حماة.. المدينة التي تعاقبت عليها الحضارات والصراعات

time reading iconدقائق القراءة - 9
منظر يظهر  واحدة من نواعير حماة المائية وسط سوريا- 27 نوفمبر 2022 - Reuters
منظر يظهر واحدة من نواعير حماة المائية وسط سوريا- 27 نوفمبر 2022 - Reuters
دبي-الشرق

على مدى 14 عاماً من الأزمة السورية، ظلّت مدينة حماة وسط سوريا آمنة نسبياً، ولم تنخرط في الصراعات المسلحة التي انتشرت على معظم مساحة البلاد.

اليوم، تتصدّر هذه المدينة واجهة الأحداث، بعد دخول قوات الفصائل المسلحة إليها وانسحاب الجيش السوري خارجها، عقب معارك عنيفة استمرت لساعات الخميس.

"مدينة النواعير" أو السواقي، كما تُعرف، ذات أهمية تاريخية واستراتيجية، تعاقبت عليها ممالك وحضارات، واستوطنها البشر منذ عصور ما قبل التاريخ، واشتهرت بعجلاتها المائية على ضفاف نهر العاصي، ولُقبّت بـ"مدينة أبي الفداء" نسبة لأحد ملوكها السابقين.

موقع استراتيجي وسط سوريا

تقع حماة وسط سوريا، وتحدها من الشمال محافظة إدلب، ومن الغرب محافظة اللاذقية، ومن الجنوب محافظة حمص، ومن الشرق بادية الشام.

وتتنوع تضاريسها بين السهول الخصبة والجبال الخضراء والوديان الغنية، ما يجعل أراضيها مناسبة لعدد متنوع من المزروعات كالحبوب والزيتون والفواكه.

وتتميز المدينة بمناخها المعتدل ومناظرها الطبيعية الخلابة، مما يجعلها وجهة سياحية مهمة في سوريا.

كما يلعب نهر العاصي دوراً مهماً في حياة المدينة، حيث يمر في قلبها، ويُعد شريان الحياة الزراعية فيها. وإضافة إلى كونه مصدراً رئيسياً للمياه الزراعية، يُمثل وجهة للترفيه والاستجمام للسكان والزوار. ويستمد نهر العاصي هذا الاسم لأنه يجري من الجنوب نحو الشمال، على عكس اتجاه باقي الأنهار في المنطقة.

أما تضاريس حماة، فتتنوع بين الجبال المرتفعة والوديان التي تحتضن مزارع الفاكهة والزيتون. وتشمل الأنشطة الاقتصادية الأخرى في حماة صناعة الدقيق، والمنسوجات والدباغة والأسمنت.

وتبلغ مساحة حماة وريفها 8883 كيلو متر مربع، ويصل عدد سكانها إلى 2 مليون نسمة.

وخلال الصراع السوري الذي بدأ عام 2011، حرصت الحكومة السورية على إبقاء المدينة تحت سيطرتها، وذلك لأهميتها الاستراتيجية، حيث تقع وسط سوريا وعلى الطريق الدولي M-5، وتُشكل نقطة وصل بين العديد من المحافظات.

مدينة النواعير

تتميز حماة بعدد من المعالم التاريخية البارزة، أبرزها النواعير (السواقي)، التي تُعتبر رمزاً للمدينة وأشهر معالمها، وتعود أقدمها وفق التقديرات إلى القرن الـ5 الميلادي.

والنواعير هي عجلات خشبية تستخدم لرفع المياه من نهر العاصي، وتنقلها بواسطة صناديق إلى حوض علوي ومنه تجري في قنوات محمولة على قناطر لتسقي المدينة وبساتينها. وتوصف هذه النواعير بأنها من بين أعظم الإبداعات الهندسية التي شهدها التاريخ.

وخلال العام 1999، أُدرجت النواعير في القائمة المؤقتة لمواقع التراث العالمي لمنظمة "اليونسكو".

ومن بين معالم المدينة، قلعة حماة الواقعة فوق تلة على الضفة الغربية لنهر العاصي، وهذه بُنيت في حقبة السلوقيين، ثم استولى عليها الرومان، حتى العهد العهد الإسلامي، ثم سيطر عليها القرامطة والمرداسيون والسلاجقة.

وهناك أيضاً الجامع الأعلى الكبير، الذي تم بناؤه في الحقبة الأيوبية ويتميز بتصميمه المعماري التقليدي، وفي المدينة أسواق تاريخية عديدة، أبرزها "خان رستم باشا"، ويعود إلى العهد العثماني.

وفي موقع أثري على مسافة 60 كيلو متراً شمالي شرق حماة، لا تزال أطلال قصر ابن وردان الذي بناه البيزنطيون في القرن السادس الميلادي. ويتميز بتصميمه الفريد الذي يجمع بين العمارة البيزنطية والرومانية، أما اسمه فيعود إلى أحد شيوخ القبائل البدوية الذي سكن القصر في القرون اللاحقة.

وفي قلب المدينة يقع قصر العظم بجانب النواعير الشهيرة وعلى ضفاف نهر العاصي. بُني عام 1740 ليكون مقر حاكم حماة (ودمشق لاحقاً) من أسعد باشا العظم. ويعتبر من أجمل الأوابد العمرانية في العصر العثماني، ويتميز بتصميمه المعماري الفريد وزخارفه الفنية الرائعة، وتحول القصر إلى متحف ومقصد سياحي بارز.

كما تضم المدينة عدداً من الكنائس.

حضارة قديمة

تعد حماة من أقدم المدن المأهولة في العالم، يعود تاريخها المعروف إلى الألف الخامس قبل الميلاد. وكانت حماة مدينة مهمة للعديد الحضارات والممالك التي حكمتها، ويعود أصل اسمها القديم "إيماتا" إلى كلمة "حَمَثَ" في الكنعانية والآرامية وتعني الحصن.

في القرن الـ11 قبل الميلاد، أصبحت مملكة حماة تحت حكم الآراميين، ثم سقطت تحت السيطرة الآشورية بعد قرنين، وفي القرون اللاحقة خضعت للحكم الفارسي والمقدوني والسلوقي.

أطلق عليها السلوقيون اسم إبيفانيا نسبة للملك أنطيوخوس أبيفانيوس، وأثناء الحكم البيزنطي، عادت إلى اسم إيمات. وفي القرن الـ7 الميلادي فتح المسلمون حماة بقيادة الصحابي أبو عبيدة ابن الجراح عام 638.

وخلال العصور الإسلامية أصبحت حماة تحت حكم الخلفاء الراشدين، ثم الأمويين والعباسيين.

وفي العام 1108 استولى الصليبيون على المدينة، قبل أن يستعيدها المسلمون في 1115، وسيطر عليها صلاح الدين عام 1188، وسلاطين المماليك حوالي 1300، والعثمانيون أوائل القرن الـ16 إثر معركة مرج دابق، وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، أصبحت جزءاً من سوريا.

وبعد أن دمرها زلزال 1157، أعاد الزنكيون والأيوبيون بناء حماة، قبل أن يدمرها المغول عام 1258. وأعاد السلطان الظاهر بيبرس بناءها مرة أخرى، لكن فقدت المدينة أهميتها في العهد العثماني..

وعبر تاريخها، تعرضت المدينة لغزو العديد من القوى كالقرامطة والصليبيين.

وعلى مسافة 60 كيلو متر شمال غرب مدينة حماة، تقع مدينة أفاميا الأثرية، والتي تعرضت لعمليات تخريب ونهب خلال سنوات الحرب في سوريا

أحداث الثمانينات

انتفضت حماة 3 مرات ضد حكم البعث، المرة الأولى عام 1964، ثم في مطلع الثمانينات عندما دخل جناح "الطليعة" التابع لحركة "الأخوان المسلمين" في نزاع دموي مع السلطات، انتهى بدخول الجيش السوري إلى حماة عام 1982 في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.

وتُشير بعض التقارير إلى سقوط ما بين 20 إلى 40 ألف شخص خلال تلك الأحداث.

وفي مطلع يوليو 2011، خرج عشرات الآلاف بمظاهرة حاشدة مناهضة للسلطات السورية في ساحة العاصي وسط مدينة حماة. كان المشهد جديداً وغير مسبوق في البلاد، إذ لم تكن الاحتجاجات في بقية المناطق تتعدى العشرات أو المئات في أحسن حالاتها. خلال ذلك الشهر زار سفيرا فرنسا والولايات المتحدة حماة لرؤية المظاهرات ولقاء الناس، ما أثار غضب دمشق آنذاك، وأعطى انطباعاً أن ثمة اهتمام دولي بما يحدث في الشارع السوري.

في الفترات اللاحقة تراجعت حركة الاحتجاج في المدينة إلى حد كبير حتى انتهت تقريباً، وذلك تحت ضغط الرقابة والتضييق الأمني الحكومي من جهة، وعدم رغبة سكان المدينة من جهة ثانية بالانزلاق إلى صدام مسلح على غرار ما حدث في مناطق أخرى ومن بينها الجارة الجنوبية حمص، لأسباب من المحتمل أن لها علاقة بعدم رغبة الأهالي في تكرار التجارب السابق التي دفع فيها المدنيون الثمن الأكبر.

شخصيات تاريخية

على مدى قرون، حكم حماة وعاش فيها شخصيات عديدة لعبت دوراً مهماً في التاريخ الإسلامي والعربي السوري.

ولعلّ أهم شخصية ارتبط اسمها بحماة هو الملك الأيوبي والمؤرخ عماد الدين إسماعيل بن علي المكنى "أبي الفداء"، حيث حكمها من عام 1310 حتى 1331، واشتهر بتأليف عدد من الكتاب في التاريخ والجغرافيا مثل "مختصر في أخبار البشر" و"تقويم البلدان".

وخلال المنتدى الأدبي عام 1925، اعتمد لقب "أبي الفداء" تقديراً لإنجازات الملك الأيوبي وإرث حضاري، ويعد أحد أشهر ألقاب المدينة.

وفي القرن الـ12، حكم حماة الملك السلجوقي نور الدين زنكي (1118-1174)، والذي ذاع صيته كثيراً  خلال الحروب الصليبية.

وفي خمسينيات القرن الماضي، لعب الرئيس السابق أديب الشيشكلي دوراً بارزاً في تاريخ سوريا السياسي، حيث كان ضابطاً في الجيش، وشارك في عدد من الانقلابات حتى أطاح به أحدها عام 1954.

واغتيل في البرازيل عام 1964.

أما أكرم الحوراني، فهو سياسي سوري ولد عام 1912 لإحدى عائلات حماة الإقطاعية، تبنى في شبابه الفكر اليساري، وأسس الحزب الاشتراكي قبل أن يندمج مع حزب البعث في فترة لاحقة تحت اسم "حزب البعث العربي الاشتراكي". وأسهم الحوراني في دعم أبناء الأرياف وفتح الفرص أمامهم في المدن، وشغل مناصب عدة وانتخب رئيساً لمجلس النواب، وفي سنوات الوحدة السورية المصرية "الجمهورية المتحدة" كان أحد نواب الرئيس جمال عبد الناصر، قبل أن يستقيل من منصبه بعد وقت قصير.

وفي بعد انفصال سوريا عن مصر، لعب الحوراني دوراً بارزاً في الصراعات السياسية وبعد انقلاب البعث عام 1936، غادر سوريا إرث خلافات داخل أجنحة الحزب.

وفي العام 1996، توفي الحوراني في منفاه بالعاصمة الأردنية عمّان.

تصنيفات

قصص قد تهمك