قابلت إسرائيل إعلان حركة "حماس"، موافقتها على المقترح المصري القطري بشأن إبرام صفقة لتبادل المحتجزين والتهدئة بين الجانبين في غزة، بتحرك عسكري في مدينة رفح، أقصى جنوب القطاع، وإعلان سيطرتها على معبر رفح الحدودي، في خطوة لا تزال تفاصيلها العسكرية غامضة حتى بالنسبة للمقربين من دائرة صنع القرار.
وما إن أعلنت "حماس"، الاثنين، موافقتها على المقترح المصري حتى سارعت إسرائيل على لسان أكثر من مسؤول بالإعلان عن أن ما وافقت عليه الحركة "مقترح جديد أدخلت عليه حماس تعديلات، وليس مقترح الوسطاء الأصلي".
وأثار تحرك إسرائيل العسكري في رفح، بعد إعلان حماس الموافقة على الصفقة، استغراب المراقبين في إسرائيل، حتى أن المحلل العسكري بهيئة البث الإسرائيلية يارون أبراهام، قال: "هناك شيء ما حدث في الساعات القليلة الماضية. لا يزال من غير الواضح ما الذي حدث وأدى إلى هذا التطور".
وأشار أبراهام إلى أن رئيس الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) دافيد برنياع، أعلن مساء الاثنين، أنه "لن يرسل وفداً إلى القاهرة"، بينما توجه مدير وكالة الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز إلى قطر لإنقاذ المفاوضات.
وتابع أنه "جرت محادثة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قال لنتنياهو لا تذهب بعيداً في رفح، ولا تفعل عملاً لا رجعة فيه ويؤدي إلى عرقلة التوصل إلى صفقة مع حماس"، موضحاً أن "شيئاً ما غير مفهوم حدث".
"عملية محدودة" أم ضغط؟
أما المحلل العسكري في هيئة البث نير ديبوري، والمعروف في إسرائيل بقربه من الجيش، فأكد أن ما يجري في رفح "عملية محدودة".
وأضاف: "بحسب الخطة العملياتية، فإن إسرائيل ستقوم بتحرك محدود في رفح. وهذا تحرك يشمل بعض المناطق ويمكن وقفُه في أي لحظة، إذا حدث تطور إيجابي حقيقي في المفاوضات في سياق صفقة إطلاق سراح الرهائن".
وتابع: "أي تحرك عسكري في هذه المنطقة من محور فيلادلفيا ومعبر رفح يجب أن يكون مدعوماً بخطوة سياسية مكملة، وإلا فلا يمكن التوصل إلى النتيجة المرجوة وهي إطلاق سراح الرهائن وإلحاق الضرر بحماس".
بدوره، يعتقد مدير العمليات السابق بوزارة الدفاع الإسرائيلي يسرائيل زيف، أن عملية رفح هي "خطوة للضغط" على الحركة الفلسطينية لإتمام صفقة التبادل، لكن ليس بشروط "حماس".
وأضاف زيف في حديث لهيئة البث الإسرائيلية: "النجاح هنا هو أن يؤدي التهديد العسكري في رفح إلى النتيجة المرجوة وهي تحرير الرهائن والإضرار بحركة حماس".
وتابع: "جهود هائلة تبذلها الولايات المتحدة ومصر ودول أخرى في المنطقة للتوصل إلى صفقة، ولا يمكن لإسرائيل أن تتراجع في هذه المرحلة وعليها أن تمضي قدماً في الصفقة وأن تأخذ في المقابل خطوة أخرى جزء منها تفكيك حماس".
وأردف: "علينا أن نستغل هذه الفرصة لاستبدال حكم حماس، الذي تجنبته إسرائيل حتى الآن في كل قراراتها المتعلقة باليوم التالي لانتهاء الحرب".
وعن إعلان الحركة موافقتها على المقترح المصري القطري، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأميركية بمدينة جنين بالضفة الغربية أيمن يوسف، إن الحركة "أدركت أن إسرائيل ماضية نحو عملية عسكرية في رفح، فسارعت بإعلان موافقتها".
وأضاف في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي (AWP): "موافقة حماس جاءت بعد احتشاد عسكري في رفح وبدء إجلاء السكان إلى مناطق أخرى، وكذلك بعد عملية ناجحة للمقاومة عند معبر كرم أبو سالم، وبالتالي المقاومة وصلت إلى قناعة تقول إن معركة رفح قائمة وإن الاحتلال يخطط لمجزرة كبيرة هناك، وهو ما دفع بحماس لإعلان موافقتها على المقترح المصري والتي جاءت في محاولة لتفويت الفرصة على إسرائيل".
وأشار يوسف إلى أن حماس "ألقت الكرة في الملعب الإسرائيلي في ظل الضغوط الميدانية والمتغيرات المتتالية على الأرض بالتزامن مع الجهود الدولية والإقليمية المتواصلة للتوصل لاتفاق تبادل أسرى وتهدئة في غزة".
ضغوط على نتنياهو
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع، أن إسرائيل تلقت إعلان حركة "حماس" بشيء من الصدمة، قائلاً في هذا الصدد: "الإسرائيليون اعتبروا موافقة حماس خدعة هدفها جر إسرائيل إلى مربع لا تريده".
وتابع: "سارع الجيش لإعلان أن كل الإمكانيات مطروحة لإعادة المحتجزين، واعتبر مسؤولون إسرائيليون أن الموافقة على ما تقدمت به حماس هو انتصار للطرف الفلسطيني وخضوع لغزة".
وبحسب مناع، يتعرض نتنياهو لضغطين، أولهما من الولايات المتحدة التي تريد اتفاقاً يؤدي لإطلاق سراح الرهائن، والثاني من أركان حكومته اليمينية وتحديداً من وزيري المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن جفير اللذان لا يريدان الصفقة ويصران على مواصلة الحرب.
ويعتقد مناع أن نتنياهو نفسه يريد إنهاء الحرب في اللحظة التي يراها مناسبة وفق حساباته الداخلية التي تضمن له البقاء في الحكم ولا تؤدي إلى إسقاطه.
في المقابل، اعتبر الجانب الرسمي الإسرائيلي موافقة حركة "حماس" على المقترح المصري، نوعاً من "المراوغة وممارسة الألاعيب".
فبعد بيان الحركة، الذي أعلنت فيه الموافقة، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إنه "أجرى مناقشة مع كبار قادة الجيش حول العملية في رفح".
وأضاف في بيان: "هذا المساء جرت مناقشة مع رئيس الأركان ورئيس شعبة العمليات بشأن الخطط العملياتية للجيش الإسرائيلي، والتي ستبدأ قريباً في منطقة رفح وأماكن أخرى في قطاع غزة". وبعد لحظات من هذا البيان تقدمت الآليات الإسرائيلية نحو المناطق الشرقية من رفح ومعبرها البري.
وشن بن جفير هجوماً على حركة "حماس" واتهمها بممارسة "الألاعيب"، قائلاً في منشور عبر منصة "إكس": "مناورات وألاعيب حماس ليس لها إلا إجابة واحدة هي أن علينا التوجه فوراً لاحتلال رفح وزيادة الضغط العسكري واستمرار محاربة حماس حتى هزيمتها الكاملة".
لكن زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، هاجم المسؤولين الإسرائيليين الذين يرفضون الصفقة ووصفهم بأنه "يتلاعبون بمشاعر أهالي المحتجزين".
وقال لبيد في بيان نشره على منصة "إكس": "الحكومة التي تريد إعادة المختطفين عليها أن تعقد الآن نقاشاً عاجلاً وترسل فرق التفاوض إلى القاهرة، ولا تصدر بشكل هستيري 3 إحاطات مختلفة من أطراف مختلفة وتسحق قلوب الأهالي. ما يحدث عار وطني بلا حدود".