كشف تقييم جديد لأجهزة الاستخبارات الأميركية أن إيران تواصل جهود البحث، التي تساهم في تعزيز قدرتها على إطلاق برنامج للأسلحة النووية، وسط ترجيحات بشأن احتمال اتخاذ "إجراءات عسكرية" ضد طهران، حسبما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وأشارت الصحيفة الأميركية في تقرير، الجمعة، إلى أن هذا التحوّل في وجهة نظر واشنطن بشأن جهود إيران النووية يأتي في وقت حرج، إذ أنتجت طهران ما يكفي من الوقود النووي المخصب بدرجة عالية لصنع عدد قليل من الأسلحة النووية.
ويأتي التقييم الاستخباراتي في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة التوترات في الشرق الأوسط منذ أن هددت إيران بضرب إسرائيل رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في العاصمة طهران، وألقت باللائمة على إسرائيل.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي (لم يذكر اسمه)، إن أجهزة الاستخبارات الأميركية "لا تزال تعتقد أن إيران لا تعمل حالياً على بناء سلاح نووي"، مشيراً إلى أنه "لا يوجد دليل على أن المرشد الإيراني علي خامنئي، يفكر في استئناف برنامج بلاده للأسلحة النووية، الذي تقول الاستخبارات الأميركية، إنه توقف إلى حد كبير في عام 2003".
لكن التقرير، الذي قدمه مدير الاستخبارات الوطنية إلى الكونجرس في يوليو الماضي، حذّر من أن إيران "قامت بأنشطة تجعلها في وضع أفضل لإنتاج سلاح نووي، إذا اختارت القيام بذلك".
واستبعد التقرير ما كان يعتبر لسنوات تأكيداً معتاداً للاستخبارات الأميركية، وهو أن إيران "لا تقوم حالياً بالأنشطة الرئيسية الضرورية لإنتاج سلاح نووي قابل للاختبار".
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن مراراً إن الولايات المتحدة لن تسمح أبداً لإيران بحيازة سلاح نووي، ما يزيد من احتمال اتخاذ إجراءات عسكرية إذا كانت واشنطن ستقرر أن طهران شرعت في جهد مكثف لبناء سلاح نووي، بحسب الصحيفة. وفي المقابل، تقول إيران إن برنامجها النووي مخصص لأغراض مدنية فقط.
واتهم الجمهوريون إدارة بايدن بأنها لم تفعل ما يكفي، لتعزيز وتنفيذ العقوبات الاقتصادية على طهران، لكن مسؤولي إدارة بايدن يقولون إن قرار الرئيس السابق دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015 أتاح لإيران تسريع وتيرة أنشطتها النووية.
ورفضت إيران محاولات الولايات المتحدة وأوروبا لإحياء ذلك الاتفاق النووي، لكن مسؤولين أميركيين ما زالوا يتواصلون مع طهران، بحسب الصحيفة.
برنامج عسكري "غير نشط"
ورجح خبراء أن المحفز الرئيسي للتغيير في التقييم الاستخباراتي الجديد، هو الأعمال البحثية والعلمية والهندسية، التي قامت بها إيران خلال العام الماضي.
وقال مسؤول أميركي، إن الأبحاث التي تجريها إيران "يمكن أن تقلّص الفجوة المعرفية التي تواجهها في إتقان القدرة على بناء سلاح"، على الرغم من أن الاستخبارات الأميركية تؤكد أنها لن تقصر الوقت الذي تحتاجه البلاد لصنع سلاح.
وأشار المسؤول الأميركي إلى أن بعض هذه الأنشطة التي ما زالت مستمرة، ربما كانت تعتبر في الماضي مؤشراً على أن "طهران تسعى لتطوير أسلحة نووية"، لكن وكالات الاستخبارات الأميركية تعيد النظر في معاييرها لتقييم الأنشطة النووية الإيرانية في ضوء ما تعرفه عن البرنامج.
من جهتها، قالت متحدثة باسم مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، إن "إيران ليس لديها برنامج نووي عسكري نشط".
ولم يقدم المسؤولون الأميركيون أي تفاصيل بشأن طبيعة الأنشطة، التي يُعتقد أن إيران تجريها. ومع ذلك، خلال الأشهر الأخيرة، سرت مخاوف في صفوف المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين بشأن الأبحاث المتعلّقة بالتسليح التي تجريها طهران، بما في ذلك تقنيات الحاسوب والصناعات التعدينية، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه الأنشطة جزء من "منطقة رمادية" بين اتخاذ تدابير لإنشاء مكونات السلاح النووي، مثل إنتاج اليورانيوم المخصب بدرجة عالية وإنتاج معدن اليورانيوم، والعمل على بناء سلاح بالفعل. والأنشطة البحثية الإيرانية عادة مزدوجة الاستخدام، ما يسمح لطهران بالادعاء بأن هذه الأعمال لأغراض مدنية.
وليس البحث الإيراني هو السبب الوحيد للقلق، إذ يشير التقييم الأميركي أيضاً إلى أنه "حدثت زيادة ملحوظة هذا العام في التصريحات الإيرانية العلنية بشأن الأسلحة النووية، ما يشير إلى أن المسألة باتت أقل تحريماً".
وأضاف التقرير الاستخباراتي أنه، حتى إذا لم تمض إيران قدماً في تطوير قنبلة نووية، فإنها تسعى لاستغلال القلق الدولي بشأن وتيرة برنامجها من أجل "امتلاك وسائل ضغط في المفاوضات، ومواجهة الضغوط الدولية المكثفة".
تقدم "بحذّر شديد"
وفي تعليق على الأمر، قال جاري سامور، مدير مركز "كراون لدراسات الشرق الأوسط" بجامعة "برانديز"، والمسؤول السابق بالبيت الأبيض في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما: "في الوقت الراهن، بعد أن أتقنت إيران إنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، فإن الخطوة المنطقية التالية هي استئناف أنشطة التسليح لتقصير الوقت اللازم لتصنيع سلاح نووي، بمجرد اتخاذ قرار سياسي".
وأضاف سامور: "بالنظر للحاجة إلى الحفاظ على السرية، يبدو أن إيران تتقدم بحذّر شديد، ما يثير حالة من الشك والغموض بشأن نواياها".
وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، الذي رفعت بموجبه معظم العقوبات الدولية المفروضة على طهران، مقابل قيود صارمة ولكن مؤقتة على أنشطتها النووية، وسعت طهران بشكل كبير نطاق برنامجها لتخصيب اليورانيوم.
وفي يوليو الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنه من المحتمل أن تستغرق إيران "أسبوعاً أو أسبوعين" لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب المستخدم في صنع الأسلحة لصنع سلاح نووي.
ويمثل هذا التقييم، أقصر وقت لإنتاج إيران الأسلحة النووية، يشير إليه مسؤولون أميركيون، ويأتي في وقت اتخذت فيه إيران خطوات خلال الأشهر الأخيرة لتعزيز إنتاجها من المواد الانشطارية.
ومنذ أكثر من عام، قال مسؤول كبير بوزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، إن إيران "قادرة الآن على إنتاج مادة انشطارية تعادل قنبلة واحدة في نحو 12 يوماً".
ويعتقد خبراء أن إيران تمتلك بالفعل ما يكفي من اليورانيوم المخصب بدرجات مختلفة، لتتمكن من إنتاج وقود لعدة أسلحة نووية في غضون 6 أشهر، كما تمتلك برنامج صواريخ متقدماً، وأنها استأنفت العمل على مكونات أساسية في بناء رأس حربي نووي، مثل إنتاج معدن اليورانيوم.
من جهته، قال أرييل ليفيت، وهو زميل بارز في برنامج السياسة النووية بمؤسسة "كارنيجي"، ومسؤول إسرائيلي سابق، في إشارة إلى تقرير الاستخبارات الأميركية: "أنا مستعد لقبول تقدير الاستخبارات الأميركية بأن المرشد الإيراني لم يتخذ قراراً حتى الآن بتسليح البرنامج".
واستدرك بالقول: "لكن في نفس الوقت أميل إلى الاعتقاد بأنه (خامنئي) على الأقل لم يمنع علمائه من الانخراط في أنشطة، تسمح لهم بأخذ إيران إلى أعلى مستوى من العتبة النووية".
أدلة سابقة
ووفقاً للصحيفة، توجد "أدلة قاطعة"، تشمل أدلة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، وملفات استولت عليها إسرائيل في عام 2018، على أن طهران كان لديها برنامج شامل للأسلحة النووية حتى عام 2003.
وشمل هذا العمل السابق تقدماً في العديد من مجالات رئيسية لإنتاج رأس حربي. كما شمل أيضاً أبحاثاً تتعلق بالتسليح.
وفي حين قدرت الولايات المتحدة أن الأنشطة النووية العسكرية الأساسية لإيران توقفت في عام 2003، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران واصلت إجراء أنشطة بحثية تتعلق بإتقان (تصنيع) سلاح نووي بعد عام 2003.
ويعتقد بعض الخبراء والمسؤولين، أن إيران واصلت هذا العمل طوال العقدين الماضيين على نحو ما، واقتربت من "الإتقان الكامل" لبناء قنبلة.
ويقول خبراء، إن هذه الأبحاث ربما تشمل، على سبيل المثال، تحسين المعرفة بشأن محفزات النيوترونات لبدء تفاعل متسلسل في سلاح نووي، أو العمل على أنظمة توجيه صواريخ حاملة لرؤوس حربية، أو فصل رأس حربي عن الصاروخ.