المستقلون في انتخابات بريطانيا.. معادلة صعبة تتحدى الأجندات السياسية

القضية الفلسطينية تعزز خيارات الترشح بعيداً عن الأحزاب التقليدية

time reading iconدقائق القراءة - 9
مجلس العموم البريطاني خلال إحدى جلساته. 16 سبتمبر 2023 - Reuters
مجلس العموم البريطاني خلال إحدى جلساته. 16 سبتمبر 2023 - Reuters
لندن -بهاء جهاد

يعد الرقم القياسي لعدد المرشحين المستقلين هو أحد الملامح البارزة للانتخابات البرلمانية المبكرة في بريطانيا، فهذا الرقم الكبير من المرشحين المستقلين، يكشف وفق مراقبين ومحللين، مدى تململ الشارع من الأحزاب الكبيرة التقليدية وسياساتها "منقوصة التنفيذ" أو "المماطلة في الوعود"، ناهيك عن أسباب أخرى أفرزتها ظروف الاستحقاق الجديد بوجه خاص، ولا ترتبط بما جرى في الدورات البرلمانية السابقة.

تقدم للانتخابات العامة المقررة في 4 يوليو الجاري، نحو 460 مرشحاً مستقلاً على امتداد المملكة المتحدة، جزء منهم انشقوا أو أبعدوا عن أحزاب كانوا يمثلونها سابقاً لسبب ما، مثل زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربين، وآخرون لم ينتموا سياسياً من قبل، ولكنهم وجدوا الظروف الداخلية والمناطقية المحلية مواتية للمنافسة على مقعد في برلمان 2024.

مقارنة مع إجمالي مقاعد مجلس العموم البالغ عددها 650 مقعداً، فإن المستقلين ينافسون تقريباً على أكثر من 70% من البرلمان. لكن الفوز ليس سهلاً أبداً في ظل تمسك البريطانيين بتقاليد دعم الحزب الأكبر في منطقتهم لعقود طويلة، ومع ضحالة موارد دعم المستقلين مادياً ومعنوياً مقارنة بالأحزاب تصبح المنافسة أشرس والفرص أقل.

تقاليد التصويت

يرى كبير المحررين في صحيفة "التايمز" مايكل بنيون، أنه "لن يكون سهلاً أبداً على المرشحين المستقلين خوض غمار الانتخابات أمام الأحزاب، وبخاصة الكبرى منها، فتاريخ الاستحقاق يظهر عدداً قليلاً من التجارب الفردية الناجحة في هذا الخصوص، وجميع أصحابها امتلكوا رصيداً شعبياً كبيراً، لسبب ما، أو أنهم خرجوا من أحزاب كبيرة.

يستدعي بنيون في حديثه مع "الشرق"، مثالاً هو زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربين، الذي تخلى عنه الحزب بعد اتهامه بمعاداة السامية، فرشح نفسه كمستقل عن دائرة مثلها عن "العمال" لأكثر من 4 عقود، وامتلك فيها رصيداً شعبياً كبيراً، وشبكة علاقات قوية مع سكان المنطقة، الذين يحملون إلى حد بعيد ذات التوجهات اليسارية.

رغم حظوظ كوربين، وحتى دعمه من قبل أعضاء كثر في حزب العمال ذاته، إلا أن فوزه ليس مضموناً بنسبة 100%، ذلك لأن البريطانيين اعتادوا التصويت لأكبر الأحزاب في منطقتهم، وحزب العمال رشّح ممثلاً له، مقابل كوربين، وأطلق حملة كبيرة لدعمه يصعب تقدير نتائجها قبل إغلاق صناديق الاقتراع، وفق بنيون.

مؤخراً، استقال أعضاء بارزون من حزب العمال بمنطقة "إيسلينجتون نورث" التي يترشح فيها كوربين دعماً له في حملته الانتخابية. لم يعلق الحزب وزعيمه كير ستارمر على أمر الاستقالة حتى الآن، ولكن استطلاعات للرأي توقعت تقدم كوربين على قائمة خصومه المكونة من 7 مرشحين، 7 منهم يمثلون أحزاباً مختلفة وواحد مستقل.

إشكاليات الدعم والإمكانات

ما حظي به الزعيم السابق للعمال، من إرث شعبي ودعم سياسي عبر رفاق حزبه القديم، يشكل حالة خاصة لا تنطبق على باقي المستقلين. هناك مثلاً فايزة شاهين التي منعها حزب العمال من الترشح باسمه في شمال شرق لندن، بحجة معاداتها للسامية وهي تلك الاتهامات التي واجهها كوربين في السابق، فقررت التقدم للاستحقاق مستقلة، وسط منافسة شرسة مع 5 سياسيين يمثلون أحزاباً.

تقول شاهين إنها ورثت دعم "العمال" عن والدها، ولكنها اليوم تقف في خصومة مع الحزب بسبب موقفها المؤيد لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، ولفتت شاهين في حديث مع صحيفة "إندبندنت"، إلى استياءها الشديد مما حدث لها من إقصاء، كما نقلت الصحيفة عنها، أن تدرس مقاضاة المعارضة قانونياً على إبعادها من قائمة المرشحين باسم الحزب في المنطقة.

ويرى كامل حواش، المرشح عن منطقة "سيلي أوك" في مدينة برمنجهام، أنه ثمة تحديات كبيرة يواجهها المرشحون المستقلون في السباق الانتخابي لا تعاني الأحزاب منها، مثل محدودية الدعم المادي والبشري، إضافة إلى ضآلة المعلومات والبيانات المتوافرة لديهم بشأن الدائرة الانتخابية التي ينافسون فيها، وكذلك غياب استطلاعات الرأي.

يشرح حواش، الذي ترشح كمستقل بعدما ترك حزب العمال بسبب الموقف من حرب غزة، أن المستقلين لا يمكنهم جمع أكثر من 17 ألف جنيه إسترليني كتبرعات لحملات تفوق تكلفتها ذلك الرقم غالباً، كما أن الترويج لأنفسهم مباشرة يبقى محدوداً لأن عدد المتطوعين لمساعدتهم في زيارة المنازل وتوزيع المنشورات الانتخابية قليل جداً مقارنة بالأحزاب.

ويلفت حواش في حديثه مع "الشرق"، إلى أن ضعف المعلومات لدى المستقلين بشأن المنطقة التي يترشحون فيها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، يقلص فرص فوزهم أمام الأحزاب التقليدية. كما لا يوجد استبيانات دورية تظهر مواقع المستقلين في المنافسة كما يحدث مع استطلاعات الرأي التي ترصد معركة الأحزاب يومياً، قبل أشهر من الاستحقاق.

المزاج العام

من وجهة نظر المرشح المستقل حلمي الحراحشة، فإنه ثمة تغير في المزاج العام البريطاني، شجع كثيرين على التقدم للانتخابات العامة دون الانتماء لأحزاب سياسية، ليس فقط بسبب قضية فلسطين وخصومة الجالية المسلمة والعربية مع "العمال"، وإنما نتيجة حالة عامة من التململ يعيشها الناخبون إزاء الأحزاب وبخاصة الكبيرة منها.

في حديثه مع "الشرق"، لفت المرشح عن إحدى المناطق في لندن، إلى فجوة في الثقة بين البريطانيين والأحزاب التقليدية اتسعت كثيراً خلال السنوات الماضية، ودفعت بالناس في استحقاق 2024 نحو البحث عن بدائل بين المستقلين والأحزاب الجديدة مثل "ريفورم" بقيادة نايجل فاراج و"عمال بريطانيا" بزعامة جورج جالاوي.

برأي الحراحشة التقطت شخصيات مجتمعية من خارج الوسط السياسي، تبدل المزاج الشعبي تجاه الأحزاب التقليدية لتطرح نفسها كبديل للانتخابات المقبلة. ولكن الحكم على نجاح التجربة لن يكون دقيقاً قبل فرز الأصوات في يوليو المقبل، حيث أن الناس اعتادت لعقود دعم مرشحي الأحزاب وربما تعود لذلك عند فتح صناديق الاقتراع.

تشير استطلاعات الرأي إلى أن 45% من الناخبين البريطانيين، يمكن أن يغيروا توجهاتهم الانتخابية قبل موعد الاستحقاق بيوم واحد، وهذا يزيد مخاوف المستقلين والأحزاب الصغيرة التي يتوقع لها تحقيق اختراقات كبيرة على حساب "المحافظين" الذين أخفقوا بتنفيذ وعودهم، و"العمال" الذين لم يشرحوا خططهم، وفق الحراحشة.

دعم الأقليات

مقابل ثقل وخبرة الأحزاب في ميدان الانتخابات يراهن بعض المستقلين على جالياتهم لحشد الدعم في حملاتهم. ولكن الجاليات إن لم تشكل أكثرية في مناطق المرشحين لن تحسم النتيجة، ناهيك عن ضرورة ضمان المرشح لدعم كل المؤهلين للتصويت، وعدم انقسامهم بينه وبين مرشح أخر، وفق الباحث في الشأن البريطاني جوناثان ليز.

ويضيف ليز في حديثه مع "الشرق"، أن الجاليات بشكل عام، منقسمة بوضوح بين مناطق عدة. صحيح أنها تتمركز في مناطق أكثر من غيرها، ولكن أبناءها يختلفون في انتمائهم وتوجهاتهم السياسية، وبالتالي يصعب على أي مرشح مستقل الحصول على أصوات المؤهلين للاقتراع طالما ينافس مرشحين عن أحزاب لها قواعد شعبية كبيرة.

المرشحة الفلسطينية الأصل ليان محمد، تخوض غمار السباق الانتخابي في منطقة "إلفورد نورث" بمدينة لندن كمستقلة، بعد انسحابها من حزب العمال نتيجة مواقفه من حرب غزة، تحظى محمد بدعم الأقلية المسلمة التي تشكل ما يزيد على 30% من إجمالي السكان وفق الإحصائيات الرسمية، ولكن هل يكفي هذا الدعم لفوزها؟

كل الأصوات المناصرة لفلسطين ربما تؤيد المرشحة المسلمة ذات الأصول الفلسطينية، ولكن ينافسها في الدائرة العمالية منذ عقود وزير الصحة في حكومة الظل ويس ستريتينج، الذي يتصدر الاستحقاق كل مرة منذ عام 2015 بفارق ملحوظ عن المركز الثاني، كما أنه من أبرز المرشحين لقيادة حزب العمال خلفاً لكير ستارمر.

محمد واثقة من الفوز كما تقول لصحيفة "الجارديان"، لافتة إلى أن سكان منطقتها يشعرون بخيبة أمل من "سلبية" حزب العمال تجاه غزة، ولكن هذه القضية ليست الوحيدة على أجندتها الانتخابية، فهي تعد الناخبين بإثارة ملف تحسين الخدمات الصحية والتعليم وكثير من القضايا المحلية تحت قبة البرلمان، إذا فازت بتمثيلهم بعد أيام.

تصنيفات

قصص قد تهمك