تركيا وإيران.. "لعبة توازن" تتأرجح بين توافق اقتصادي وخلاف سياسي

time reading iconدقائق القراءة - 8
اجتماع سابق بين وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الإيراني (الراحل) حسين أمير عبد اللهيان في طهران. 3 سبتمبر 2023 - Reuters
اجتماع سابق بين وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الإيراني (الراحل) حسين أمير عبد اللهيان في طهران. 3 سبتمبر 2023 - Reuters
إسطنبول -إسماعيل درويش

أظهر حادث تحطم مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي شغل الرأي العام العالمي، جانباً من طبيعة العلاقات بين إيران وتركيا، وتذبذبها بين المجاملات الرسمية، والتحالفات الاقتصادية، وكذلك الخلافات على القوة والنفوذ الإقليمي.

وشاركت تركيا في جهود البحث عن حطام الطائرة، وأعلنت تنكيس أعلامها حداداً على ضحايا الحادث، لكن الحادث أسفر أيضاً عن تجاذب بين انقرة وطهران بشأن صاحب الفضل في تحديد موقع الحطام، فكل من الجانبين نسب الفضل لطائراته المسيرة في تحديد الموقع.

وتصاعد الجدل، الأسبوع الماضي، في أعقاب إعلان وكالة أنباء "الأناضول" الرسمية، أن المسيّرة التركية "بيرقدار أقينجي" هي التي حددت موقع حطام المروحية، ونشرت مقطع فيديو يظهر المسيّرة، وهي ترسم العلم التركي بعد عودتها إلى أنقرة.

وبينما ذكرت الوكالة التركية، أن طهران هي التي طلبت المساعدة، قالت هيئة الأركان الإيرانية إنها وافقت على "اقتراح تركيا" بإرسال المسيرة.

وبعدها أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، في بيان، أن تركيا أرسلت طائرة مسيرة مزودة بكاميرات رؤية ليلية وحرارية "فشلت في الإعلان بدقة عن موقع تحطم المروحية، بسبب عدم وجود معدات كشف ومراقبة النقاط تحت السحاب"، حسبما نقلت وكالة أنباء "تسنيم" الإيرانية للأنباء.

تحسن العلاقات مع مصر والسعودية

التجاذبات التي ظهرت في العلن فور الإعلان عن العثور على المروحية، أظهرت طبيعة العلاقات بين إيران وتركيا، حسبما يرى المنسق العام لمركز "داكتيلو" للدراسات في إسطنبول، إلكان دالكوتش، والذي اعتبر أن "العلاقات بين طهران وأنقرة ليست جيدة جداً كما يبدو"، لكنها دائماً ما تحافظ على توازن معين.

وأضاف دالكوتش لـ"الشرق": "يمكنني القول إن تحسُّن علاقات تركيا مع السعودية ومصر والإمارات، زاد بشكل غير مباشر من احتمال حدوث صدْع مع إيران التي توجست من هذه التطورات".

وأوضح الباحث التركي، أن ما يجمع بين أنقرة وطهران لا يتعدى المصالح المحدودة، أما أغلب القضايا الإقليمية بما فيها الداخلية منها فهي ملفات خلافية حادة، "خصوصاً إذا نظرنا إلى الدعم الذي تقدمه إيران لحزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة (منظمة إرهابية)، ويهدد أمنها القومي".

وأشار دالكوتش، إلى أن ثمة ملفات خلافية أخرى بين البلدين مثل التقارب بين إسرائيل وأذربيجان، وهو الأمر الذي يزعج طهران، لافتاً إلى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، يتهم إيران بدعم جماعات الإسلام السياسي التي تضغط على حكومته لوقف التجارة مع إسرائيل.

الاقتصاد يجمع أنقرة بطهران

وعلى النقيض من ذلك، يرى الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية حكم أمهز، أن ما يجمع بين تركيا وإيران أكثر مما يفرقهما. موضحاً: "يجمع البلدين عامل جغرافي وآخر قومي، فضلاً عن العادات والتقاليد المشتركة بين شعبي البلدين، وهذه الأمور تلعب دوراً كبيراً في تعزيز العلاقات".

وقال أمهز لـ "الشرق"، إن "الاقتصاد من أهم ملفات التوافق بين طهران وأنقرة، إذ إن هناك تبادلاً تجارياً كبيراً بين البلدين اللذين يسعيان لتعزيزه والوصول به إلى 20 مليار دولار سنوياً، وبالنسبة لتركيا فإنها تولي أهمية لإيران كونها أحد مصادر النفط".

وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 5.49 مليار دولار في عام 2023، منها صادرات تركيا إلى إيران بقيمة 3 مليارات و310 ملايين دولار، ووارداتها بقيمة 2 مليار و180 مليون دولار، حسبما نقلت وكالة "إرنا" للأنباء عن مكتب الإحصاء التركي.

خلافات ملف سوريا

ومنذ اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011، أعلنت إيران وقوفها إلى جانب حكومة دمشق ضد ما سمته "المؤامرة والإرهاب"، وأرسلت فرقاً استشارية، وتدخلت بشكل مباشر لصالح حكومة سوريا، فيما أعلنت تركيا دعمها لـ"حراك الشعب السوري نحو الحرية"، وطالبت بوقف "العنف ضد السوريين"، الأمر الذي ظهر جلياً في موقفي البلدين في المحافل الدولية.

ولم يقتصر الخلاف التركي الإيراني على الجانب السياسي، إذ تحدَّثت تقارير عن دعم طهران لفصائل مسلحة لقتال ما وصفتها بـ"المعارضة السورية" التي تتلقى دعماً من أنقرة.

وبعد سنوات قليلة، وتحديداً في 2016، شنت تركيا عملية عسكرية أطلقت عليها "درع الفرات" ضد تنظيم "داعش" في سوريا، وهو ما كان نواة لعمليات لاحقة، ومن أبرزها "درع الربيع" نهاية فبراير 2020، التي شهدت للمرة الأولى مواجهات مباشرة بين أطراف الأزمة.

وعلى الرغم من ذلك تعاونت تركيا وإيران إلى جانب روسيا في "مباحثات أستانة" التي رسمت خطوطا للتهدئة، كما شاركت إيران أيضاً في مباحثات تطبيع العلاقات التركية السورية، رغم أنها وصلت إلى "باب مسدود".

وبشأن الخلاف التركي الإيراني في الملف السوري، أوضح أمهز، أن "إيران وقفت مع سوريا ضد الحرب الكونية التي تعرضت لها، وفي المقابل وقفت تركيا في الجانب الآخر، لكن طهران قدمت مبادرات كثيرة لاحتواء الموقف التركي، ولحل الخلاف بشأن سوريا، كما تعاون البلدان في مباحثات أستانة التي أسفرت عن تهدئة كبيرة في سوريا"، على حد تعبيره.

وتابع: "من ناحية أخرى ساهمت إيران بشكل كبير في محاولات تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، كما أن وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبد اللهيان قدَّم مبادرة لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، كانت تقوم على أساس تبدد المخاوف والهواجس الأمنية التركية، وتحفظ الحقوق القانونية والشرعية لسوريا، إلا أنها لم تنجح، لكن يمكننا القول إن الخلاف بشأن هذا الملف بدأ يتراجع".

وأشار إلى أن "هناك ملفات خلافية أخرى بين طهران وأنقرة، على سبيل المثال ترفض إيران التدخلات التركية في العراق، كما أن موقف طهران من الحرب الروسية الأوكرانية يختلف عن موقف أنقرة، لكن هذه خلافات لا أعتقد أنها ستسبب صدْعاً في العلاقات بين الطرفين، ولا أعتقد أنها ستفسد للود قضية".

"علاقات رمادية"

وقال عضو حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، حمزة تكين، إن "لدى تركيا وإيران تأثير كبير في العديد من الملفات بمنطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن تجاهل دور أي منهما، لكن يمكنني أن أصنّف العلاقات بينهما على أنها رمادية، فلا هي بيضاء ممتازة ولا هي سوداء سيئة، ولكن بكل تأكيد لا يمكن لأي منهما التخلي عن الآخر بحكم العلاقة الجغرافية وتداخل المصالح والملفات".

وأضاف تكين لـ"الشرق"، أن "أهم ما يميز العلاقات التركية الإيرانية هو الجانب الاقتصادي والتجاري، لأن العلاقات في هذا المجال قوية، كما يوجد تعاون في الملف الأمني؛ بسبب وجود تنظيمات إرهابية تهدد بشكل خاص الأمن القومي التركي".

واعتبر أنه من المستبعد حدوث صدام مباشر كبير بين تركيا وإيران، لكن هذا لا ينفي وجود ملفات أساسية خلافية من الصعب أيضاً الاتفاق عليها، فأهم ما يفرّق البلدين هو رغبتهما في السيطرة الإقليمية، إذ تتضارب مصالح أنقرة مع مصالح إيران في سوريا والعراق، وحتى في اليمن تعارض تركيا التدخلات الإيرانية هناك.

وتابع: "التحالف التركي الأميركي يزعج طهران التي ترى أن صديق العدو عدو، فضلاً عن التنافس في الصناعات الدفاعية، فإيران المُحاصرة لا يسرها رؤية أنقرة تتقدم دفاعياً بدعم غربي ولو محدود".

تصنيفات

قصص قد تهمك