كيف تسبب "خطأ" جنرال روسي في أول غزو لأراضي بلاده منذ الحرب العالمية الثانية؟

الرد الروسي كشف عن "ثغرات" في الدفاعات وأوجه قصور سلطة الكرملين

time reading iconدقائق القراءة - 12
قائد قوات المنطقة المركزية الروسية حينها الجنرال ألكسندر لابين خلال اجتماع لكبار قادة الجيش مع الرئيس فلاديمير بوتين. 15 مايو 2024 - Reuters
قائد قوات المنطقة المركزية الروسية حينها الجنرال ألكسندر لابين خلال اجتماع لكبار قادة الجيش مع الرئيس فلاديمير بوتين. 15 مايو 2024 - Reuters
دبي -الشرق

تسبب "خطأ فادح" ارتكبه جنرال روسي قبل أشهر في تعريض حدود بلاده الغربية للخطر، واقتحام القوات الأوكرانية المفاجئ لمنطقة كورسك في السادس من أغسطس الجاري، في أكبر توغل داخل أراضٍ روسية منذ الحرب العالمية الثانية، ما كشف عن "ثغرات" في الدفاعات الروسية، وأوجه قصور السلطة في الكرملين، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤول في أجهزة الأمن الروسية لم تذكر اسمه، قوله إنه في ربيع هذا العام، اتخذ الجنرال ألكسندر لابين وهو المسؤول العسكري الجديد الذي عينته موسكو للإشراف على الأمن في إقليم كورسك، قراراً بتفكيك المجلس المُكلّف بحماية المنطقة الحدودية المعرضة للخطر. وقال الجنرال إن "المؤسسة العسكرية وحدها لديها القوة والموارد اللازمة لحماية الحدود الروسية".

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطة "تركت ثغرة أخرى في الدفاعات الروسية الهشة"، التي انهارت في مطلع هذا الشهر، عندما شنت القوات الأوكرانية هجوماً مباغتاً عبر الحدود إلى كورسك. وعبرت القوات الأوكرانية الحدود لتجد القوات الروسية في "حالة من الفوضى"، وظلت تتقدم إلى درجة أنهم يقولون إنهم يحتلون الآن أكثر من 400 ميل مربع (نحو 644 كم) من الأراضي الروسية.

لكن في واقع الأمر، لابين لم يفتح بمفرده الأبواب أمام أول غزو أجنبي للأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية، إذ كان يواجه عجزاً شديداً في القوة البشرية؛ لكن  الصحيفة قالت إن "زلة" الجنرال هي "سمة من سمات كبار الضباط المنعزلين عن واقع ساحة القتال"، الذي تعاني منه موسكو الآن في سعيها لإبعاد القوات الأوكرانية من أراضيها. 

ومنذ بداية الحرب، تسبب "التفكير المركزي من أعلى إلى أسفل" في روسيا، الذي يُعد أحد السمات المحدِدة لروسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، في نتائج عكسية في ساحة القتال، إذ عرقلت هذه السياسة التخطيط الرصين في الكرملين، وعندما فشلت تلك الخطط، منع ذلك القوات الروسية من الارتجال والمبادرة للرد على التطورات المتسارعة، بحسب الصحيفة.

"سلطة عمودية"

وفي هذا الإطار قال ويليام كورتني، وهو دبلوماسي أميركي سابق وزميل في مؤسسة "راند" البحثية، إن "تسلسل السلطة العمودي الذي وضعه بوتين لا يزال قائماً، ولكنه يعمل الآن ضد أهداف روسيا على الأرض"، مضيفاً أنه مع صدور جميع الخطط الروسية عن قمة هرم السلطة فإن استجابتها للأحداث غير المتوقعة والمتسارعة تكون "قاصرة وبطيئة إلى درجة لا يمكن تصديقها"، إذ لا يتولى أحد على الأرض زمام المبادرة.

ووفقاً للصحيفة، ليس من الواضح ما إذا كان المجلس الذي حله الجنرال لابين، وهو هيئة تضم ضباطاً عسكريين إلى جانب مسؤولي أمن محليين ومسؤولين على مستوى المقاطعات وتتشارك فيه عدة وكالات، كان سيساعد في تنظيم رد فعل متماسك من قبل موسكو.

ولكن بدون هيئة مركزية مسؤولة عن الرد الروسي، فإن جهود موسكو لطرد قوات كييف تشوبها حتى الآن حالة "فوضى وانعدم للفعالية"، ما ترك الوكالات الأمنية الروسية مثل وزارة الداخلية وجهاز الأمن الفيدرالي المسؤولان عن الأمن الداخلي، ووزارة الدفاع الروسية، المسؤولة عن القتال داخل أوكرانيا "في حالة تنافس لقيادة الرد الروسي"، وفق "وول ستريت جورنال".

وقال الجنرال كريستوفر كافولي، القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو"، خلال كلمة أمام مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، الخميس، إن "روسيا لا تزال تجهز لرد فعل على التوغل الأوكراني"، واصفاً هذه التجهيزات بأنها "بطيئة ومشتتة إلى حد ما"، مشيراً إلى أن ذلك "يعزى جزئياً إلى أنه ليس من الواضح على وجه الدقة مَن المسؤول".

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن وزارة الدفاع الروسية لم ترد على طلب التعليق، كما أنها لم تصدر تفسيراً علنياً بشأن كيفية السماح للقوات الأوكرانية بالعبور إلى داخل الأراضي الروسية.

وبعد ساعات من التوغل الأوكراني، قال رئيس الأركان العامة الروسية، الجنرال فاليري جيراسيموف، إن قوات لابين وقوات حرس الحدود تعمل على "تدمير العدو في المناطق المتاخمة مباشرة للحدود الروسية الأوكرانية". 

ولفتت "وول ستريت جورنال" إلى أنه لم يرصد أي ظهور علني لجيراسيموف منذ التوغل الأوكراني.

مشكلات وأخطاء متكررة 

ووفقاً للصحيفة، فإن هذا الرد الأولي من جانب موسكو "يذكر بالساعات الأولى من التمرد"، الذي قاده يفجيني بريجوجين زعيم مرتزقة "فاجنر"، عندما أرسل قواته باتجاه موسكو للإطاحة بمنافسيه الذين حملهم مسؤولية المشكلات العسكرية التي تواجهها روسيا، وهما جيراسيموف ووزير الدفاع آنذاك سيرجي شويجو.

ولفت كورتني إلى أنه رغم ظهور مؤشرات على مدى أيام على أن بريجوجين كان يخطط للقيام بتمرد، لكن الكرملين "تفاجأ وأصابه الجمود" أمام ما قام به من أعمال. ولقي بريجوجين، الذي أوقف التمرد في نهاية المطاف مصرعه بعد شهرين، وذلك أثناء سفره باتجاه موسكو، عندما انفجرت طائرته في منتصف رحلتها فوق روسيا.

وقال مراسلون عسكريون روسيون إنه في الأيام السابقة على التوغل الأوكراني، أرسلت قيادة لابين تقارير إلى موسكو، محذرة من أن القوات الأوكرانية تزيد أعدادها على خط المواجهة، ولكن هذه الخدعة "استخدمت على كلا الجانبين من قبل كتكتيك للحرب النفسية"، حسبما قال أشخاص مطلعون على المناورات الحدودية وهو ما دفع موسكو إلى رفض هذه التحذيرات.

وبغض النظر عن المعلومات الاستخباراتية بشأن التحركات العسكرية، لا تزال القوات الخاضعة لقيادة لابين عاجزة عن التحرك عن طريق فرض الخطوط الدفاعية أو زرع ألغام على غرار ما فعل الجنود الروس في العام الماضي، لإحباط هجوم مضاد أوكراني كبير.

فعندما دخل الجنود الأوكرانيون المناطق النائية على الحدود بين أوكرانيا وروسيا، لم يواجهوا أي مقاومة، وفي داخل روسيا لم تكن هناك قوات دفاع للمساعدة في إبطائهم.

واستخدمت القوات الأوكرانية التشويش الإلكتروني لعرقلة الاتصالات، ما ترك القوات الروسية منعزلة عن قيادتها. وحوصرت القوات الروسية خفيفة التسليح خلف خط المواجهة، وتشتت في الغابة، فيما نصبت مقاومة محلية كميناً للقوات الأوكرانية، ولكن المئات من الجنود الروس، والكثير منهم مجندون إلزاميون، استسلموا.

سيناريو مفاجئ

بدوره، قال كونراد موزيكا، مدير شركة Rochan Consulting للاستشارات، التي تركز على الجيش الروسي، ومقرها بولندا: "في موسكو لم يعتقدوا ببساطة أن سيناريو كهذا يمكن أن يحدث".

وأضاف أن الخطة الدفاعية "كانت كارثية تماماً مثل الغزو الروسي الأولي نفسه، عندما أرسل مخططون عسكريون، اعتمدوا على معلومات استخباراتية خاطئة، وقناعة بأن الجيش الأوكراني سينهار تحت ضغط الغزو الروسي الشامل، طوابير مدرعة إلى أوكرانيا في تشكيل عرض عسكري، ما جعلها أهدافاً سائغة للمسيرات والأسلحة المضادة للدبابات".

وبالمثل، عندما توجه الجنود الأوكرانيون إلى روسيا، كانت أول مقاومة مسلحة يواجهونها من قبل فوج البنادق الآلية 488 التابع للواء البنادق الآلية 144، وهي وحدة تتكون بأكملها تقريباً من مجندين إلزاميين، الذين لا يفترض بهم، وفقاً للسياسة الروسية، القتال داخل أوكرانيا. واستنزفت متطلبات الجبهة القوة البشرية وموارد القوات الروسية.

وأوضح موزيكا أنه "في الظروف العادية، كان من الممكن أن يكون لدى هذه القوة نحو 120 مركبة مدرعة، تضم دبابات وناقلات جنود مدرعة، ولكن في أول مواجهة مسلحة كان لدى المجندين على الأرجح بين 10 و20 مركبة".

وليست هذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها "سوء التخطيط ونقص العدد" تحت قيادة لابين. ففي أوائل سبتمبر 2022 شنت القوات الأوكرانية هجوما مباغتاً في شمال شرق أوكرانيا. وبدون تحصين الروس لمواقعهم الضعيفة على الجبهة بشكل فعال، تجاوزهم الأوكرانيون باستخدام مركبات ميدانية سريعة الحركة، تبعتها صفوف مدرعة أثقل وزناً. وانهار خط الهجوم الروسي وتمكنت أوكرانيا من استعادة آلاف الاميال المربعة في شمال شرق أوكرانيا.

"تجريد لابين من رتبته أوسمته"

وفي أعقاب هذه الكارثة، دعا الزعيم الشيشاني رمضان قديروف إلى استقالة لابين، قائلاً: "أود خفض رتبة لابين إلى جندي، وتجريده من أوسمته، وإرساله إلى الخطوط الأمامية ببندقية آلية".

واعتبر بعض المراسلين العسكريين الروس أن هذا الانتقاد "غير منصف"، لأن لابين نقل مؤخراً إلى المنطقة التي انهارت فيها الخطوط الروسية. ومع ذلك، عُزل لابين من منصبه قبل إعادة تعيينه في وقت لاحق نائباً لقائد القوات الروسية في أوكرانيا.

وكان هذا الفشل الذريع سبباً في دفع الكرملين إلى إعادة التفكير في مشكلة قوته البشرية، وبعد شهر، بدأت روسيا بالفعل عملية تعبئة عامة لتعزيز دفاعاتها الهشة. ومنذ ذلك الحين، أدت الحوافز المالية للتعاقد إلى استمرار تدفق المتطوعين على مكاتب التجنيد الروسية بمعدل نحو 1000 متطوع يومياً.

ووفقاً للصحيفة، ساعد هذا "آلة الحرب" الروسية على مواصلة التقدم في أجزاء من أوكرانيا في حرب استنزاف طاحنة، ولكن الخسائر الفادحة أدت إلى تقليص الاحتياطيات الاستراتيجية لدى موسكو، ما أدى بدوره إلى تقييد حجم القوة البشرية التي يستطيع الكرملين توجيهها الآن إلى كورسك.

وفي الوقت الراهن، بينما تحاول روسيا تحقيق مكاسب على أراضيها، شرعت في جلب بعض القوات من شرق أوكرانيا، حتى إذا كان ذلك يعني سحب قوة بشرية بأي عدد من خط المواجهة. وأظهر هذا "الرد الفاشل" أن التوغل الأوكراني في الأراضي الروسية أصاب نقطة ضعف كبيرة لدى موسكو، وهي التخطيط للطوارئ.

وفي تعليق على الأمر قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" بات رايدر: "لقد أظهر ذلك بالتأكيد قدرة الأوكرانيين على الابتكار وبراعتهم الميدانية"، مضيفاً أنهم "أجبروا الروس بوضوح على المعاناة من أجل الرد على توغلهم".

توغل كورسك

وتسعى القوات الأوكرانية إلى التقدم في منطقة كورسك الروسية بعد هجوم مفاجئ عبر الحدود بدأ في السادس من أغسطس، بينما ما زالت القوات الروسية تمضي قدماً في هجومها في شرق أوكرانيا.

وأعلنت روسيا بشكل منفصل عن تشكيل مجموعات عسكرية جديدة في كورسك ومنطقتين حدوديتين أخريين في محاولة لصد التوغل دون تحويل القوات من خطوط المواجهة في عمق أوكرانيا. وتوعد بوتين بتوجيه رد "مناسب" عليه، لكنه لم يفصح بعد عما سينطوي عليه ذلك الرد.

وقال وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف، الثلاثاء، إن هيئة تنسيق جديدة بدأت "بالفعل" العمل على مدار الساعة للتنسيق بين السلطات الإقليمية وقادة القوات ووزارة الدفاع.

تصنيفات

قصص قد تهمك