لم يعد سهلاً على الصحفية الأردنية هبة إنجاز التغطيات الصحافية في مناطق مختلفة من المملكة، وذلك بسبب التشويش الإسرائيلي المستمر منذ أشهر على نظام تحديد المواقع العالمي "GPS"، ما يُعيق قدرتها على التنقل بسلاسة.
في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP)، قالت هبة، إنها تعتمد على نظام تحديد المواقع منذ سنوات لعدم معرفتها التامة بمختلف المناطق التي تحتاج للذهاب إليها، حيث كان هذا النظام الذكي عاملاً مساعداً حقيقياً في رحلاتها.
وأضافت "منذ حادثة إطلاق المسيرات اليمنية (على إسرائيل) ومرورها بالأجواء الأردنية، وأنا أعاني في الذهاب إلى أي مكان، بسبب خلل يصيب نظام تحديد المواقع بشكل متكرر. وكفتاة أجد صعوبة أكبر في التنقل دون الاستعانة بنظام GPS".
ولم يخلُ الأمر من التندر والفكاهة عبر فيديوهات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لمواطنين ضلوا طريقهم، بينما يصر نظام تحديد المواقع على إيصالهم إلى القاهرة، أو بيروت!
فقد وجدت هبة نفسها ذات مرة، حسب بيانات الموقع، في "حي المهندسين" بالعاصمة المصرية، على الرغم من وجودها فعلياً في أحد شوارع العاصمة الأردنية عمان، إذ يقول لها الموقع إن الوقت المتبقي للوصول إلى وجهتها هو 11 ساعة!
الأردن.. ازدحام شديد
في السياق نفسه، عبّر مواطنون عن استيائهم الشديد من كثرة الزحام في الشوارع، نتيجة اعتماد الكثيرين على نظام تحديد المواقع للوصول إلى وجهاتهم.
ويعتمد الشاب سامر بشكل كلي على نظام تحديد المواقع في عمله المسائي كمتعاون مع أحد تطبيقات توصيل الطلبات، مستخدماً دراجته، ويشكو من تضرره أيضاً من مشكلة التشويش.
وقال سامر إن زبائن التطبيق تقدموا بعدد من الشكاوى بسبب تأخر طلباتهم عن الموعد المحدد، مشيراً إلى أنه يواجه بشكل دائم خللاً في نظام تحديد المواقع الذي يصر على توجيهه إلى مناطق خارج الأردن، وأضاف "يصر النظام مثلاً أنني أتواجد في بيروت بدلاً من عمان".
وتابع "يدخلني النظام شوارع شديدة الازدحام بسبب الخلل الحاصل منذ أشهر، وهو ما تسبب بمضاعفة الوقت الذي أحتاجه للوصول إلى وجهتي، وأثّر كذلك على عملي الذي انخفضت وتيرته".
"تعدي على السيادة"
من جانبه، قال مدير مديرية إدارة الطيف الترددي في الهيئة الأردنية لتنظيم قطاع الاتصالات، نضال سمارة إن استخدام الترددات داخل المجال الأردني يُعتبر ضمن نطاق سيادة المملكة، وبالتالي فإن التشويش من أي دولة مجاورة على تلك الترددات "يُعتبر تعدياً على السيادة".
وأكد سمارة، بحسب ما نقلت وكالة أنباء العالم العربي، أن الأردن خاطب إسرائيل في مطلع العام الحالي بشأن التشويش، لكن "لم يكن هناك استجابة" على حد قوله.
وأضاف أن عدم استجابة إسرائيل لطلب الأردن بوقف التشويش دفع المملكة إلى تقديم شكوى للاتحاد الدولي للاتصالات قبل أيام، بالتنسيق مع عدد من الدول المجاورة.
ويأمل الأردن أن يتخذ الاتحاد الدولي للاتصالات قراراً يطالب إسرائيل بوقف التشويش، رغم أن سمارة لا يتوقع التزامها، لا سيما أثناء الحرب، وتابع "مبرر إسرائيل هو تقديم المصلحة العسكرية على المدنية، وبالتالي لا نتوقع استجابة لوقف التشويش".
ولا يرى سمارة خيارات دولية أو محلية تذكر أمام الأردن، حيث أن الجهة العالمية المنظمة هي الاتحاد الدولي للاتصالات، ولذلك يستبعد تصعيد القضية دبلوماسياً بين الأردن، وإسرائيل.
وأضاف: "كل الخدمات التي تعتمد على نظام تحديد المواقع تأثرت بنسب متفاوتة"، لافتاً إلى أن المواطنين شعروا بتأثير كبير لأنهم يستخدمونه بالمجان، بينما استطاعت قطاعات أخرى استخدام أنظمة بديلة لكنها أكثر كلفة.
استخدام غير قانوني للتشويش
إن "أي استخدام غير قانوني للتشويش على أنظمة الملاحة يُعد جريمة، يحاسب عليها القانون مثل أي نشاط إجرامي"، وفقاً لخبير الاتصالات وتقنية المعلومات الأردني وصفي الصفدي، موضحاً أن نظام تحديد المواقع العالمي التابع للولايات المتحدة يمكن التشويش عليه باستخدام أجهزة قادرة على تعطيل الترددات الخاصة بأنظمة الملاحة العالمية، وبالتالي "إعطاء معلومات غير دقيقة للمستخدم".
وأكد الصفدي أن أجهزة التشويش غير مصرح باستخدامها إلا من قبل الأجهزة الرسمية، أو الأمنية داخل الدولة لارتباطها بسلامة وأمن تلك الدولة، مرجعاً قيام دول بالتشويش على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي، إلى عدة أسباب، أهمها حماية تحركات كبار الشخصيات أثناء الأحداث البارزة، أو لأسباب أمنية في منطقة معينة لمنع التتبع غير المصرح به لكبار الشخصيات، أو المركبات الحكومية.
وأشار أيضاً إلى أن التشويش قد يُستخدم لتعطيل أنشطة إجرامية تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي، مثل سرقة المركبات أو تهريب البضائع باستخدام أجهزة تعقب.
وذكر الصفدي أن الجيوش قد تستخدم أيضاً التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي على نطاق واسع أثناء "الحرب أو التدريبات لتعطيل أنظمة الاتصالات والملاحة الخاصة بالعدو"، حيث يمكن أن يمنع هذا "الأعداء من استخدام الأسلحة الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي".
ولم يقتصر التشويش الإسرائيلي، الذي يُعتقد أنه يستهدف إعاقة عمل الطائرات المُسيرة، على الأردن، فمنذ بدء المناوشات عبر الحدود بين القوات الإسرائيلية وجماعة "حزب الله" اللبنانية، تُعاني معظم القطاعات التي تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي في لبنان تشويشاً ألقت الحكومة فيه باللوم على إسرائيل.
وقالت وزارة الخارجية اللبنانية في مارس الماضي إنها طلبت من بعثة لبنان الدائمة في الأمم المتحدة التقدم بشكوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، متهمة إياها بالتشويش على أنظمة الملاحة الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي.
كما حذّر وزير الأشغال والنقل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية علي حمية عبر حسابه في منصة "إكس"، من أن التشويش الاسرائيلي "بشكل مستمر ومتواصل يشكل خطراً كبيراً على سلامة وأمن الملاحة الجوية".