المنسق الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية.. حكومة مدنية جوهرها عسكري

صلاحيات المسؤول المعين من تل أبيب تتجاوز السلطة وتتحكم في كافة مناحي الحياة بالضفة الغربية وغزة

time reading iconدقائق القراءة - 7
عربة عسكرية وجنود إسرائيليون يقفون في مدخل أحد الشوارع ويمنعون مرور الشاحنات في مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة. 12 أكتوبر 2022 - وفا
عربة عسكرية وجنود إسرائيليون يقفون في مدخل أحد الشوارع ويمنعون مرور الشاحنات في مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة. 12 أكتوبر 2022 - وفا
رام الله -محمد دراغمة

يطلق الفلسطينيون على "المنسق" الإسرائيلي، تندراً، ألقاباً مثل " الحاكم الفعلي" أو "الحاكم بأمر الاحتلال" أو "المندوب السامي"، نظراً لما يتمتع به من صلاحيات على الأرض والسكان، تفوق صلاحيات أي مسؤول في السلطة الفلسطينية.

فالمنسق هو من يقرر حركة الفلسطيني منذ مولده حتى رحيله عن الحياة، فبعض الفلسطينيين لم يغادروا البلاد طيلة حياتهم، وبعضهم لم يسمح لهم دخول مدينة القدس للصلاة أو لغير ذلك، وبعضهم لا يمكنهم العمل أو تلقي العلاج في إسرائيل.

وبعضهم لا يحق لهم الزواج أو الارتباط بشخص آخر يعيش في جزء آخر من البلاد مثل قطاع غزة، أو ممن يقطنون خارج البلاد، وبعضهم لا يحق لهم البناء في أرضهم، فمثل هذه الخطوات في حاجة إلى تصريح، والتصريح يصدر عن المنسق والدوائر التابعة له.

والمنسق هو مسؤول عسكري كبير، برتبة لواء يختاره وزير الدفاع الإسرائيلي لإدارة "وحدة تنسيق أعمال الحكومة (الإسرائيلية) في المناطق (الفلسطينية)".

أوجدت الحكومة الإسرائيلية، منصب المنسق، عقب احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967، ليتولى إدارة هذه الوحدة التي تقوم بدور حكومة عسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويقول المراقبون في إسرائيل، إن الحكومة وجدت نفسها بين خيارين هما: ضم الضفة الغربية وقطاع غزة، وتالياً إخضاعهما للقانون الإسرائيلي والإدارة الحكومية الإسرائيلية، أو إبقائهما تحت إدارة خاصة عسكرية، فاختارت الثاني.

حكومة عسكرية

في المرحلة الأولى، استخدمت الحكومة الإسرائيلية، الحكم العسكري، فعينت منسقاً عسكرياً يساعده حكام عسكريون في المحافظات الفلسطينية المختلفة.

وكان المنسق الإسرائيلي الأول، الذي أعقب الاحتلال في عام 1967 هو الجنرال شموئيل جوروديش. أما المنسق الحالي فهو اللواء غسان عليان، وهو درزي من بلدة شفا عمرو.

ومعروف أن الدروز في إسرائيل يخدمون في الجيش، ووصل اثنان منهم إلى منصب المنسق، هما كميل أبو ركن وغسان عليان.

إدارة مدنية جوهرها عسكري

وفي عام 1981، قرر وزير الجيش آنذاك، أرئيل شارون تأسيس "الإدارة المدنية" لإدارة كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. "لكن في الحالتين، بقي الجوهر واحداً"، هكذا وصفها الكاتب الدكتور غسان الخطيب. وأضاف: "لقد جرى تغيير المسميات، لكن بقي الجوهر إدارة احتلالية عسكرية للأراضي الفلسطينية، غير مقبولة وغير مرحب بها".

تشبه تركيبة وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية تركيبة الحكومة، فهي تضم رئيساً يحمل اسم "منسق"، ووزراء يحملون صفة ضباط، مثل ضابط التربية والتعليم، ضابط الصحة، ضابط الضريبة، بدلاً من وزير التربية والتعليم والصحة والمالية.

بقيت الوحدة تدير كامل شؤون الفلسطينيين منذ الاحتلال في عام 1967، وحتى إقامة السلطة الفلسطينية عام 1994، حيث جرى نقل بعض الصلاحيات إلى السلطة الفلسطينية على أجزاء من الأراضي الفلسطينية لا تزيد مساحتها عن 40% منها، وأنشأت دوائر جديدة في الوحدة للتنسيق مع السلطة الفلسطينية الجديدة مثل دائرة الارتباط المدني ودائرة الارتباط العسكري وغيرها.

وأقامت السلطة الفلسطينية هيئة للشؤون المدنية للعمل مع وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية.

وتتعاون الهيئتان في مختلف شؤون حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية بدءاً من تسجيل المواليد والوفيات، مروراً بتصاريح الدخول لإسرائيل، وإصدار بطاقات الهوية الشخصية وجوازات السفر، وتنسيق دخول الأفراد والسلع عبر المعابر الخارجية الحدودية مع الضفة الغربية وقطاع غزة.

أبقت السلطات الإسرائيلية على عدد من الصلاحيات المهمة الدائمة في وحدة تنسيق أعمال الحكومة، منها تسجيل الأراضي في المناطق "ج" التي تساوي حوالي 60% من مساحة الضفة، وتصاريح البناء والطرق والمياه وغيرها من الموارد في هذه المنطقة.

وأدى ذلك إلى تقييد واسع إلى عمل واستثمار ونشاط الفلسطينيين الاقتصادي والعمراني في هذه المناطق التي خصصت السلطات الإسرائيلية الجزء الأكبر منها للتوسيع الاستيطاني والمشاريع المرتبطة به من طرق، ومناطق صناعية، وزراعية وغيرها.

تراجع إسرائيلي عن الاتفاقات

تراجعت إسرائيل عن العديد من الاتفاقات، ومنها بعض الصلاحيات التي أعطيت للسلطة الفلسطينية، خاصة أثناء وبعد الانتفاضة الثانية (2000 - 2005). ومنها على سبيل المثال، إصدار تصاريح مباشرة للمواطنين دون المرور عبر مكتب الارتباط المدني الفلسطيني الذي كانت مهمته تسلم الطلبات من المواطنين وتقديمها للجانب الإسرائيلي. وفتحت الدائرة أبوابها للمواطنين لتقديم طلبات مباشرة دون المرور عبر السلطة الفلسطينية.

تُعرف "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق" نفسها على موقعها الإلكتروني، بأنها "الهيئة المكلفة بتطبيق سياسة الحكومة في أراضي يهودا السامرة (الضفة الغربية) وغزة، وتتولى تنسيق كافة النشاطات المدنية".

و"تتبع الوحدة إلى وزير الدفاع، يترأسها المنسق، برتبة ميجور جنرال"، وهو عضو في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي.

ويشمل عملها أيضاً إلى جانب المجالات المدنية، مشاريع البنى التحتية والاقتصاد.

وتشير في موقعها إلى أنها تعمل على "تأهيل جنود وضباط الوحدة في أعمال التنسيق والارتباط عبر تعليمهم مواضيع مختلفة: الإسلام، الحكم، اللغتين العربية والإنجليزية، الثقافة، التاريخ وغيرها".

تشمل صلاحيات الوحدة أيضاً الإشراف على عمل المنظمات الدولية العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وجاء في موقع الوحدة أنها تعمل مع أكثر من 200 منظمة دولية من بينها وكالات تابعة للأمم المتحدة.

وظهر اسم المنسق ووحدة التنسيق كثيراً خلال فترة الحرب الدائرة على قطاع غزة، وذلك بحكم مسؤوليتها عن المعابر وحركة السلع والأفراد من والى قطاع غزة.

ويشير المراقبون في إسرائيل، إلى أن المنسق يتلقى تعليماته مباشرة من وزير الدفاع ما يجعل من الوحدة إحدى أدوات الحرب للحكومة، ومنها أداة التجويع التي تقول المنظمات الدولية بأن إسرائيل تمارسها كواحدة من أدوات الحرب على غزة.

تصنيفات

قصص قد تهمك