني من أصل هندي يصل لرئاسة الحكومة البريطانية.
كما أصبح حمزة يوسف، أول مسلم من أصل باكستاني، يتولى منصب الوزير الأول في اسكتلندا، وأيضاً ميشيل أونيل، أول كاثوليكية قومية تقود حكومة بلفاست في إيرلندا الشمالية.
الطريق إلى رئاسة الوزراء
يبلغ جيثينج من العمر 52 عاماً، وقد تأثر في ريعان شبابه بخطب ومقالات رئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا، فانضم إلى حزب العمال في ويلز، وكان دائماً يأمل من الناس تقييمه كسياسي استناداً إلى عمله وليس لون برته، وها هو اليوم يقود حكومة كارديف كأول سياسي من أصل إفريقي، يصل إلى السلطة في دولة أوروبية على امتداد تاريخ القارة.
ونشأ الوزير الأول الجديد في كنف أب بيطري ينحدر من جنوب ويلز، وأم تعمل في مزرعة للدواجن في دولة زامبيا.
وتعرضت عائلته للعنصرية منذ عقود، فخاض غمار السياسة متأثراً بأفكار اليسار، ثم تسلح لاحقاً بشهادة المحاماة، حتى انتخابه نائباً في البرلمان الويلزي عام 2011، ومن هناك بدأ مشواره السياسي نحو القيادة.
وقبل أيام، فاز جيثينج في انتخابات زعامة حزب العمال الويلزي، بفارق ضئيل على منافسه جيرمي مايلز.
وشاب فوزه مشكلات تتعلق بإدانة أحد المتبرعين لحملته الانتخابية بارتكاب جرائم بيئية، ولكن الأمر لم يحل دون وصوله لرئاسة الحكومة، ليكون خامس رئيس وزراء في كارديف، وأول ويلزي من عرق غير أبيض يشغل المنصب.
وقبل رئاسة الحكومة، شغل جيثينج مناصب حكومية عدة في ويلز منذ عام 2013، حيث بدأ كنائب لوزير "مواجهة الفقر"، ثم نائباً لوزير الصحة في 2014، وبعدها وزيراً للقطاع الذي واجه الكثير في زمن كورونا بين عامي 2019 و2021.
وفي مايو عام 2021، عُيّن وزيراً للاقتصاد في حكومة مارك دراكفورد، الذي خلفه جيثينج في السلطة.
مشكلات اقتصادية
ويواجه رئيس الحكومة الويلزية الجديد مشكلات اقتصادية عديدة، فهناك مناطق عديدة في البلاد بحاجة إلى إنعاش كي لا يهاجر أهلها إلى المدن الرئيسية بحثاً عن وظائف.
والبوابة الرئيسية لهذا الأمر، وفق المحلل الاقتصادي دان فيرا، هو "دعم الصناعة بمختلف مجالاتها، وعلى رأسها صناعة الصلب التي تعتمد عليها أسر كثيرة في ويلز".
ولفت فيرا في حديث لـ"الشرق"، إلى أن "الزراعة أيضاً في الريف الويلزي بحاجة لدعم حكومي، وخاصة بعد القرارات الحكومية المتعلقة بتعزيز رقعة التشجير لحماية البيئة".
وأشار فيرا إلى أن "أعباء هذا القطاع تصاعدت بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وما خلقه ذلك من مشكلات في تصدير وتسويق المنتجات لخارج الدولة".
من جهتها، قالت لورا مكاليستر، أستاذة السياسة العامة في جامعة كارديف، إن "نهضة الاقتصاد هي المحك الرئيسي لاختبار قيادة الوزير الأول الجديد"، مشددة في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية على أن "الويلزيين ينتظرون من جيثينج حماية آلاف الوظائف في قطاعات مختلفة، على رأسها الصناعة، وفشله في هذا سينعكس على حزب العمال ككل".
ولفتت إلى حاجة حكومة كارديف إلى "دعم كبير" من لندن التي تعيش أصلاً مشكلة اقتصادية متعددة الأوجه، باعتبار أنه "كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية في بريطانيا زادت صعوبة دفع حكومة حزب المحافظين نحو قرارات تفيد خصومهم السياسيين، وبالتالي زادت صعوبة الحوار بين جيثينج وساكن المنزل رقم 10 في دوانينج ستريت بلندن"، في إشارة إلى مقر الحكومة البريطانية.
العلاقة مع حزب العمال
ربما يراهن جيثينج على وصول حزب العمال البريطاني إلى السلطة عبر الانتخابات العامة المقبلة، ليرى الحزب يحكم لأول مرة منذ 14 عاماً، ويصبح حواره مع الحكومة المركزية أكثر سهولة وانفتاحاً، فيستطيع تحقيق ما أخفق أسلافه في تحقيقه، منذ وصول حزب المحافظين إلى السلطة عام 2010.
ورأى عضو حزب العمال إيفان جاش، أن رؤساء الحكومات في ويلز اعتادوا على لوم الحكومة المركزية بشأن أي تراجع في المساعدات أو الدعم، لافتاً إلى أن وجود حكومة عمالية في لندن يسحب من جيثينج هذه "الحجة" أو "الشماعة".
وأضاف جاش في حديث لـ"الشرق": "هنا إما أن يتصادم مع قيادة حزب العمال بزعامة كير ستارمر المتوقعة في لندن، أو يبحث الاثنان عن حلول وسطية بقدر ما توافره الظروف".
وشدّد جاش على أن فوز جيثينج في ويلز "يمكن أن يفيد حزب العمال في لندن إذا ما تمكن الوزير الأول من تحقيق إنجازات سريعة، تعزز من رغبة البريطانيين باستقدام حكومة عمالية إلى السلطة".
وأضاف: "هنا من الأفضل أن يعلن كير ستارمر الآن، عن خطط دعمه لكارديف في حال فوزه بالسلطة".
ووصول جيثينج إلى السلطة ليس الاستثناء الوحيد في المشهد السياسي الداخلي للمملكة المتحدة، ففي عام 2022 فاز سوناك، البوذي من أصل هندي، برئاسة الحكومة البريطانية، ثم ظفر حمزة يوسف، المسلم من أصل باكستاني، برئاسة حكومة إسكتلندا، وبعده وصلت ميشيل أونيل، الكاثوليكية القومية، إلى رئاسة حكومة بلفاست في إيرلندا الشمالية.
تحولات كبرى
وتتصاعد التساؤلات بشأن ما إذا كانت هذه التحولات الكبرى في المملكة المتحدة تشكل تغيرات عابرة، أم هي بداية لمرحلة جديدة، عنوانها أن السلطة هي مكافأة للسياسيين الأكثر كفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم وأعراقهم.
ورأت الباحثة في الشأن البريطاني جاسمين كلير، أنه يصعب الإجابة على هذا التساؤل، قبل إجراء انتخابات عامة في ويلز أو بريطانيا أو إسكتلندا.
ولفتت كلير لـ"الشرق"، إلى أن قادة الدول الثلاث "جاؤوا عبر انتخابات داخلية في أحزابهم، وهذا لا يعكس بالضرورة توجهات عموم فئات المجتمع في تلك الدول، أو حتى القاعدة العريضة للأحزاب"، مستشهدة بخسارة سوناك أمام رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس في تصويت المحافظين لاختيار خليفة بوريس جونسون عام 2022.
وشدّدت الباحثة على أن "اختيار نواب الأحزاب لقادة من أصول مختلفة، مهّد كثيراً لدى الشارع في كل دول المملكة المتحدة نحو الابتعاد عن العرق والانتماء الديني أو الثقافي عند دعم مرشح ما، أو التصويت لآخر في أي استحقاق، لكن حقيقة قناعة شعوب المملكة المتحدة بهذا التغيير لن تكون واضحة بالشكل الكافي، قبل إجراء انتخابات عامة".
من جانبه، قال الصحافي جارث روز، إن "جماعات اليمين في المملكة المتحدة يصعب عليها تأييد شخصية سياسية من غير العرق الأبيض، أما الأقليات فهي مهتمة بدعم مرشحيها في الانتخابات البرلمانية".
ورأى أن "الشارع يحتاج إلى مزيد من الوقت للتخلص تماماً من الأفكار المرتبطة بالعرق والجنس واللون وغيرها، عند اختيار القادة السياسيين للبلاد".
واعتبر رزو في حديثه لـ"الشرق"، أن "ما يحدث في المملكة المتحدة منذ العام الماضي، هو استثنائي على مستوى القارة الأوروبية"، لافتاً إلى أنه "يدل بشكل واضح لا لبس فيه على أن شعوب المملكة المتحدة منسجمة إلى حد بعيد، وتأثير الاختلافات الدينية والعرقية في الحدود الدنيا، أو يمكن القول إنها قابلة للتلاشي مع مرور الوقت وتعاقب الأجيال".