هل تخلت أميركا عن إسرائيل في مجلس الأمن؟

خبراء لـ"الشرق": مخاوف انتخابية ورسالة ضغط وراء قرار إدارة بايدن

time reading iconدقائق القراءة - 12
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب. 18 أكتوبر 2023 - Reuters
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب. 18 أكتوبر 2023 - Reuters
واشنطن-رشا جدة

أثار امتناع الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن الدولي، الاثنين، ضد قرار يتضمن الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، تساؤلات بشأن عمق الخلاف بين تل أبيب وواشنطن، وذلك بعد غطاء دبلوماسي أميركي للحرب الدائرة في القطاع منذ أكثر من 5 أشهر.

ورداً على الموقف الأميركي ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، زيارة لوفد إسرائيلي كان مقرراً توجهه إلى واشنطن لإجراء محادثات حول عملية عسكرية إسرائيلية مخطط لها في رفح، جنوب قطاع غزة، قبل أن يتراجع عن الخطوة بعد أيام.

وعلى الرغم من تراجع نتنياهو إلا أنه اعتبر أن عدم استخدام واشنطن حق النقض "الفيتو"، الذي استغلته منذ بداية الحرب 3 مرات، "تراجعاً واضحاً" عن موقفها السابق، وهو ما نفاه المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، مشدداً على أن "ما حدث لا يمثل تحولاً في سياستنا".

وأصدر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، قراراً، الاثنين 25 مارس الجاري، يطالب بوقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" حتى نهاية شهر رمضان، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين. وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت.

وقال خبراء ومحللون لـ"الشرق" إن الولايات المتحدة على أتم استعداد للتضحية بنتنياهو لإنقاذ "مشروع إسرائيل في الشرق الأوسط"، وشككوا في حقيقة وجود "خلاف استراتيجي" بين واشنطن وتل أبيب، واصفين ما يجري بأنه "مستوى سطحي من التوتر" يرجع إلى محاولة "غسيل سمعة" الولايات المتحدة، وتهدئة مخاوف القاعدة الانتخابية الرافضة للحرب، بالإضافة إلى توجيه رسالة إلى إسرائيل بضرورة الاستماع إلى المطالب الأميركية بشأن طريقة إدارة الحرب.

وأعلنت إسرائيل، فور صدور القرار، أنها لن تلتزم به، وواصلت هجماتها على قطاع غزة. كما حاول المسؤولون الأميركيون الترويج لعدم إلزامية القرار، إذ قال ذلك بشكل منفصل كل من المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، والمتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، والسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد.

وهو ما انتقده أستاذ الحقوق بالجامعة الغربية في أونتاريو بكندا، مايكل لينك، واصفاً تصريحات المسؤولين الأميركيين الثلاثة بأنها "تفسير سخيف" لسلطة مجلس الأمن، مؤكداً أنه وفقاً لممارسات الأمم المتحدة يعد "القرار" ملزماً قانونياً مثل القانون الدولي.

وقال لينك الذي عمل منذ 2016 حتى 2022 مقرراً خاصاً للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية لـ"الشرق"، إن قرار مجلس الأمن ملزم لإسرائيل بالامتثال لوقف فوري لإطلاق النار في الفترة المتبقية من الأسبوعين المقبلين، مشيراً إلى أنه "أمر إلزامي على حركة حماس أيضاً أن تطلق سراح الرهائن".

ورجح لينك صدور قرار أقوى خلال الأيام القليلة المقبلة، نتيجة مواصلة إسرائيل هجماتها وعدم رغبتها في الانصياع لقرار مجلس الأمن، كما رأى المؤرخ في جامعة ميشيجان ديريك أيدي، أن تداعيات القرار الأممي تشمل استمرار جعل إسرائيل "دولة منبوذة" على الساحة الدولية.

واتفق مع أيدي في الرأي نائب وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط، وضابط وكالة المخابرات المركزية المتقاعد مايك مولوري، قائلاً إن "القرار يُظهر أن إسرائيل أصبحت أكثر عزلة من قبل المجتمع الدولي"، وإن "شريكها الأقوى يظهر تحولاً أيضاً".

رسالة إلى إسرائيل

واعتبر مولوري في حديث لـ"الشرق"، أن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت ضد قرار وقف النار في غزة بمجلس الأمن، يستهدف إرسال رسالة إلى إسرائيل مفادها أن واشنطن لا توافق تماماً على الطريقة التي تتم بها إدارة هذه الحرب.

وعلى الرغم من تأكيده اتساع الهوة بين مواقف البلدين في طريقة خوض الحرب، إلا أن مولوري يعتقد أن "الولايات المتحدة لا تزال تدعم الأهداف الإستراتيجية لإسرائيل".

ولفت خبير الأمن القومي والعلاقات الدولية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة "نيوهامبشير"، ليونيل إنجرام لـ"الشرق"، إلى أن قرار مجلس الأمن ينبغي أن يسمح للأمم المتحدة بأن تكون أكثر قوة في مواجهة ما يحدث بقطاع غزة. وأضاف أن قرار المجلس ربما يؤدي إلى "تنشيط المعارضة في إسرائيل بشكل أكثر فعالية".

ونبه إنجرام إلى أن "القضية ليست الحرب والقتل فقط"، مشيراً إلى أن وجهة النظر الأميركية بشأن سياسة الدولتين ورفض التوسع المستمر في المستوطنات، لا تحظى بدعم الحكومة الإسرائيلية الحالية.

في المقابل، قال نائب وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك مولوري، إن الخلاف الوحيد والمتزايد هو "كيفية المضي قدماً في غزة"، مؤكداً أن العلاقات بين البلدين تتجاوز حدود زعيم سياسي معين.

وشدد المؤرخ في جامعة ميشيجان ديريك أيدي على "عدم وجود خلافات حقيقية بين واشنطن وإسرائيل"، موضحاً أن إدارة بايدن تسعى إلى الترويج لما يشبه "التوترات" مع نتنياهو، لكنه مجرد مستوى سطحي من التوتر مخصص للاستهلاك الإعلامي، وليس توتراً حقيقياً.

وتابع: "هذه التوترات ليس لها علاقة تذكر بقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني في غزة، ليس لدى إدارة بايدن للأسف أي قلق حقيقي تجاههم، حيث يمكنهم فوراً وقف تغذية آلة الحرب الإسرائيلية".

وذكر أيدي أن المؤسسة الأميركية على أتم استعداد للتضحية بنتنياهو لإنقاذ إسرائيل، وبالتالي إنقاذ موقعها الإمبراطوري الرئيسي في الشرق الأوسط، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستكون حريصة على الحفاظ على إسرائيل، مركزها الاستراتيجي في المنطقة.

"محاولة لإنقاذ سمعة واشنطن"

وتُظهر بيانات وزارة الصحة في قطاع غزة أن عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع ارتفع إلى أكثر من 32 ألفاً، وأكثر من 74 ألف مصاب منذ 7 أكتوبر الماضي. وبالرغم من تفاقم الأوضاع في قطاع غزة، ومعاناة الفلسطينيين من المجاعة منذ أشهر، استخدمت الولايات المتحدة "الفيتو" 3 مرات لدعم إسرائيل منذ بداية الحرب.

وربط أستاذ الحقوق بالجامعة الغربية في أونتاريو بكندا، مايكل لينك، التغير في موقف واشنطن جزئياً، بمحاولتها إنقاذ سمعتها، قائلاً إن "الولايات المتحدة تغرق دولياً ودبلوماسياً، لأنها كانت شديدة الدفاع عن الحرب الإسرائيلية، والتي هي إبادة جماعية تتكشف في غزة. وكانت بحاجة إلى وضع بعض المسافة بينها وبين إسرائيل".

ولفت لينك إلى أن الولايات المتحدة حاولت قبل ذلك القرار دعم إسرائيل كالعادة، من خلال مشروع قرار "غير متوازن" قدمته الأسبوع الماضي، وهو ما أحبطته روسيا والصين عبر استخدام حق النقض ضده.

وأوضح أن مشروع القرار الأميركي الذي لم يمر "انتقد حركة حماس 6 مرات، ولم يتضمن أي ذكر لإسرائيل حتى النهاية، إلا في سياق حل الدولتين"، مضيفاً أنه "لم يكن يطلب في الواقع وقفاً فورياً لإطلاق النار، بل يقول فقط إن الأمل هو الحصول على وقف إطلاق النار في وقت ما في المستقبل".

وتابع لينك: "الانتقادات التي طالت الولايات المتحدة بسبب مشروع قرارها، واستخدامها (الفيتو) أكثر من مرة ضد مشاريع قرارات لوقف إطلاق النار وسط كارثة إنسانية تحدث في غزة، جعلت واشنطن تدرك أن عدم الوقوف ضد القرار الأخير في مجلس الأمن، (خاصة أنه منخفض ومؤقت)، قد يوقف نزيف مصداقيتها".

ولفت لينك إلى أن عدم استخدام الولايات المتحدة حق النقض يهدف لإرسال إشارة إلى تل أبيب بأن عليهم أن يعيروا المزيد من الاهتمام لما يطلبه أو يطالب به الأميركيون، وأوضح: "أعتقد أن ما يقوله الأميركيون الآن هو أن إسرائيل ليس لديها خطة موثوقة لشن هجومها، ومع ذلك، لا أظن أن واشنطن ستضغط على تل أبيب، أو تذهب إلى أبعد من ذلك".

من جانبه، ذكر خبير الأمن القومي والعلاقات الدولية، أستاذ العلوم السياسية لجامعة "نيوهامشير" ليونيل إنجرام، أن بايدن والولايات المتحدة لم يحرزا أي تقدم في التفاهم مع نتنياهو بشأن كيفية إدارة الحرب، مشيراً إلى أن "دعم المجهود الحربي الإسرائيلي يتضاءل في الولايات المتحدة، ولا يمكن تبرير هذا التفاوت في عدد الضحايا".

ومع ذلك، قال إنجرام: "يبدو أن المجهود الحربي ليس له نهاية فعالة، كما لم يمنع عدد الضحايا واشنطن عن توفير الذخيرة والمساعدات العسكرية وتقديم الدرع الدبلوماسي لإسرائيل في مجلس الأمن".

مخاوف انتخابية

في الوقت نفسه، يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن، قبل نحو 8 أشهر من الانتخابات الرئاسية، انتقادات وانقسامات متزايدة بين مؤيديه بسبب دعمه لإسرائيل، إذ أظهر استطلاع رأي جديد، استياءً متزايداً بين الأميركيين إزاء الحرب.

وكشف استطلاع أجرته مؤسسة "جالوب"، ونشرته الأربعاء، أن أكثر من نصف الأميركيين 55% لا يوافقون على العمل العسكري الإسرائيلي في غزة، في حين أن 36% يوافقون عليه، بانخفاض يصل إلى 14 نقطة مئوية عن شهر نوفمبر الماضي.

وانخفضت الموافقة على الحرب الإسرائيلية بين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، في استطلاع جالوب، إذ إنه على الرغم من موافقة 64% من الجمهوريين على العمل العسكري الإسرائيلي، فإن هذه النسبة تراجعت منذ نوفمبر الماضي، حين قال 71% من الجمهوريين، إنهم يؤيدون الحرب الإسرائيلية.

وللمرة الأولى يجد المؤرخ في جامعة ميشيجان ديريك أيدي أن هناك "صدعاً كبيراً" داخل الحركة اليمينية في الولايات المتحدة، أحدثه الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة، مشيراً إلى وجود "تحولات كبيرة بعيداً عن الرواية الإسرائيلية داخل اليمين"، قائلاً إنها "انقسامات جديدة نسبياً"، وأوضح: "ظهر ذلك من خلال شخصيات بارزة متعاطفة مع ترمب، مثل المذيع اليميني تاكر كارلسون، والمذيعة اليمينية كانديس أوينز، هذه المرة الأولى التي تتوفر فيها مساحة حقيقية في اليمين لانتقاد الدولة الإسرائيلية".

واعتبر أيدي أن هذا الصدع كان أحد الأسباب في امتناع الولايات المتحدة عن دعم إسرائيل بمجلس الأمن هذه المرة.

كما يواجه بايدن تراجعاً كبيراً في دعم الناخبين العرب، بسبب موقفه من الحرب، إذ أفاد المعهد العربي الأميركي، بأن 17% فقط من العرب الأميركيين قالوا إنهم سيصوتون له، مقابل 59% صوتوا له في انتخابات 2020.

ومع إدراك الإدارة الأميركية "خطورة التوقيت"، يعتقد أيدي أن إدارة بايدن تحاول تهدئة مخاوف قاعدته الانتخابية في الولايات المتأرجحة المهمة، خاصة بين التركيبة السكانية العربية، في أماكن مثل ميشيجان، والشباب الذين يصوتون على نطاق أوسع، "والذين كما تعلمون أكثر تعاطفاً مع فلسطين من أي جيل قبلهم"، بحسب قوله.

ولفت أيدي إلى "التصويتات الاحتجاجية" التي ظهرت بين المنظمين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولايات متأرجحة مهمة مثل ميشيجان، كما أشار إلى "ربط ناشطين في الولايات المتحدة اسم الرئيس الأميركي بالإبادة الجماعية بقولهم "جو-الإبادة الجماعية".

وأوضح أيدي أن "جزءاً كبيراً من التوترات القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل يرجع إلى حملة نتنياهو في غزة"، منبهاً أن الحرب الإسرائيلية "تسحب موارد تشتد الحاجة إليها بعيداً عن الحرب بالوكالة مع الروس في أوكرانيا"، وشدد على أن الإدارة الأميركية تتخبط بين كل من جبهة أوكرانيا وجبهة إسرائيل.

وأكد أن "موقف نتنياهو العدواني، ودعوته الأخيرة للاستيلاء على أراضي الضفة الغربية، يفتح المجال أمام صراع أوسع قد تتورط فيه الولايات المتحدة"، ورأى أنه مع تعثر شعبية بايدن، وتزايد التشكيك في مهاراته المعرفية، فإن المزيد من التدخل الأمريكي سيكون أمراً مقيتاً للغاية بالنسبة للأميركيين، وسيفتح طريقاً رئيسياً أمام ترمب لمهاجمة الرئيس الأميركي.

تصنيفات

قصص قد تهمك