قال خبراء إن روسيا كثفت إنتاجها العسكري "بتجديد مخزوناتها من الأسلحة والذخائر المعيارية"، حتى باتت قادرة على مواصلة الحرب في أوكرانيا "للعامين القادمين على الأقل"، بحسب ما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية التي قارنت ذلك بمعاناة أوكرانيا من نقص الأسلحة والجنود، وخسارة الأراضي في ميدان المعركة.
ويرى الخبراء أن الكرملين يسعى من أجل زيادة قدراته العسكرية وإنتاج أسلحة حديثة يمكنها تحسين الأداء الميداني للقوات الروسية في أوكرانيا، لكنه استفاد في الوقت نفسه من تفوقه الساحق في أعداد الجنود وقدرته على تسليحهم بأسلحة قديمة، لكنها صالحة للاعتماد عليها، بالإضافة إلى قدرته على تحمل واستيعاب خسائر فادحة.
ومن خلال إعادة ضبط اقتصاده على أساس الحرب، وتمكين المؤسسات العسكرية من العمل بأقصى طاقاتها لإنتاج أو تجديد المعدات القديمة، وشراء قطع غيار من إيران والصين وكوريا الشمالية، حققت روسيا تعافياً مفاجئاً من خسائرها المبكرة في أوكرانيا، بحسب الخبراء.
ويقول الخبير الاقتصادي الروسي نيكولاي كولباكا إن روسيا "لا تنتج المزيد من معداتها القتالية الحديثة، لكنها تصنع الكثير من معدات العمل والبنادق والقذائف والأسلحة الجماعية الأكثر بساطة".
ومع تباطؤ وتيرة تزويد كييف بالمساعدات العسكرية الغربية في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك المساعدات الأميركية، استعادت القوات الروسية زمام المبادرة في حربها على أوكرانيا، إذ يمكن للروس الآن القصف بالمدفعية ونشر الطائرات المسيرة بمعدلات تفوق الأوكرانيين بكثير.
تجديد الأسلحة السوفيتية
وأعادت روسيا تسليح قواتها عن طريق تجديد المعدات الموجودة لديها سابقاً، والتي يعود معظمها إلى الحقبة السوفيتية.
وقال الخبراء لـ"واشنطن بوست" إن قطع الغيار الصينية والكورية الشمالية والإيرانية "ذات جودة غير متسقة"، لكن شرائها أظهر قدرة موسكو على التحايل على العقوبات.
واعتقد المسؤولون الأميركيون في البداية أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى تدهور قدرات الجيش الروسي بشكل خطير، لكن القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا الجنرال كريستوفر كافولي قال في شهادته أمام الكونجرس، في وقت سابق من أبريل، إن "موسكو لديها الآن عدد من الجنود يفوق ما كان لديها في بداية هجومها على أوكرانيا، وأظهرت القوات الروسية المسلحة قدرة متسارعة على التعلم والتكيف مع التحديات الميدانية على المستويين التكتيكي والتكنولوجي".
وفي أواخر العام 2023، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على زيادة قياسية في الإنفاق العسكري لعام 2024، إذ يخطط لإنفاق نحو 115 مليار دولار، ما يعادل تقريباً ثلث إجمالي الميزانية السنوية لبلاده وضعف الأموال التي كانت مخصصة للجيش في عام 2021، وهو العام السابق على الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي الأشهر الأخيرة، أعلن مسؤولون روسيون رفيعون، بينهم وزير الدفاع سيرجي شويجو، عن أرقام قياسية، إذ أبلغوا بوتين بأن المجمع الصناعي العسكري ضاعف إنتاجه من المركبات المدرعة "4 مرات"، وزاد توريده للدبابات "5 مرات"، وعزز تصنيع الطائرات المسيرة وقذائف المدفعية بنحو "17 مرة".
ولكن "واشنطن بوست" تشكك بصحة هذه الأرقام، بما في ذلك تصنيع 1500 دبابة في عام 2023، بدعوى أنه "لا يمكن التحقق منها"، متهمة الجيش الروسي بأنه يستخدم "التلاعب بالأرقام" و"يخلط بين الجديد والمعاد تصنيعه" لإظهار نتائج إيجابية.
ومع ذلك يرى خبراء أن إمدادات المعدات الحالية لدى الجيش الروسي "محدودة"، وأن التحدي الرئيسي الذي تواجهه موسكو يتمثل في تطوير قدرتها على تصنيع مركبات قتالية جديدة، عندما ينفد ما لديها من الطرز القديمة التي تحتاج إلى تحديث.
وأضافوا أن آخر هيكل جديد للدبابة T-80 تم بناؤه منذ عقود، إذ قامت روسيا بتفكيك وتجديد المئات من تلك الدبابات التي تم تصنيعها منذ أكثر من 50 عاماً، لكن في الخريف، أمر قادة الجيش الروسي بتجديد إنتاج الدبابة نفسها في مصنع "أومسك لهندسة النقل" Omsktransmash.
وقال محلل الحروب البرية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية مايكل جيرستاد إن روسيا حاولت تعويض إمدادات المعدات المتقدمة التي يمنحها الغرب إلى أوكرانيا بمنح الأولوية للكم، وتخصيص الدبابات الأفضل للوحدات المدربة بشكل أفضل، وإمداد الوحدات المؤلفة من مجندين ومدانين سابقين بالدبابات T-55 وT-62 القديمة.
أهمية المسيرات
وتعد الطائرات المسيرة أكثر أهمية لموسكو في حربها على أوكرانيا من الدبابات. ولزيادة إمدادات هذه الطائرات، أبرمت روسيا صفقة مع إيران لإنشاء مصنع لإنتاج الطائرات المسيرة "شاهد" في تتارستان، على مسافة نحو 500 ميل شرق العاصمة موسكو، وضغطت من أجل زيادة إنتاج الطائرة بدون طيار الروسية Lancet ذاتية التفجير، والتي تقوم على تصنيعها شركة تابعة لشركة الأسلحة الروسية العملاقة Kalashinkov Concern.
وقال خبير الطائرات بدون طيار في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فابيان هينز إن الروس "حولوا مراكز التسوق القديمة إلى منشآت لإنتاج الطائرات المسيرة، إذ تمكنوا على ما يبدو من زيادة معدلات الإنتاج قليلاً".
وأضاف هينز أن "روسيا ليست بحاجة إلى أن تصبح الجيش الأكثر ابتكاراً في العالم"، مشيراً إلى أن الروس "إذا تمكنوا من الحصول على عدد قليل من الأنظمة التي تعمل جيداً، مثل Lancet، ثم تمكنوا من فرض الإنتاج بضراوة، فإن هذا سيكون خطيراً بما يكفي".
وللتغلب على العقوبات، أنشأت روسيا سلاسل توريد جديدة للحصول على المكونات الغربية للمعدات العسكرية عالية التكنولوجيا، حيث تم نقل هذه المكونات عبر تركيا والصين وكازاخستان، وفقاً لما قاله خبراء لـ"واشنطن بوست".
وخلص تقرير حديث أصدرته مدرسة كييف للاقتصاد إلى أن "روسيا لا تزال قادرة على شراء كميات كبيرة من المدخلات التي يحتاج إليها إنتاجها العسكري". ووجد التقرير أن واردات السلع ذات الأولوية "تراجعت بنسبة 10% فقط" منذ فرض العقوبات.
وسعت روسيا أيضاً إلى الحصول على المواد الخام الأساسية. ودعا المسؤولون في دول البلطيق، في مارس، إلى حظر مبيعات خام المنجنيز، المكون الرئيس في إنتاج الصلب والسبائك، بعد أن ذكرت وسائل إعلام إستونية أن واردات روسيا من هذا الخام قد ارتفعت، غالباً عبر موانئ إستونيا ولاتفيا.
كما تمكنت روسيا من الحصول على إمدادات من النيتروسليلوز، وهو مركب ضروري لإنتاج المتفجرات مثل قذائف المدفعية، وفقاً لتقرير صادر عن مركز استراتيجيات الدفاع في أوكرانيا، وجاءت الإمدادات من دول عدة، بما في ذلك ألمانيا وتايوان والصين.