بعد حرب غزة.. سكان "آسيان" يفضلون التحالف مع الصين على الولايات المتحدة

الفيتو الأميركي في مجلس الأمن قوض الثقة في التزام واشنطن بعالم قائم على القواعد

time reading iconدقائق القراءة - 11
علما الصين والولايات المتحدة الأميركية في شانغهاي - REUTERS
علما الصين والولايات المتحدة الأميركية في شانغهاي - REUTERS
دبي-الشرق

أظهر استطلاع حديث أن أكثر من نصف سكان دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، يفضلون الآن التحالف مع الصين على الولايات المتحدة إذا اضطروا للاختيار بين القوتين العظميين المتنافستين، مما يعكس نفوذ بكين المتزايد في المنطقة.

ووفقًا لمسح "حالة جنوب شرق آسيا 2024"، الذي أجراه معهد ISEAS-Yusof Ishak ومقره سنغافورة، اختار 50.5% من المشاركين الصين كقوة عظمى مفضلة، فيما فضل 49.5% الولايات المتحدة، إذا اضطرت الدول المنضوية تحت لواء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) إلى الانحياز إلى أحد الجانبين - وهي المرة الأولى التي تتفوق فيها بكين على واشنطن منذ بدأ الاستطلاع بطرح السؤال في عام 2020، وفق ما نقلت صحيفة "نيكاي آسيا" اليابانية.

وأظهر استطلاع العام الماضي أن 38.9% يفضلون الصين و61.1% اختاروا الولايات المتحدة.

وقال الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في الجامعة الوطنية في سنغافورة تشونغ جا إيان، إن موقف واشنطن المؤيد لحرب إسرائيل على غزة "القوي، والذي لا جدال فيه تقريباً"، على وجه الخصوص، أدى إلى "تضاؤل الثقة في الاعتدال والجهود الأميركية"، وفق صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست"، ومقرها هونج كونج.

وأضاف "ويمتد هذا إلى ما هو أبعد من حقيقة وجود أعداد كبيرة من السكان المسلمين في جنوب شرق آسيا. إن استعداد الولايات المتحدة لعرقلة واستخدام حق النقض (الفيتو) ضد جهود الأمم المتحدة التي تنظر في السلوك الإسرائيلي، أدى إلى انخفاض الثقة في التزام واشنطن بالنظام الدولي الحالي القائم على القواعد”.

وتضم رابطة آسيا كل من بروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام.

وأشرف على الإصدار السادس من دراسة "حالة جنوب شرق آسيا" باحثون من معهد ISEAS-يوسف إسحاق في سنغافورة، واستطلعوا آراء ما يقرب من 2000 شخص من جنوب شرق آسيا في الفترة من يناير إلى فبراير حول القضايا الرئيسية التي تواجه المنطقة.

ويقوم الاستطلاع الرئيسي الذي تجريه مؤسسة الأبحاث باستطلاع آراء أشخاص من القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى أكاديميين وباحثين في جنوب شرق آسيا. ومن ثم، فإنه يعرض المواقف السائدة بين أولئك الذين هم في وضع يسمح لهم بالتأثير على السياسة بشأن القضايا الإقليمية.

وقال عميد كلية لي كوان يو للسياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية داني كواه "يبدو أن هذه هي بداية الاتجاه، فهذه هي المرة الأولى التي تتفوق فيها الصين فعلياً على الولايات المتحدة"، قبل أن يستدرك قائلاً "ولكن إذا نظرنا إلى البيانات الأساسية، فهي في الواقع أشبه بنمط متأرجح أكثر من كونها اتجاهاً".

مد صيني

ومن بين الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا، كان الانحياز للصين أكثر وضوحاً بين المشاركين من ماليزيا، بنسبة 75.1%، تليها إندونيسيا ولاوس بنسبة 73.2% و70.6% على التوالي. وقد استفادت هذه الدول جميعها بشكل كبير من مبادرة الحزام والطريق الصينية للبنية التحتية والعلاقات التجارية القوية، وفق "ساوث تشاينا مورنينج بوست".

وقالت الدراسة إن التحول نحو الصين كان "واضحاً بشكل خاص" في ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند وبروناي ولاوس، حيث استفادت هذه الدول من مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين. ووجدت زيادة بنسبة 20% في تفضيل المشاركين للصين في هذه البلدان.

وظلت الصين أكبر شريك تجاري لماليزيا لأكثر من عقد من الزمن، واستثمرت المليارات في قطاعات رئيسية. وفي العام الماضي، قالت الحكومة الماليزية إن شركة صناعة السيارات الصينية جيلي، التي تمتلك حصة 49.9% في الشريك المحلي بروتون، ستستثمر حوالي 10 مليارات دولار في مركز صناعة السيارات الماليزي في ولاية بيراك الغربية.

وفي انعكاس للعلاقات الاقتصادية القوية للصين وإندونيسيا، التقى الرئيس المنتخب ووزير الدفاع برابوو سوبيانتو الاثنين، مع الرئيس الصيني شي جين بينج في أول زيارة خارجية له بعد فوزه في الانتخابات. وفي العام الماضي، افتتحت الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا أول خط سكة حديد فائق السرعة في المنطقة، والذي تم بناؤه بشراكة مع الصين.

وفي الوقت نفسه، تعمل الشركات الصينية المملوكة للدولة على زيادة الاستثمارات في البنية التحتية للطاقة في لاوس، التي تعتبر بكين أكبر مستثمر فيها.

وكشفت الدراسة أن الدعم الذي تحظى به الولايات المتحدة تضاءل في فيتنام وسنغافورة وميانمار وكمبوديا.

الفلبين تخرج عن إجماع آسيان

ومع ذلك، كانت الفلبين حالة شاذة، حيث سجلت زيادة كبيرة في الثقة بالأميركيين - ويرجع ذلك في المقام الأول إلى التوترات المتزايدة في بحر الصين الجنوبي.

وقالت الدراسة: "لقد تضاءل دعم واشنطن من هذه الدول بشكل عام، باستثناء الفلبين، التي شهدت زيادة ملحوظة في الثقة في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت من 78.8% العام الماضي إلى أعلى مستوى على الإطلاق بنسبة 83.3% هذا العام".

مخاوف من استخدام بكين لقوتها العسكرية

وقالت شارون سيه، وهي زميلة بارزة ومنسقة دراسات "آسيان" في معهد ISEAS-يوسف إسحاق، إنه من المتوقع أن ينمو نفوذ الصين في المنطقة في السنوات القادمة إذا لم يكن هناك توازن في المنطقة.

ومع ذلك، فإن شعبية الصين لا يقابلها تأثير القوة الناعمة. فقد انخفض مستوى الثقة في الصين بشأن "التصرف بشكل صحيح"، في حين شهد مستوى عدم الثقة زيادة طفيفة.

وقالت سيه، التي شاركت في إعداد الدراسة: "من بين أولئك الذين لا يثقون في الصين، فإن السبب الأكثر ذكراً يتعلق بالخوف من استخدام القوة العسكرية والاقتصادية للصين لتهديد سيادة الدول".

وقال الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في الجامعة الوطنية بسنغافورة تشونغ جا إيان، إن هذا الوضع بالنسبة للصين "متغير وليس ثابتاً".

وأضاف "سوف يعتمد الكثير على ما تفعله [الصين]. وكما أثار دعم بكين للعدوان الروسي على أوكرانيا تساؤلات حول استعدادها لدعم الاستقرار العالمي والالتزام بالقانون الدولي الراسخ... فإن أي سلوك مفرط في بحر الصين الجنوبي، أو تجاه تايوان، أو في بحر الصين الشرقي، أو دعماً لكوريا الشمالية هو أمر غير مقبول". مشيراً إلى أن تحركاً في هذا الاتجاه "من المرجح أن يقلل الثقة في الصين".

وأضاف أن المنطقة لا تزال "مؤيدة للوضع الراهن" وأي سلوك للقوى الكبرى "يهدد بزعزعة الوضع الراهن" من المرجح أن يواجه بالتشكيك.

وتابع "مهما كانت الفوائد التي قد تجلبها القوى الكبرى، فمن المرجح أن يؤدي السلوك المفرط و/أو غير المعقول إلى إضعاف الثقة. سيكون هناك تحيز للحداثة بالإضافة إلى تحيز سلبي في مثل هذه الاستجابات، خاصة إذا كان هذا الإجراء يُنظر إليه على أنه يحرم أو يهدد ما تتمتع به الجهات الفاعلة في جنوب شرق آسيا حالياً".

حرب غزة ضمن الاهتمامات

ووجدت الدراسة أن الحرب الإسرائيلية على غزة كانت حاضرة لدى المشاركين، حيث قال أكثر من 46% ممن شملهم الاستطلاع إن الحرب كانت مصدر قلق كبير للحكومات، حيث صنفتها الدول ذات الأغلبية المسلمة على أنها مصدر قلق جيوسياسي كبير.

كما أشار أكثر من نصف المشاركين في سنغافورة إلى أن حرب غزة كانت مصدر قلق كبير. لكن بشكل عام، أعرب 41.8% ممن شملهم الاستطلاع عن قلقهم من أن الهجوم الإسرائيلي على غزة قد ذهب إلى أبعد من اللازم، في حين قال ما يقرب من الخمس أنهم يعتقدون أن لإسرائيل "الحق في الانتقام، بموجب القانون الدولي".

وقال 8.8% فقط أن لإسرائيل الحق في الرد بالطريقة التي تراها مناسبة. وأظهر الاستطلاع أيضاً أن 7.5% من المشاركين يعتقدون أن هجوم "حماس" على إسرائيل لا يمكن تبريره، بينما رأى 5.8% عكس ذلك.

وقالت سيه "بينما تدعم بعض الدول في المنطقة حق الرد على الأعمال الإرهابية، هناك وجهة نظر متزايدة مفادها أن تناسب الرد الإسرائيلي والتكلفة الإنسانية الهائلة التي تسبب فيها تتعارض مع مبدأ القانون الدولي".

وأضافت أنه بينما كان هناك عنصر ديني يؤثر على الدعم الإقليمي للفلسطينيين، فإن "الانتهاكات الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة أصبحت مصدر قلق خطير".

وبالإضافة إلى مخاوفهم بشأن الأنشطة المتطرفة، أشار الكثيرون أيضاً إلى تراجع الثقة في النظام الدولي القائم على القواعد كقضية رئيسية.

وقال الاستطلاع: "لقد برز الصراع المستمر بين إسرائيل وغزة كقضية مثيرة للجدل في جنوب شرق آسيا، ويحظى باهتمام كبير في السياسة الداخلية للمنطقة"، وتابعت أنه على الرغم من المسافة الجغرافية، فإن صدى الصراع تردد بقوة في هذه المنطقة المتنوعة والمتعددة الأعراق والأديان.

وقال حوالي 27.5% من المستطلعين إن ثقتهم في القانون الدولي والنظام القائم على القواعد قد قوضت بسبب الحرب.

ومع ذلك، يقول المحللون إن الصراع في الشرق الأوسط من غير المرجح أن يؤدي إلى تقسيم رابطة دول جنوب شرق آسيا.

استخدام الفيتو ضد غزة بمجلس الأمن

الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في الجامعة الوطنية في سنغافورة تشونغ جا إيان إن استعداد الولايات المتحدة لاستخدام حق النقض ضد عمليات الأمم المتحدة بشأن تجاوزات إسرائيل في غزة أدى إلى تصور بأنها "مستعدة لمنح تصريح مجاني للأصدقاء، إلى حد تشويه عمليات الأمم المتحدة".

وقال: "مما يزيد الأمور سوءاً هو احتمال أن إعطاء إسرائيل ما يبدو وكأنه شيك على بياض قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط، وإمدادات الوقود الأحفوري، وسلاسل التوريد العالمية".

وأضاف تشونغ "وجود مرشح رئاسي يشكك في التحالفات الأميركية (مع جنوب شرق آسيا) والالتزامات الدولية الأخرى، ويعارض التجارة الأكثر انفتاحاً يزيد من قلق جنوب شرق آسيا"، في إشارة إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي يتنافس هذا العام على منصب الرئاسة.

وفي مارس، شددت الولايات المتحدة موقفها تجاه إسرائيل، فاقترحت استصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وإبرام اتفاق بشأن الرهائن بين إسرائيل و"حماس".

وعلى الرغم من أن روسيا والصين استخدمتا حق النقض (الفيتو) ضد القرار، إلا أنها كانت المرة الأولى التي تدعم فيها واشنطن نصاً تم طرحه للتصويت عليه يحتوي على كلمة "وقف إطلاق النار" وسط الصراع.

والولايات المتحدة هي إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) إلى جانب بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا.

وفي فبراير الماضي، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في قطاع غزة. ومن بين أعضاء مجلس الأمن الـ15، صوتت 13 دولة لصالح القرار، مع امتناع بريطانيا عن التصويت.

تصنيفات

قصص قد تهمك