أثارت مذكرة سرية أميركية بشأن توسيع نطاق تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الولايات المتحدة وإسرائيل بعد هجوم حركة "حماس" في 7 أكتوبر الماضي، مخاوف متزايدة في واشنطن بشأن ما إذا كانت هذه المعلومات تساهم في استهداف المدنيين بقطاع غزة، وفقاً لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مصادر مطلعة.
وأضافت المصادر في تقرير نشرته الصحيفة الأحد، أن المخاوف الأميركية تتمثل في عدم وجود رقابة مستقلة كافية للتأكد من ألا يتم استخدام المعلومات الاستخباراتية التي توفرها الولايات المتحدة في الضربات التي تقتل المدنيين دون داعٍ، أو تلحق الضرر بالبنية التحتية في القطاع.
وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن اتفاقية تبادل المعلومات الاستخبارية السرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم تحظ بالتدقيق نفسه الذي تجده مبيعات الأسلحة الأميركية لتل أبيب، فإنها أثارت تساؤلات متزايدة من قبل المشرعين الديمقراطيين وجماعات حقوق الإنسان، خاصةً مع تصاعد القلق داخل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن كيفية إدارة إسرائيل لحملتها العسكرية في غزة.
وذكرت الصحيفة أنه يجري مناقشة ما إذا كان تبادل المعلومات الاستخباراتية مع تل أبيب قد ساهم في سقوط ضحايا من المدنيين، داخل الإدارة الأميركية والكونجرس.
وترسل الولايات المتحدة لإسرائيل 320 مليون دولار في شكل مجموعات توجيه من إنتاج شركة "سبايس"، والتي تغير طريقة عمل القنابل غير الموجهة.
ونقلت الصحيفة عن النائب الديمقراطي جيسون كرو، وهو عضو لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، قوله: "الأمر الذي يقلقني هو كيفية التأكد من أن تبادل المعلومات الاستخباراتية يتوافق مع قيمنا ومصالح أمننا القومي".
وأعرب كرو، الذي كتب في ديسمبر الماضي، رسالة إلى مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هاينز للحصول على تفاصيل بشأن ترتيبات مشاركة المعلومات بين واشنطن وتل أبيب، عن شعوره بالقلق من أن "ما تشاركه الولايات المتحدة الآن لا يخدم مصالحها".
"تناقضات كبيرة"
وأودت الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، بحياة حوالي 32 ألفاً من سكان غزة، غالبيتهم من النساء والأطفال، كما أدت إلى تدمير أو إلحاق أضرار جسيمة بمساحة كبيرة من البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المساجد والمستشفيات والجامعات، ولكن إسرائيل تقول إن الدمار واسع النطاق كان أمراً لا مفر منه.
وأشار كرو إلى أنه التقى مع شخصية عسكرية إسرائيلية كبيرة ومسؤولين في الاستخبارات الأميركية، بشكل منفصل، قائلاً إن هناك "بعض التناقضات الكبيرة" في روايات الجانبين عن الخسائر البشرية.
وأوضح مسؤولون أميركيون، لم تكشف الصحيفة عن هويتهم، أن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل يتم بموجب مذكرة سرية أصدرها البيت الأبيض بعد وقت قصير من هجوم حماس في 7 أكتوبر، وتم تعديلها بعد بضعة أيام، كما قامت الولايات المتحدة بتوسيع نطاق عملية جمع المعلومات الاستخباراتية بشأن غزة، بعد أن كانت تعتمد على تل أبيب، إلى حد كبير، للتجسس على القطاع في السنوات الأخيرة.
وفي بداية الحرب، وضع مجتمع الاستخبارات الأميركي مبادئ توجيهية لتبادل المعلومات الاستخبارية مع نظرائهم الإسرائيليين، ولكن كبار صناع القرار في البيت الأبيض هم مَن يقررون في نهاية المطاف ما إذا كان قد حدث أي انتهاك، حسبما قال أشخاص مطلعون لـ"وول ستريت جورنال".
وتقوم وكالات الاستخبارات الأميركية بتجميع أمثلة على الانتهاكات المحتملة لقوانين النزاع المسلح من قبل كلا الجانبين في غزة كجزء من تقرير نصف شهري بعنوان "ملخص الأعمال غير المشروعة المحتملة في أزمة غزة"، وفقاً لأحد مصادر الصحيفة.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأدميرال دانييل هاجاري في مؤتمر صحافي، الثلاثاء الماضي، إن "مستوى التعاون الاستخباراتي والعسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة بات أعلى من أي وقت مضى خلال 30 عاماً من خدمتي في الجيش الإسرائيلي"، مضيفاً: "نشهد مستويات غير مسبوقة من التنسيق الاستخباراتي".
ورفض المسؤولون الإسرائيليون الرد على طلب من "وول ستريت جورنال" للحصول على تفاصيل بشأن ترتيب عملية تبادل المعلومات الاستخبارية بين واشنطن وتل أبيب.
وقال مسؤولون أميركيون وآخرون مطلعون على هذه المسألة إن دعم وكالات الاستخبارات الأميركية لإسرائيل يهدف إلى المساعدة على تحديد مكان قادة الجناح العسكري لحركة "حماس"، والعثور على الرهائن الذين تحتجزهم ومراقبة حدود إسرائيل، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة تتقاسم ما يُعرف بالمعلومات الاستخبارية الأولية، مثل لقطات الفيديو الحية من الطائرات بدون طيار لجمع المعلومات الاستخباراتية فوق غزة، مع وكالات الأمن الإسرائيلية.
ضمانات "تفتقد للمصداقية"
وأكد الأشخاص المطلعون لـ"وول ستريت جورنال"، أن الولايات المتحدة لا تشارك المعلومات الاستخباراتية المخصصة للعمليات البرية أو الجوية في الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، مضيفين أن "تبادل المعلومات الاستخباراتية يركز على جهود استعادة الرهائن ومنع التوغلات المستقبلية داخل إسرائيل"، وهو ما يشمل مراقبة الحشد أو الحركة بالقرب من الحدود.
وقال مسؤولون أميركيون مطلعون على مذكرة أكتوبر السرية، إن إسرائيل مُطالبة بضمان عدم استخدام المعلومات الاستخباراتية الأميركية بطرق تؤدي إلى خسائر غير مقبولة في صفوف المدنيين أو إلحاق أضرار بالبنية التحتية.
وأفاد مسؤول كبير في الاستخبارات الأميركية بأن "إسرائيل تقدم ضمانات بأن العمليات التي تستخدم المعلومات الاستخباراتية الأميركية تتم بطريقة تتفق مع القانون الدولي، بما في ذلك قانون النزاع المسلح، الذي يدعو إلى حماية المدنيين".
وعندما تشارك واشنطن المعلومات الاستخباراتية مع حلفائها، فإنها عادةً ما تقوم أولاً بتقييم ما يمكن أن يفعله الحليف بهذه المعلومات، مثل إمكانية شن ضربة، وتقرر ما إذا كان من القانوني للولايات المتحدة أن تفعل الشيء نفسه، وبناءً على هذا التحديد، قد تطلب الأخيرة ضمانات إضافية من الحليف بشأن ما سيفعله بالمعلومات الاستخباراتية قبل مشاركتها.
وصرَح الرئيس الجمهوري للجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي، مايكل تيرنر، في ديسمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة كانت حذرة في تبادل المعلومات الاستخباراتية عن قيادة "حماس" وبشأن سد الثغرات.
وأضاف، في برنامج "واجه الأمة" على شبكة "سي بي إس": "نحن انتقائيون فيما يتعلق بالمعلومات التي يتم تقديمها".
ولكن مديرة منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ومقرها نيويورك سارة ياجر، قالت إن ترتيب تبادل المعلومات الاستخباراتية لا يتضمن سوى القليل من القواعد والقيود.
ومن جهة أخرى، تدرس الإدارة الأميركية انتزاع ضمانات من إسرائيل بأن الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة تُستخدم وفقاً للقانون الإنساني، وأن تل أبيب لا تمنع تسليم المساعدات الإنسانية التي تدعمها الولايات المتحدة، حسبما قال مسؤولون أميركيون، مضيفين أن تل أبيب قدمت في وقت سابق من شهر مارس الجاري تلك الضمانات المطلوبة للحفاظ على تدفق الأسلحة الأميركية إلى البلاد.
وقالت منظمتا "هيومن رايتس ووتش" و"أوكسفام"، في مذكرة بتاريخ 19 مارس إلى الحكومة الأميركية، إن هذه التأكيدات "ليست ذات مصداقية"، وأشارتا إلى أنه يجب تعليق عمليات إرسال الأسلحة على الفور.