كشفت وثيقة أوروبية ورسالة من وزراء خارجية 7 دول أوروبية، حصلت "المجلة" على نصهما، دفع كتلة داخل الاتحاد الأوروبي لمراجعة السياسة المعتمدة مع دمشق، والتخلي عن "اللاءات الثلاث" المتعلقة بالعقوبات والتطبيع والإعمار، ومبدأ أنه "لا يمكن تحقيق السلام في سوريا في ظل النظام الحالي". وتقترح التفاعل مع التقارب العربي مع الرئيس السوري بشار الأسد، وإعادة دمشق إلى الجامعة العربية منذ منتصف العام الماضي.
وكان مجلس الاتحاد الأوروبي أقر في أبريل 2017 الاستراتيجية الأوروبية إزاء سوريا التي عدلت مراراً، إلى أن أصبحت تقوم على "ثلاث لاءات": لا للتطبيع مع دمشق، لا لرفع العقوبات، لا لإعمار سوريا ما لم يتم تحقيق "تقدم ملموس" في العملية السياسة حسب القرار الدولي 2254.
وبقيت هذه "اللاءات" مرجعاً لموقف الدول الأوروبية، ومنسجمة مع موقف واشنطن الرافض للتطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية مع دمشق. وبعد إعادة الحكومة السورية إلى الجامعة العربية وحضور الأسد القمة العربية في جدة خلال مايو 2023 والبحرين في مايو الماضي، حافظت الدول الغربية على تمسكها بـ"اللاءات الثلاث"، من دون أن تتدخل مع الدول العربية لوقف التقارب مع سوريا.
وتقود الموقف الغربي كتلة رباعية، تضم الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. وبدأت في الفترة الأخيرة تبرز كتلة مقابلة داخل الاتحاد الأوروبي، إذ أرسل وزراء خارجية إيطاليا والنمسا وقبرص وجمهورية التشيك واليونان وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا إلى مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل وثيقتين: رسالة من الوزراء إلى بوريل و"لا ورقة" أوروبية له وللاتحاد إزاء سوريا.
أول دولة في "السبع الكبار"
ومنذ استدعاء الدول الغربية والعربية سفراءها من دمشق بداية 2012، احتجاجاً على "العنف غير المقبول" من الحكومة السورية ضد المواطنين عقب الاحتجاجات، حافظت بعض الدول على وجود دبلوماسيين بينهم السفيرة التشيكية ودول أخرى على مستوى القائم بالأعمال.
كما استأنفت المفوضية الأوروبية واليابان وسويسرا والنرويج نشاطاتها "الإنسانية" في دمشق، بالتزامن مع تصاعد التقارب وتعيين دول عربية سفراء لها في دمشق. وحافظت دول غربية على تعيين مبعوثين في عواصمها للاهتمام بالملف السوري والتحدث إلى المعارضة.
وفي خطوة لافتة، أعلن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الجمعة تعيين المبعوث الخاص حاليا لوزارة الخارجية إلى سوريا ستيفانو رافاجنان سفيرا مقيما في دمشق، في أول خطوة من نوعها لدول في "السبع الكبار".
وهناك 6 سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي مفتوحة في الوقت الحالي بدمشق، وهي سفارات رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص وجمهورية التشيك والمجر. ولم تقدم باقي دول "مجموعة السبع" بعد، وهي الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا، على خطوة إعادة تعيين سفراء لها في سوريا.
7 وزراء أوروبيون
بالتزامن مع تعيين سفير في دمشق، أرسل تاياني ووزاء خارجية ست دول أخرى، رسالة إلى بوريل الذي كلف دائرة العمل الخارجي الأوروبي بدراسة ما يمكن القيام به وتقديم خيارات للقادة الأوروبيين.
وجاء في الرسالة الوزارية، التي حصلت "المجلة" على نصها، أن الصراع السوري يستمر منذ أكثر من 13 عاما، "متسببا في معاناة إنسانية غير مسبوقة وأزمة نزوح هي الأكبر في العالم، حيث سُجلت أعداد قياسية من اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة وأوروبا".
وأشارت إلى أن الاستراتيجية الأوروبية الحالية تعود إلى 2017، و"منذ ذلك الحين، تغير الوضع على الأرض في سوريا وما حولها بشكل كبير. حيث استعاد النظام السوري السيطرة على حوالي 70% من الأراضي، بينما استقرت المناطق خارج سيطرته نسبيا".
اعتُمدت الاستراتيجية التي توجه السياسة الأوروبية في 2017 مع ستة أهداف، تدعم الاستراتيجية "اللاءات الثلاث" كشرط لانخراط الاتحاد الأوروبي، وتستند إلى افتراض أنه "لا يمكن تحقيق سلام دائم في سوريا في ظل النظام الحالي"
وتسيطر قوات الحكومة السورية على ثلثي مساحة سوريا البالغة 185 ألف كلم مربع، فيما تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة من واشنطن على حوالي 23 في المئة شمال شرقي البلاد. وتسيطر فصائل مدعومة من أنقرة والجيش التركي على المساحة المتبقية في شمال البلاد وشمالها الغربي.
وبعدما قال الوزراء إنه "رغم أن العملية السياسية بقيادة الأمم المتحدة لم تحقق تقدما، أُعيد قبول سوريا في جامعة الدول العربية وجرى تطبيع العلاقات الثنائية مع اللاعبين الرئيسين مثل السعودية، مما خلق ديناميكية إقليمية جديدة. وفي الوقت نفسه، تدهورت الأوضاع الإنسانية في البلاد وتردى الاقتصاد بشكل كبير. ويستمر السوريون في المغادرة بأعداد كبيرة، مما يشكل ضغطا إضافيا على دول الجوار، في فترة يزداد فيها التوتر في المنطقة، مما ينذر بموجات لجوء جديدة"، أشاروا إلى أنه على الرغم من هذه التطورات الهامة، لم تتطور سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا، مما أدى إلى عدم ترجمة الجهد الإنساني الضخم إلى دور سياسي مكافئ.
"لا ورقة" أوروبية
وقدم الوزراء وثيقة "لا ورقة" إلى بورويل وإلى اللجنة السياسية والأمنية لبدء مناقشتها رسميا، حيث تتضمن تحليلات ومقترحات صريحة، إذ قالت: "بفضل دعم روسيا وإيران، لم يتمكن النظام من البقاء على قيد الحياة فحسب، بل استعاد السيطرة على حوالي 70 في المئة من الأراضي، بينما استقرت المناطق خارج سيطرته وإن كانت في حالة من التأزم السياسي. ومنذ عام 2020، أصبحت خطوط المواجهة الداخلية ثابتة، وإن لم تجر تهدئتها. وانعكس العدوان الروسي على أوكرانيا سلبا على علاقاتنا مع روسيا فيما يخص سوريا أيضاً".
وتابعت: "في عام 2023، غيّرت الكثير من الدول العربية بقيادة السعودية نهجها تجاه دمشق، وقررت إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية وفتح حوار معها. أدى ذلك إلى جمود فعلي في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية"، مشيرة إلى أن "العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة متعثرة. إذ لم يتمكن (عير بيدرسون) المبعوث الخاص للأمين العام من تحقيق تقدم في عملية جنيف أو اللجنة الدستورية، ولم يسفر نهجه التدريجي عن أي نتائج حتى الآن. وعليه، يبدو أن الحل السياسي وفقا لقرار الأمم المتحدة 2254 بات بعيد المنال، بينما تزداد الأزمة الإنسانية سوءا ويقترب الانهيار الاقتصادي الوشيك".
وبعدما كانت الأمم المتحدة تتحدث عن "انتقال سياسي" بموجب "بيان جنيف" لعام 2012، أقر مجلس الأمن في نهاية 2015 القرار 2254 الذي يتحدث عن "عملية سياسية" في سوريا.
السياسة والواقع
واعتُمدت الاستراتيجية التي توجه السياسة الأوروبية في عام 2017 مع ستة أهداف، تدعم الاستراتيجية "اللاءات الثلاث" كشرط لانخراط الاتحاد الأوروبي، وتستند إلى افتراض أنه "لا يمكن تحقيق سلام دائم في سوريا في ظل النظام الحالي".
وتقول وثيقة "لا ورقة" إنه في ضوء التطورات على الأرض وفي المنطقة ككل "ينبغي على الاتحاد الأوروبي اتباع نهج واقعي ومستدام. لذلك نقترح مراجعة وتقييم: 1) النتائج المحققة حتى الآن. 2) فعالية إجراءاتنا وأدواتنا. 3) الخيارات لتعديل نهجنا بناء على الواقع المتغير في سوريا وما حولها". ذلك بهدف اتباع "سياسة أكثر نشاطا، مدفوعة بالنتائج، وعملياتية أكثر تجاه سوريا. وهذا من شأنه أن يسمح لنا بزيادة نفوذنا السياسي، وفعالية مساعدتنا الإنسانية ونهج التعافي المبكر، والمساهمة في تحقيق شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين السوريين وفقا لمعايير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
قدمت الوثيقة التي بعث بها وزراء خارجية 7 دول أوروبية، 10 مقترحات، تمت صياغتها في شكل أسئلة، بينها: هل ينبغي زيادة القدرة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي من خلال تعيين مبعوث خاص لسوريا؟
وكان مجلس الأمن الدولي قد قرر قرارا سمح بتمويل مشاريع "التعافي المبكر" في سوريا في مجالات الكهرباء والصحة والتعليم، لكن الدول الغربية بقيت منقسمة إزاء هذه المشاريع. كما أن الاتحاد الأوروبي استضاف سلسلة مؤتمرات للدول المانحة في بروكسل لتقديم التزامات مالية كان آخرها في مايو/أيار الماضي، أسفر عن نحو سبعة مليارات يورو (منحا وقروضا)، بينها 2.2 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي الذي يقول إنه قدم في العقد الأخير أكثر من 33 مليار يورو لدعم العمليات الإنسانية في سوريا.
واقترحت وثيقة "لا ورقة" مراجعة اعتبارات الدول الأعضاء، والدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية، والمفوضية الأوروبية و"استكشاف أفكار جديدة لتعزيز تنفيذ سياستنا تجاه سوريا على أساس النتائج". وقالت: "في ظل الطلب المتزايد على المساعدات الإنسانية عالميا، يجب أن تتضمن المراجعة أيضا فعالية توصيل مساعداتنا من خلال نهج "التعافي المبكر"، و"النهج المجتمعي"، مع مراعاة مبدأ عدم تسييس المساعدات الإنسانية. يمكن مناقشة هذا الأمر بين الزملاء المختصين في المجال الإنساني.
العقوبات
وفرض الاتحاد الأوروبي سلسلة عقوبات بعد 2011 شملت مؤسسات رسمية وشخصيات حكومية ورجال أعمال وقطاعات اقتصادية بينها النفط، وجدد العقوبات إلى يونيو 2015. كما تفرض أميركا عقوبات على شخصيات ومسؤولين وتلتزم بـ"قانون قيصر" الذي تنتهي ولايته في 20 ديسمبر/كانون الأول المقبل. وهناك جهود لعدم تمديده، مقابل إجماع في الكونغرس في الوقت الراهن على تمديده إلى 2032.
وقالت "الوثيقة السباعية" الأوروبية: "كانت العقوبات متوخاة كأداة ضغط أساسية على دمشق، ولكن بعد أكثر من عقد، ومن خلال التأثير غير المقصود للإفراط في الامتثال، أصبحت تؤثر سلبا على السكان بشكل عام دون ممارسة نفوذ كبير على صناع القرار، على الرغم من أن إدخال إعفاءات إنسانية واسعة النطاق كان مفيدا للغاية. إضافة إلى ذلك، فإن النظام يروج بشكل خاطئ للسردية القائلة إن العقوبات هي سبب الانهيار الاقتصادي والمعاناة في البلاد، متجاهلاً مسؤوليته الخاصة في ذلك".
وأشارت إلى أن مستقبل سوريا "محوري لأمن أوروبا" نظرا لموقعها القريب، محذرة من أنه مع استمرار تزايد الخسائر الإنسانية للأزمة ومعاناة الملايين، وتفاقم تدفقات الهجرة نحو أوروبا: تقع على عاتقنا مسؤولية التعاون مع شركائنا الإقليميين لضمان بذل الاتحاد الأوروبي كل جهد ممكن للتخفيف من حدة الوضع، وخلق ظروف معيشية كريمة، وبالتالي توفير ظروف للعودة الطوعية الآمنة والكريمة وفقا لمعايير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمساهمة بفعالية في البحث عن حل سياسي مستدام للصراع". وقالت إن "إجراء مراجعة مؤقتة سيساعد الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على سياسة نشطة، عملية، وقائمة على النتائج في سوريا".
10 مقترحات
وقدمت الوثيقة التي بعثها وزراء خارجية سبع دول أوروبية، عشرة مقترحات، تمت صياغتها في شكل أسئلة، بينها: "كيف نقيم صلاحية الأهداف الستة التي حددتها الاستراتيجية؟ وهل ينبغي زيادة القدرة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي من خلال تعيين مبعوث خاص لسوريا (...) وبفضل تكليفه بمقابلة جميع الأطراف، سيساعد المبعوث في الحد من الانطباع بوجود انقسام داخلي في الاتحاد الأوروبي، حيث تتفاعل بعض الدول مع دمشق بينما تظل دول أخرى معارضة تماماً".
يدعم الاتحاد الأوروبي "المعارضة المعتدلة" بينما يحافظ على مسافة من النظام؟ (...) كيف يمكننا تقييم دور وقدرة المعارضة السياسية التي يدعمها الاتحاد الأوروبي بنشاط من خلال صندوق مبادرة السلام؟"
وأضافت: "هل ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يوازن بشكل أفضل بين مقاربته للأطراف في النزاع السوري؟ يدعم الاتحاد الأوروبي "المعارضة المعتدلة" بينما يحافظ على مسافة من النظام؟ (...) كيف يمكننا تقييم دور وقدرة المعارضة السياسية التي يدعمها الاتحاد الأوروبي بنشاط من خلال صندوق مبادرة السلام؟".
وتناولت المقترحات دور القطاع الخاص والمجتمع المدني، و"تطوير نهج التعافي المبكر في الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر لتلبية احتياجات الشعب السوري على المدى الطويل وتجنب سيناريو الجيل الضائع"، و"تحقيق شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين"، والتفكير في "استكشاف وتطوير أدوات القوة الناعمة، مثل الدبلوماسية الثقافية. ولماذا تُعتبر حماية التراث الثقافي من الأمور غير القابلة للتفاوض؟".
ومن المقترحات الأخرى: "تعزيز تعاون الاتحاد الأوروبي مع مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا لدعمه في عمله، وكذلك استئناف عمل اللجنة الدستورية وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254". وسألت: "ألا يجب علينا الانخراط استراتيجياً مع دول المنطقة التي قررت إعادة التواصل مع النظام السوري؟ بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الأمر كذلك، كيف يمكننا استعادة علاقاتنا السياسية بشكل كامل مع جامعة الدول العربية؟".
وعن آثار العقوبات، سأل الوزراء عن "مدى فعالية معالجة الآثار السلبية غير المقصودة للعقوبات على السكان، ولماذا يتزايد الامتثال المفرط في النظام المصرفي، مما يؤدي إلى نوع من المقاطعة لسوريا بدلا من اعتماد نهج العقوبات المستهدفة؟ ونظرا لأن الإقناع الأخلاقي لا يكفي، فما هي الآلية التي يمكننا تصورها لمواجهة هذا الامتثال المفرط بشكل فعال؟".
لا شك أن هذه الوثيقة لا تحظى بدعم جميع الدول الأوروبية ولندن وواشنطن، لكنها وضعت على طاولة الدول الأعضاء والدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية والمفوضية بـهدف من هذه الدول السبع الوصول إلى "سياسة أوروبية واقعية واستباقية وفعالة تجاه سوريا"، وذلك مع قرب وصول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض، حيث يبدو الفرق كبيرا بين موقفي المرشحين دونالد ترمب وكامالا هاريس إزاء الشرق الأوسط بما فيها الملف السوري.
هذا المحتوى من مجلة "المجلة"