قال محللون سياسيون، إن إسرائيل مع دخول حرب غزة شهرها التاسع، باتت تواجه 3 أزمات تدفعها نحو "فشل ذريع متعدد الأبعاد"، وذلك بالنظر إلى مجموعة من المناقشات التي أُجريت على مدى الأسابيع الماضية مع شخصيات رفيعة المستوى في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية.
واستعرضت صحيفة "هآرتس"، الجمعة، بعض الأزمات التي رأت أنها تهدد إسرائيل، وجاء في مقدمتها تراجع شرعيتها الدولية (العزلة الدولية)، وشعور جيشها بالإنهاك، فضلاً عن شبح الحرب في لبنان.
وأضافت الصحيفة، أن إسرائيل تبدو عالقة، على المستوى الاستراتيجي، في جميع الجبهات، إذ باتت الجبهة الأكبر والأهم، وهي تلك التي تنخرط فيها ضد جماعة "حزب الله" في لبنان، مُهدَدة بالتحول إلى صراع هائل، فيما تمر المحادثات المتعلقة بصفقة الرهائن مع حركة "حماس" بأزمة جديدة.
وأشارت إلى أن الخسائر التي يتسبب فيها "حزب الله"، والتي تتمثل في إجلاء 60 ألف إسرائيلي من منازلهم على طول الحدود، واستمرار سقوط الضحايا في الشمال، وإطلاق عشرات الصواريخ والمسيّرات يومياً، تؤدي لزيادة الشعور بالإحباط لدى الإسرائيليين وزيادة الضغط على الحكومة.
ولفتت الصحيفة الإسرائيلية، إلى أن فكرة تصعيد الهجمات على "حزب الله"، بدأت بشكل كبير على أمل أن يؤدي ذلك إلى توقفه عن إطلاق النار وتجنب الدخول في حرب كبرى، "وهي الفكرة التي لا تزال تتعرض للانتقاد من قبل أعلى المستويات السياسية والأمنية في تل أبيب، لكن أنصارها لا يستطيعون تفسير السبب الذي يجعلهم يعتقدون أنه سيتم ردع الجماعة بهذه الطريقة، وأنه لن يستنتج، على العكس من ذلك، أن إسرائيل تخادع، وبالتالي فإن تبني هذه الفكرة سيؤدي إلى استمرار الهجمات".
جيش منهك بلا دعم أميركي قوي
وذكرت الصحيفة، أن بعض الوزراء من حزب "الليكود" الذي يرأسه بنيامين نتنياهو، واليمين المتطرف "يريدون الذهاب إلى أبعد من ذلك، من خلال شن هجوم شامل" ضد "حزب الله"، قائلة إنه في وقت تحل فيه الذكرى الـ42 لحرب عام 1982 "الفاشلة" في لبنان، هذا الأسبوع، فإن هؤلاء الوزراء لم يتعلموا شيئاً من المحاولة الإسرائيلية.
وأضافت: "كما يرى بعضهم أنه من الضروري أيضاً قصف إيران ووضع حد للتهديد النووي هناك، لكن من الواضح أنهم ليس لديهم أدنى فكرة عن الوضع الحقيقي للجيش الإسرائيلي وقدراته".
وتابعت: "من المرجح أن تجد إسرائيل نفسها في حرب دون شرعية دولية (والتي تلاشت بعد هجوم السابع من أكتوبر عندما اتضحت أبعاد الدمار والقتل في قطاع غزة)، وبلا دعم أميركي قوي، مع جيش مُنهَك يكافح من أجل الحفاظ على استمرار الإمدادات من الذخائر وقطع الغيار".
واعتبرت "هآرتس"، أن "غياب الأهداف الواضحة في الحرب يؤدي إلى تفاقم الشعور بالإنهاك والاستنزاف داخل كل من الوحدات الاحتياطية والنظامية الإسرائيلية، إذ يلاحظ قادة قوات الاحتياط انخفاضاً حاداً في أداء الكتائب النظامية في سلاح الهندسة واللواء مدرعات (401) وألوية المشاة، التي تتحمل وطأة القتال في غزة بشكل شبه مستمر منذ بدء الحرب".
وحذرت الصحيفة، من أن "الشعور بالإحباط بات يتزايد بين الجنود العاديين تجاه أولئك من ذوي الرتب العليا، الذين على الرغم من تحملهم المسؤولية المبكرة عن الأخطاء الفادحة التي تمت في بداية الحرب، فإن ذلك لم يتم ترجمته إلى خطوات عملية في شكل فصل من العمل أو استقالات".
ولفتت إلى أن مشكلة قرار الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي اُتخذ الشهر الماضي، لتأخير شحنة مكونة من 3500 قنبلة ذكية، لا تزال قائمة، رغم تحدث وزارة الدفاع الإسرائيلية عن تقدم إيجابي بشأن هذه المسألة، فيما حذرت من الحرب بين إسرائيل و"حزب الله".
ووفقاً لـ "هآرتس"، فإنه خلافاً للانطباع الذي خلقته بعض التقارير الأخيرة، فإنه من الصعب القول إن القيادة الإسرائيلية متحمسة لخوض الحرب في الشمال مع الجماعة اللبنانية، ومع ذلك، فإن الخطر لا يزال قائماً، مشيرة إلى استعراض قدرات الجيش الإسرائيلي هناك بشكل مفرط سيؤدي إلى عكس النتيجة المرجوة، وجعل الحرب الشاملة أكثر احتمالاً.
الفرصة الضائعة في غزة
وفيما يتعلق بالمقترح الإسرائيلي الأخير لوقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى والرهائن، قالت الصحيفة، إنه قد مر أسبوع منذ أن طرحه الرئيس الأميركي في خطابه، ولم يتلق أي رد رسمي من زعيم "حماس" في غزة، إذ تخشى الحركة من أن تقوم إسرائيل بنصب فخ لها، ويقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي باستئناف القتال مرة أخرى، ولذا فهي تريد ضمانات ملموسة لإنهاء الحرب، الأمر الذي يمثل صعوبة للأخيرة في تقديمه، طالما أنه يريد البقاء في السُلطة، ولذا فإن كل المحاولات التي تمت حتى الآن لتجاوز هذه العقبة، عبر مختلف الصيغ القانونية، "فشلت".
ورأت الصحيفة أن إسرائيل "أضاعت فرصة" التوصل إلى اتفاق قبل شهرين أو ثلاثة أشهر، عندما كان وضعها في الحرب يبدو أفضل من الوقت الحالي، وذلك بسبب إصرار نتنياهو على تجنب اتخاذ قرار، قائلة إن "الوضع الآن بات أكثر تعقيداً، لأن حماس تعتقد أن الوقت في صالحها وأن عملية الجيش الإسرائيلي على الأرض أصبحت معقدة، وفي ظل هذه الظروف، فإنه يبدو أن الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله هو السعي قدر الإمكان إلى إنجاح صفقة الرهائن، حتى لو كان ذلك على حساب وقف الحرب".
وأضافت "هآرتس"، أنه رغم ترويج وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت لفكرة إنشاء هيئة حُكم بديلة لـ"حماس" في غزة، فإن احتمالات نجاح إنشاء سُلطة حاكمة من كيان فلسطيني غير حماس "لا تبدو جيدة"، أما الاحتمالات الأخرى التي تتمثل في استمرار حُكم الحركة أو إنشاء حكومة عسكرية إسرائيلية، أو الفوضى على غرار الصومال، "فستكون أكثر سوءاً".
أما بالنسبة إلى ما يجري على الأرض في غزة، فإنه لم يتم كسر حركة "حماس"، فصحيح أن العديد من قدراتها العسكرية تراجعت بالفعل، لكن هذه القدرات تم استبدالها بأنظمة أصغر وأكثر مرونة تركز على بقاء الحركة ومحاولة إلحاق خسائر بالقوات الإسرائيلية.
وذكرت "هآرتس"، أن "التقدم داخل رفح يقتصر على مئات من الأمتار فقط، ولذا فإن القادة يشكون التباطؤ هناك"، قائلة إنه يبدو أن العديد من كتائب "حماس" غادرت المدينة، وأنه لن يتم القضاء عليها بشكل كامل في أي وقت قريب.
واعتبرت أن "الخطر الأكبر يكمن في لبنان"، لافتة إلى أن إسرائيل تحتاج إلى استغلال الوقت الحالي لتهدئة الأوضاع في الشمال، واستخدام الإمكانيات المحدودة للتوصل إلى تسوية سياسية لإبعاد وحدة "الرضوان" التابعة للحزب عن الحدود، وكذلك الاستعداد لاحتمال نشوب حرب شاملة على هذه الجبهة.
تشويق سياسي
وأشارت "هآرتس" إلى أن "هناك حالة من التشويق في المشهد السياسي" في إسرائيل، مع حلول الموعد النهائي الذي حدده رئيس حزب "الوحدة الوطنية" بيني جانتس، وهو السبت، 8 يونيو الجاري، والذي هدد بالانسحاب فيه من حكومة الحرب، ما لم يتم تلبية مطالبه، والتي تتعلق في الغالب بكيفية إدارة الحرب، لكن نتنياهو اختار الرد عليها بسخرية ورفضها بشكل كامل بعد ساعات من المؤتمر الصحفي الذي عقده جانتس في منتصف مايو الماضي.
وتساءلت الصحيفة: "إذا واجهنا حرباً شاملة مع حزب الله، أو حال تم التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن رغم كل الصعاب، أليس من الأفضل لجانتس وزميله في الحزب جادي أيزنكوت البقاء على طاولة مجلس الوزراء الإسرائيلي؟"
وهو السؤال الذي قالت الصحيفة، إن المسؤولين في إدارة بايدن يطرحونه أيضاً، إذ يرغب الأميركيون بشدة في أن يظل جانتس وأيزنكوت على مقربة من السلطة الحاكمة في تل أبيب، معتبرة أنه في حال قرر جانتس الاستقالة، ولم يتبع عادته بالإعلان عن تأجيل قراره، فقد يعني ذلك أنه يعتقد أنه لن يتم تحقيق أي من السيناريوهين (اندلاع حرب في لبنان أو التوصل لصفقة الرهائن).
ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي ضغوطاً من اليمين، حيث يتنافس وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش مع بعضهما البعض في الإدلاء بتصريحات تحريضية وغريبة، فيما يواصل نتنياهو شن معركة خلفية على مجموعة من الجبهات، بما في ذلك معاركه ضد النيابة العامة في محاكمته، وضد محاولات تفكيك ائتلافه، وضد الحركات الاحتجاجية في الشوارع، وضد مطالب تشكيل لجنة فعَالة للتحقيق في الإخفاقات التي أدت إلى هجوم 7 أكتوبر واندلاع الحرب.
وقالت الصحيفة إنه بالنسبة إلى هذا الموضوع الأخير، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يشعر بأنه ضحية، إذ عادةً ما يتكون انطباعاً لدى الأشخاص الذين يتحدثون معه بأن مؤسسة الدفاع ومسؤولي المخابرات هم الذين تسببوا في تعثره، وقاموا بتوريط إسرائيل في الحرب، وعرَضوا استمرار حُكمه للخطر.
وفي قلب هذه التوترات، أشارت الصحيفة إلى الخلافات العسكرية في الجسم العسكري، موضحة أن عدم إنهاء فترة خدمة رئيس الأركان الجنرال هرتسي هاليفي يعكر الأجواء داخل الجيش الإسرائيلي، ويعرضه لهجمات سياسية قاسية.
وختمت الصحيفة تحليلها قائلة، إنه "صحيح أن هناك خطراً من أن تسمح استقالة هاليفي لنتنياهو بالتأثير في تعيين خليفته وتشكيل التسلسل الهرمي الأمني في تل أبيب، لكن دون إجراء تغيير واسع النطاق في القيادة العليا في المستقبل القريب، فإن ثقة الإسرائيليين في المؤسسة العسكرية ستستمر في التراجع".