"سليماني الدبلوماسية".. أمير عبد اللهيان وزير خارجية الصقور في إيران

time reading iconدقائق القراءة - 10
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يتحدث إلى مجلس الأمن خلال اجتماع حول أوضاع الشرق الأوسط في مدينة نيويورك- 18 أبريل 2024 - Reuters
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يتحدث إلى مجلس الأمن خلال اجتماع حول أوضاع الشرق الأوسط في مدينة نيويورك- 18 أبريل 2024 - Reuters
دبي-الشرق

جاء المشهد الأخير في حياة وزير خارجية إيران الراحل حسين أمير عبد اللهيان، مأساوياً، في حادث تحطم مروحية كانت تقله والرئيس إبراهيم رئيسي، فوق منطقة وعرة شمال غرب البلاد، بسبب سوء الأحوال الجوية.

وعندما كان المرشح الأبرز لخلافة محمد جواد ظريف في وزارة الخارجية، لم يكن عبد اللهيان دبلوماسياً غريباً على المجتمع الدولي، إذ تولى العديد من المناصب، ولاسيما ما يتعلق منها بالشؤون الدولية والإقليمية، وينتمي السياسي الإيراني الذي توفي عن 60 عاماً إلى التيار المحافظ في بلاده، ما منحه ثقة المرشد علي خامنئي والحرس الثوري في مهام عديدة أنيطت به.

ومنذ مشاركته في الحرب العراقية الإيرانية، ومن ثم دخوله السلك الدبلوماسي، عُرف عن عبد اللهيان تأثره بنهج الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الذي قضى نحبه في غارة أميركية بطائرة من دون طيار خلال يناير 2020، إذ لطالما أعرب عبد اللهيان عن تأييده المطلق لما يسمى "محور المقاومة"، ممثلاً بالجماعات التي تدعمها طهران في المنطقة، وقد وصفه البعض بأنه "سليماني الدبلوماسية"، في إشارة إلى اتباعه خطى قاسم سليماني.

نشأة فقيرة

على بعد 340 كيلو متر شرق طهران (شمال البلاد)، وُلد حسين أمير عبد اللهيان في عام 1964 لعائلة فقيرة في مدينة دامغان، وبينما كان لا يزال في السادسة من عمره توفي والده، فاضطرت العائلة في سعيها للبحث عن ظروف أفضل للانتقال إلى العاصمة، حيث استقرت في أحد أفقر أحياء المدينة جنوب مطار مهرآباد الدولي.

وفي وصفه لمستوى الفقر والحرمان في المنطقة التي عاش فيها خلال طفولته، كان عبد اللهيان يقول إنه "من الجنوب"، وهو مصطلح مخصص عادة للعائلات التي تعيش في الضواحي الجنوبية الفقيرة لطهران، وتتمتع بمستوى منخفض نسبياً من الرفاهية وسبل العيش، إذ لم يكن هناك مستشفى أو حتى عيادة صغيرة حيث نشأ، وبعد ذلك، بمساعدة مجموعة من السكان المحليين وأصدقائه، أنشأوا جمعية خيرية، على ما روى في إحدى مقابلاته.

وخلال الحرب العراقية الإيرانية بين 1980 و1988، تطوع عبد اللهيان للخدمة في قوات بلاده.

وفي العام 1991، حصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية، ثم أكمل الماجستير والدكتوراة في التخصص نفسه من جامعة طهران، وسرعان ما دخل السلك الدبلوماسي، وعُيّن وكيلاً لسفارة بلاده في العراق عام 1997.

"سليماني الدبلوماسية"

بحسب تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، بعد تشكيل الحكومة الجديدة في طهران عام 2021، وصف أحد المشرعين الإيرانيين عبد اللهيان بأنه "قاسم سليماني آخر في مجال الدبلوماسية"، وذلك استناداً إلى ما يعرف عنه من مواقف داعمة لما يُسمى "محور المقاومة" في الشرق الأوسط، والتي تشمل عدداً من الجماعات الدينية والمسلحة، على غرار حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن، وحركة "حماس"، وغيرهم من الجماعات التي تدعمها إيران في المنطقة.

وقد وصف عبد اللهيان نفسه ذات مرة، وفقاً للمجلة، بـ"جندي سليماني"، لافتاً إلى أنه في كل مرة يذهب إلى دولة ما كمبعوث دبلوماسي وتفاوضي، فإنه يتشاور أولاً مع قاسم سليماني للحصول على التوجيه اللازم، وأشار إلى أنه منذ بداية حياته المهنية، عمل بشكل وثيق مع قائد فيلق القدس، وكان حاضراً خلال المفاوضات المباشرة عام 2007 مع الأميركيين في العراق، عندما كان الفريق الإيراني تحت إشراف سليماني يتفاوض مع مسؤولي وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع الأميركية.

وفي أول زيارة ثنائية رسمية له كوزير للخارجية الإيرانية، حطّت طائرة عبد اللهيان في العاصمة السورية دمشق، حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد للتأكيد على دعم طهران لحكومته.

كما حظي ترشيح عبد اللهيان لتولي حقيبة الخارجية بأغلبية 270 صوتاً مقابل 10 أصوات، في البرلمان الذي يقوده المحافظون، وأظهرت النتيجة آنذاك حجم التأييد والثقة التي يحظى بها القادم الجديد إلى وزارة الخارجية.

وشغل عبد اللهيان سابقاً عدداً من المناصب المهمة في النظام السياسي الإيراني، أبرزها: نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والإفريقية، ورئيس اللجنة الخاصة بالعراق في وزارة الخارجية، وسفير إيران لدى البحرين، ومساعد السفير في بغداد، ومستشار وزارة الخارجية.

الخلاف مع ظريف

في عام 2011، وبسبب علاقته الوثيقة مع "فيلق القدس" وقاسم سليماني، قام الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد بتعيين عبد اللهيان نائباً لوزير الخارجية للشؤون العربية والإفريقية، وعندما أصبح محمد جواد ظريف وزيراً للخارجية عام 2013، كان عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الوحيد من عهد نجاد الذي احتفظ بمنصبه، حيث شغله 3 سنوات أخرى.

لكن تم فصله فجأة عام 2016، وأشارت تقارير حينها إلى أن السبب يعود إلى معارضته لنهج جواد ظريف فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، ورداً على سؤال حول الإطاحة به، قال أمير عبد اللهيان إن ظريف ينتهج سياسات جديدة في المنطقة بعد اختتام المحادثات النووية.

وقوبل استبعاده بانتقادات حادة من المحافظين ووسائل الإعلام الموالية لهم.

واعتبر البعض آنذاك أنه "تمت الإطاحة به لاسترضاء الدول العربية والولايات المتحدة"، إذ كان وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري، يرى في أمير عبد اللهيان إحدى العقبات الرئيسية أمام جهود السلام والدبلوماسية التي بذلها الرئيس حسن روحاني تجاه واشنطن، وبعض بلدان الشرق الأوسط، لكن ظريف نفى تلك الادعاءات مؤكداً أن الأمر ليس أكثر من انتقال إلى إدارة مختلفة في وزارة الخارجية.

"لغة القوة"

ومنذ تسلّمه منصبه عام 2021، أعلن حسين أمير عبد اللهيان بشكل واضح ما يريد تحقيقه من خلال وزارة الخارجية، قائلاً "نحن في الشرق الأوسط نتطلع إلى تعزيز إنجازات محور المقاومة. نحن فخورون بدعم حلفائنا".

ولطالما رأى أن تصرفات قاسم سليماني و"فيلق القدس" في الشرق الأوسط جلبت الأمن لإيران والمنطقة، معتبراً أن موافقة الولايات المتحدة على التفاوض مع طهران في مناسبات مختلفة ارتكزت بشكل أساسي على قدرات إيران ونفوذها في المنطقة.

وذكرت المجلة الأميركية أن موقف عبد اللهيان تجاه الاتفاق النووي يتمثّل في أن "الدبلوماسية لا تفهم إلا لغة القوة"، إذ يعتقد أنه، كي ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن إيران، يجب على الأخيرة زيادة نفوذها في المفاوضات من خلال تطوير برنامجها النووي، كما أيد التشريع الذي بموجبه خفضت طهران بشكل كبير التزاماتها النووية، وقيدت بشكل وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت النووية.

وكان من المتوقع أن تشهد وزارة الخارجية الإيرانية خلال تسلّم عبد اللهيان لشؤونها توسعاً كبيراً في دورها، لا سيما في ظل الدعم والثقة اللذين يحظى بهما من قبل المرشد علي خامنئي والحرس الثوري.

مواقف سياسية

فور تعيينه في منصبه خلال أغسطس 2021، كتب عبد اللهيان تغريدة عبر حسابه في منصة "إكس"، قال فيها: "عقدت العزم على متابعة سياسة خارجية متوازنة وفاعلة وذكية تعتمد على مبادئ العزة والحكمة والمصلحة. الأولوية لجيراننا والقارة الآسيوية".

وفي منتصف الشهر نفسه، استولت حركة "طالبان" على الحكم في أفغانستان، وأسقطت نظام الرئيس أشرف غني المدعوم من واشنطن، ما أثار قلق الإيرانيين تجاه الحدود الشرقية، لا سيما أن "طالبان" تتبنّى أيديولوجيا دينية ليست على وفاق مع الأيدولوجيا الحاكمة في طهران.

وقال وزير الخارجية الإيراني في تصريحات خلال تلك الفترة إن إيران تريد "حكومة (في أفغانستان) تقوم على الحوار بين جميع الفئات، تعكس التركيبة العرقية والمجتمع للبلاد"، مشيراً إلى أن بلاده تريد أن ترى أفغانستان "خالية من الحرب والإرهاب"، وأن "تتبنى حركة طالبان نهجاً ودياً تجاه جيرانها، وتتعهد بعدم وجود أي تهديد ضدهم من أراضيها".

وعندما تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، إثر هجوم غير مسبوق استهدفت فيه الأخيرة قنصلية طهران في دمشق مطلع أبريل الفائت، وأدى إلى مصرع عدد من الجنرالات الإيرانيين، أيّد عبد اللهيان بقوة الرد الانتقامي الذي اختارته بلاده بإطلاق عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة تجاه إسرائيل، والذي لم يسفر عن أي خسائر بشرية بين الإسرائيليين بحسب بيانات الطرفين.

وفي تصريحات صحافية خلال تلك الأزمة، أكد عبد اللهيان أن بلاده تمكنت من تحقيق أهدافها في إطار "الرد العقابي الأدنى" على إسرائيل، بحسب وصفه، معتبراً أن استهداف إسرائيل بصواريخ ومسيّرات يعكس "الإرادة الحاسمة" لدى طهران، لكنه في الوقت نفسه قال إن إيران لن تعمل على توسيع رقعة الصراع والحروب في المنطقة.

تصنيفات

قصص قد تهمك