سوناك يفجر قلق البريطانيين إزاء خطط "العمال" بعد المناظرة مع ستارمر

ثمة اتفاق واسع أن زعيم المحافظين قدم أجوبة أكثر دقة ووضوحاً من خصمه العمالي

time reading iconدقائق القراءة - 8
زعيم حزب المحافظين ورئيس الوزراء ريشي سوناك والمضيفة جولي إيتشنغهام وزعيم حزب العمال كير ستارمر يقفون معاً بينما تستضيف قناة ITV أول مناظرة وجهاً لوجه في الانتخابات العامة في مانشستر، بريطانيا. 4 يونيو 2024 - Reuters
زعيم حزب المحافظين ورئيس الوزراء ريشي سوناك والمضيفة جولي إيتشنغهام وزعيم حزب العمال كير ستارمر يقفون معاً بينما تستضيف قناة ITV أول مناظرة وجهاً لوجه في الانتخابات العامة في مانشستر، بريطانيا. 4 يونيو 2024 - Reuters
لندن-بهاء جهاد

انقسم الخبراء والمحللون في تقييم المناظرة التلفزيونية الأولى بين زعيمي الحزبين الرئيسيين في بريطانيا قبل الانتخابات العامة المقررة في 4 يوليو المقبل، إذ اختلفوا في تقييم نتائج هذه المعركة وتحديد الرابح فيها بين رئيس الحكومة وزعيم حزب المحافظين ريشي سوناك، وزعيم المعارضة العمالية كير ستارمر.

وبحسب مراقبين، لم يُغير سوناك التوقعات بفوز المعارضة في الانتخابات العامة، لكنه استغل الفرصة للتركيز على أهم نقاط ضعف ستارمر، ألا وهي عدم وضوح خطته في ملفات عدة على رأسها المهاجرين والأمن، وكذلك ضغط زعيم حزب المحافظين على منافسه فيما يخص زيادة الضرائب، وبنود الإنفاق الحكومي.

على الضفة المقابلة، شكّك ستارمر بوعود المحافظين ومشاريع اللحظة الأخيرة التي أُطلقت قبيل الاستحقاق بأشهر وأيام، ومن خلال تركيزه على حاجة البلاد للتغيير، ظهر زعيم العمال وفق تحليلات عدة، مقنعاً بدعوته البريطانيين إلى عدم منح سوناك وحكومته 5 سنوات جديدة لتحقيق "ما فشلوا في إنجازه خلال عقد ونصف".

إشكالية الضرائب

النقطة الأكثر جدلية في مناظرة قناة "ITV" كانت ادعاء سوناك بأن حزب العمال يعتزم رفع الضرائب بقيمة 2000 جنيه إسترليني على كل أسرة في المملكة المتحدة.

ورأى الباحث في الشأن البريطاني جوناثان ليز، أن "الادعاء كان صادماً لستارمر وغير متوقعاً، فتلعثم في تفنيده، وسمح لرئيس الحكومة بتكراره حتى ترك أثراً".

ولفت ليز لـ"الشرق"، إلى أن المحافظين تنبأوا بزيادة العمال للضرائب عبر رسالة وردت من الخزانة، وتوقعت الأمر، استناداً إلى الإنفاق الحكومي الذي يُخطط له العمال في حال وصولهم إلى السلطة، مضيفاً أن "الرسالة لم تذكر قيمة الزيادة ولا مجالات تطبيقها، إلا أن سوناك لعب اللعبة بذكاء، ووضعها في صيغة مقلقة للشارع".

وطالب حزب العمال الحكومة بالاعتذار عن "افتراءات" سوناك، ولكن المسؤولة بوزارة الخزانة لورا تروت رفضت هذه المطالب، مبررة ذلك أولاً باعتراف ستارمر نفسه بوجود خطط لزيادة الضرائب في مواضع محددة لم يوضحها، وثانياً بما يسمى "الثقب الأسود" في الميزانية التي تطرحها المعارضة، وتُظهر عجزاً في الموارد يصعب تعويضه من دون زيادة الضرائب بقيمة 2000 إسترليني، كما قال رئيس الوزراء في المناظرة.

وتتهم الحكومة المعارضة بإعداد ميزانية تنطوي على فجوة بقيمة تزيد على 36 مليار جنيه إسترليني، بسبب ضبابية الموارد التي تغطيها، لكن حزب العمال ينفي ذلك، ويوجه ذات الانتقاد للحكومة.

والفارق الوحيد بين الطرفين هو أن سوناك حوّل ادعاءات المحافظين إلى ورقة ضغط رفعها في وجه ستارمر مرات عدة خلال المناظرة التلفزيونية.

تباين القراءات

وتباينت استطلاعات الرأي في تقييم مواجهة زعيمي المحافظين والعمال، فقالت مؤسسة YouGov للبحوث إن استبياناً جمعته فور انتهاء المناظرة أظهر تقدم ريشي سوناك على خصمه وخاصة في ملفات مثل الهجرة والضرائب.

 في حين أكد معهد "سافانا" أن رئيس الوزراء ريشي سوناك "فاق التوقعات"، لكن خصمه كان في النهاية أكثر نجاحاً في إقناع الشارع البريطاني برأيه، وخاصة ما يتعلق بحاجة المملكة المتحدة إلى التغيير.

وكتبت الصحافية بصحيفة "دايلي إكسبريس" كارول مالون، أن سوناك كان أكثر استعداداً من خصمه لهذه المواجهة، واتفقت معها المعلقة السياسية في إذاعة LBC كارول فودرمان، مع فارق أن الأولى أعلنت رئيس الوزراء فائزاً في النزال، في حين تعتقد الثانية أن زعيم العمال تمكن من قلب المعادلة لصالحه في نهاية المواجهة.

من وجهة نظر زعيم حزب "عمال بريطانيا العظمى" والنائب في البرلمان البريطاني جورج جالاوي، سجل كلاً من ستارمر وسوناك "فشلاً ذريعاً" في المناظرة، ولفت في مقطع نشره عبر منصة "إكس" إلى أن محتوى اللقاء التلفزيوني كان "فارغاً"، مؤكداً أن التغيير الذي تحتاجه المملكة المتحدة لا يستطيع الحزبان الرئيسيان تقديمه.

أما السياسي في حركة "كوليكتف" اليسارية ريد لونز، فقال لـ"الشرق"، إن الفارق الوحيد بين سوناك وستارمر في المناظرة كان الجهة التي وقف عليها كلا منهما، معتبراً أن "ما صدر عنهما من أجوبة لملفات تهم البريطانيين لم يغير شيئاً من معرفة الشارع بخططهما، والنتيجة لم تحمل غلبة أو انتصاراً لأي من السياسيين".

وشدّد لونز على أن الكثير من الأصوات التي سيحصدها العمال في الانتخابات تأتي مما يسمى "التصويت السلبي"، أي رغبة الناخبين بتغيير الحزب الحاكم بعد بقائه لسنوات طويلة في السلطة. لافتاً إلى "أن المناظرة لم تغير القناعات، لكنها أظهرت للشارع أن سوناك أكثر تماسكاً مما يبدو عليه، لكن الوقت لم يعد في صالحه".

أجوبة واضحة

الباحث في الشأن البريطاني الدكتور فؤاد عبد الرازق يعتقد أن سوناك قدم أجوبة أكثر وضوحاً ودقة من خصمه العمالي في غالبية الملفات.

وقال عبد الرازق لـ"الشرق": "أظهر سوناك للبريطانيين كيف أن ستارمر يتجنب توضيح تفاصيل خططه لقيادة البلاد عندما يصل إلى مقر رئاسة الحكومة في 10 داونينج ستريت عبر الانتخابات العامة المقبلة، ويتسلح برغبة البريطانيين في تغيير السلطة".

ولفت إلى أن زعيم العمال يُروج لضرورة تغيير السلطة بعد نحو عقد ونصف من حكم "المحافظين"، وما تخلله من عثرات اقتصادية وسياسية عديدة، ولكنه لا يقدم في المقابل ما يطمئن البريطانيين وخاصة في قضايا مثل الهجرة والضرائب والأمن، التي قدم سوناك خططاً واضحة فيها.

وأشار الباحث في الشأن البريطاني إلى أن الحزب الحاكم التقط رهان "العمال" على رغبة الشارع بالتغيير، ولذلك وضع جملة من التحذيرات أمام هذه العملية لعلها تدفع الناخبين إلى التروي قبل التخلص من "المحافظين" عبر صناديق الاقتراع، ونجح سوناك إلى حد كبير في هذه الغاية خلال المناظرة التي جمعته مع ستارمر.

واختتم سوناك معركته التلفزيونية مع ستارمر بالقول إن "العمال" يريدون "شيكاً على بياض" لـ5 سنوات قادمة. لكن هذه الثقة "تحتاج إلى أجوبة واضحة وخطط متينة لإدارة الدولة لا تمتلكها المعارضة"، أي أنه أظهر تصويت البريطانيين لخصومه على أنه تهور قد يجر مشكلات وأزمات مختلفة بعد وصولهم إلى السلطة.

مراجعة رسمية

ثمة اتفاق على نطاق واسع في التغطية الإعلامية للمناظرة الأولى قبل الانتخابات، على أن زعيم المحافظين قدم أجوبة أكثر دقة ووضوحاً من خصمه العمالي في ملفات مختلفة. صحيح أن ستارمر تفوق في رؤية حزبه لملفي التعليم والصحة، لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن سوناك قدم أداءً جيداً، وأحدث جلبة كبيرة في قضية الضرائب.

وبسبب هذه الجلبة يقوم مركز الإحصاء الوطني بمراجعة الأرقام الاقتصادية ليتأكد من صحة ادعاءات المحافظين بشأن خطط العمال زيادة الضرائب على الأسر.

وحتى يظهر رسمياً ما يؤكد أو ينفي هذه الادعاءات، دعا المرشح المحافظ للانتخابات البرلمانية ريتشارد جراهام "العمال" إلى تحدي سوناك وتقديم الأدلة التي تدحض كلامه.

وشدد جراهام في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية على أن منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام متاحة أمام المعارضة لتثبت صدق روايتها، ويمكنها في أي لحظة الإعلان عن تفاصيل برنامجها الانتخابي كي تقطع الشك باليقين، وتُثبت للبريطانيين أن بنود إنفاقهم خلال السنوات المقبلة لن تحمل أي زيادات ضريبية.

وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب البريطانية لم تنشر بعد برامجها الانتخابية كاملة، لكن الحزبين العمال والمحافظين تعهدا رسمياً بعدم زيادة ضريبة الدخل والتأمين الوطني والقيمة المضافة في حال فوزه بالانتخابات، إلا أن هناك مواضع أخرى للضرائب لم يفصحا عنها، وتؤثر في نهاية المطاف على الناخبين وعائلاتهم.

وتعهّدت وزيرة الخزانة في حكومة الظل العمالية راشيل ريفيس مجدداً بعد المناظرة بعدم زيادة أي من الضرائب الثلاث سابقة الذكر في حال فوز حزبها بالاستحقاق المقبل، لكنها لم تحسم الجدل بشأن مجالات أخرى قد تشهد ضرائب أكبر، أو يطالها إلغاء إعفاءات ضريبية كما هو حال المدارس الخاصة في المملكة المتحدة.

تصنيفات

قصص قد تهمك