أثارت أضواء ساطعة تُحلّق أو تطفو في سماء نيوجيرسي ليلاً، فضول السكان لما يقرب من شهر. والآن، انتشرت مشاهدات هذه الأضواء، التي يعتقد العديد من المراقبين أنها طائرات مُسيرة، في أنحاء المنطقة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
وقالت الصحيفة الأميركية، الأحد، إن السلطات الفيدرالية التي تحقق في هذه الظاهرة قدمت القليل من الإجابات بشأن طبيعة هذه الأجسام أو مصدرها، ما أثار قلق السكان، وإحباط قادة محليين.
وصرّح مسؤولون أميركيون، الخميس، بأنهم لم يتمكنوا من تأكيد صحة البلاغات المتعلقة برصد طائرات مُسيرة، مشيرين إلى أن العديد من هذه الأجسام ربما تكون في الواقع طائرات مأهولة، مثل الطائرات العادية أو المروحيات، وفقاً للصحيفة.
وأضافت "نيويورك تايمز"، أن تطمينات المسؤولين المحليين والفيدراليين بأن هذه المشاهدات لا تشكل تهديداً للسكان، لم تفلح في تهدئة المخاوف العامة.
كما أعرب مشرعون عن استيائهم من نقص المعلومات، وطالبوا الحكومة الفيدرالية بالكشف عن مزيد من التفاصيل بشأن تحقيقاتها.
وبحلول يوم الجمعة، انتشرت بلاغات عن مشاهدات لطائرات مُسيرة في عدة ولايات أميركية. وفي نيويورك، قالت حاكمة نيويورك، كاثي هوكول، إنها تحقق في الأمر بالتعاون مع وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية، في وقت تلقت فيه السلطات المحلية العديد من البلاغات عن طائرات يُعتقد أنها مُسيرة تحلق في الأجواء.
وأكدت الحاكمة هوكول للسكان، أنه لا يوجد ما يدعو للقلق. وقالت في بيان عبر منصات التواصل الاجتماعي: "حتى الآن، لا توجد أدلة تشير إلى أن هذه المُسيرات تشكل تهديداً للسلامة العامة أو الأمن القومي".
ولكن مساء اليوم نفسه، أدلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب برأيه، قائلاً إن الحكومة تخفي معلومات بشأن هذه المشاهدات، وأضاف أنه ينبغي إسقاطها إن لم يتم الكشف عنها.
ماذا نعرف عن هذه الأجسام؟
تُظهر صور ومقاطع فيديو للمُسيرات المزعومة، أجساماً مضيئة في سماء الليل الداكنة، بعضها يتحرك بينما يبقى الآخر ساكناً في مكانه. ويقول السكان وضباط إنفاذ القانون الذين شاهدوا هذه الأجسام، إن أنوارها تختفي أحياناً فجأة، لتتركها غارقة في الظلام، وفق "نيويورك تايمز".
وظهرت آلاف المنشورات في مجموعات على فيسبوك، وتدوينات على تطبيق "ريديت" مخصصة لرصد هذه المشاهدات. وتضم إحدى المجموعات على فيسبوك عشرات الآلاف من الأعضاء الذين يشاركون مقاطع الفيديو، ويتبادلون النظريات بشأن ما يحدث.
وذكرت "نيويورك تايمز"، أن القضية وصلت إلى البيت الأبيض، الخميس، حيث صرح منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، خلال مؤتمر صحافي، بأن المحققين الفيدراليين لم يتمكنوا من إثبات وجود أي طائرات مُسيرة غير مصرح بها فوق نيوجيرسي.
وقال كيربي: "بالعكس، بناءً على مراجعة الصور المتاحة، يبدو أن العديد من هذه المشاهدات المبلغ عنها هي في الواقع لطائرات مأهولة تعمل بشكل قانوني".
فيما قال مسؤولون بوزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، إنهم قارنوا البلاغات الواردة بشأن الظواهر مع مسارات الطيران المتعلقة بمطارات كينيدي، ولاجوارديا، ونيوارك ليبرتي، وخلصوا إلى أن العديد من الأجسام التي شوهدت كانت في الواقع طائرات تقلع أو تهبط.
وقالت نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع "البنتاجون"، سابرينا سينج، خلال مؤتمر صحافي، الأربعاء، إن الأجسام المبلغ عنها ليست طائرات مُسيرة تابعة للجيش الأميركي، وإن المسؤولين لا يعتقدون أنها "قادمة من كيان أجنبي أو عدو".
وعبّر مسؤولون محليون وسكان، عن استيائهم من قلة المعلومات، التي وفرتها السلطات الفيدرالية حتى الآن، بحسب "نيويورك تايمز".
وقال النائب الجمهوري من نيوجيرسي، كريس سميث، في بيان، الجمعة، إن موقف البيت الأبيض تجاه هذه المشاهدات كان "متجاهلاً". وأضاف: "إدارة الرئيس جو بايدن ملزمة أمام الشعب الأميركي بتحديد ما يجري وإبلاغنا فوراً".
متى بدأت المشاهدات وأين تحدث؟
بدأت المشاهدات في شمال نيوجيرسي منتصف نوفمبر الماضي، عندما رصد عمال في ترسانة "بيكاتيني" التابعة للجيش الأميركي بمقاطعة موريس، ما وصفوه بأنه "طائرة مُسيرة" تحلق قرب القاعدة.
وبعد أيام، بدأت البلاغات عن هذه المشاهدات تتدفق إلى شرطة ولاية نيوجيرسي، وفقاً لرسالة بعث بها حاكم الولاية فيليب مورفي، إلى الرئيس بايدن ونشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي، الخميس.
وفي البداية، تركزت المشاهدات في عدد قليل من المقاطعات شمال ولاية نيوجيرسي، لكنها سرعان ما امتدت إلى أنحاء الولاية، بما في ذلك المناطق الساحلية الجنوبية وضواحي فيلادلفيا.
وفي أوائل ديسمبر الجاري، بدأت بلاغات عن المشاهدات تظهر في مدينة نيويورك، بداية من الساحل الغربي لجزيرة ستاتن، ثم جنوب بروكلين قرب جسر فيرازانو ناروز. والخميس، أُبلغ عن مشاهدات في منطقة برونكس وقرب مطار لاجوارديا في كوينز.
وفي الليلة التالية، كتب عمدة مدينة نيويورك، إريك آدامز، عبر منصات التواصل الاجتماعي أنه "على علم بالمخاوف" المتعلقة بهذه المشاهدات، مؤكداً أن السلطات المحلية تحقق فيها بالتعاون مع الوكالات الفيدرالية والمحلية.
كما أبلغ سكان مناطق شمال نيويورك عن مشاهدات غامضة ليلاً. ومساء الجمعة، دفعت بلاغات عن نشاط لطائرات مُسيرة قرب مطار ستيوارت الدولي في نيو ويندسور هيئة الموانئ لنيويورك ونيوجيرسي إلى إغلاق المدارج هناك لمدة ساعة تقريباً، وفقاً للمتحدثة باسم الهيئة، لينيس فالينز.
وأوضحت فالينز، أن هذه كانت المرة الأولى التي يجري فيها إغلاق مدارج مطارات تابعة لهيئة الموانئ، بسبب نشاط لطائرات مُسيرة.
كما وردت بلاغات أخرى عن مشاهدات في كونيتيكت وبنسلفانيا وماريلاند. وقال الحاكم السابق للولاية الأخيرة، لاري هوجان، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنه شاهد "ما بدا وكأنه عشرات الطائرات المُسيرة الكبيرة في السماء" فوق منزله في ديفيدسونفيل، ماريلاند.
كيف يجري التحقيق؟
قال جون كيربي، الخميس، إن السلطات الفيدرالية، أجرت "تحليلاً شاملاً" للصور ومقاطع الفيديو، وتستخدم "تقنيات رصد إلكترونية متطورة للغاية" لتحديد ماهية هذه الأجسام.
وبدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي التحقيق في هذه الظاهرة منذ أواخر نوفمبر الماضي، ودعا مكتبه الميداني في نيوآرك بنيوجيرسي، السكان إلى الإبلاغ عن أي معلومات ذات صلة عبر خط الاتصال المخصص.
ومنذ فتح خط الاتصال في 3 ديسمبر الجاري، تلقت الوكالة نحو 5 آلاف بلاغ، وفق مسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي، والذي تحدث للصحافيين، السبت، طالباً عدم كشف هويته، لأنه لم يكن مخولاً بالتحدث علناً. وقال المسؤول إن أقل من 100 بلاغ اعتُبرت موثوقة بما يكفي لتستدعي إجراء مزيد من التحقيقات.
وليل الخميس، رافق السيناتور أندي كيم من نيوجيرسي، ضباطاً محليين كانوا يحققون في مشاهدات قرب خزان مياه "راوند فالي" في مقاطعة هنتردون. وفي سلسلة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، قال كيم إنه رأى عدة أجسام في السماء، لم تظهر على برامج تتبع الرحلات الجوية.
ومع ذلك، قال كيم، السبت، في منشورات إضافية إنه "استنتج أن معظم المشاهدات المحتملة للطائرات المُسيرة التي تم لفت انتباهه إليها كانت على الأرجح طائرات عادية".
ما الذي سيحدث؟
طالب مشرعون في نيويورك ونيوجيرسي، الحكومة الفيدرالية بتقديم مزيد من المعلومات حول الطائرات المُسيرة المزعومة.
وفي رسالته إلى الرئيس بايدن، شكر حاكم ولاية نيوجيرسي فيليب مورفي البيت الأبيض، على التحقيق في القضية، لكنه أضاف أن الأمر يتطلب موارد إضافية لفهم ما وراء هذا النشاط بشكل كامل.
واعترف كيربي خلال المؤتمر الصحافي، الخميس، بأن موجة البلاغات والقلق العام بشأن المشاهدات يبرز أهمية وجود أنظمة لكشف الطائرات المُسيرة والتصدي لها، مشدداً على ضرورة توفير هذه الأدوات لمسؤولي إنفاذ القانون على المستوى المحلي وعلى مستوى الولايات الأميركية.
وأعلن النائب الديمقراطي جوش جوتهايمر، الذي يمثل أجزاءً من شمال نيوجيرسي، الثلاثاء، اعتزامه تقديم تشريع يوسع منح التمويل الفيدرالي، لتوفير أنظمة الرادار لسلطات إنفاذ القانون المحلية.
وقال جوتهايمر في بيان: "ستُزود هذه التكنولوجيا وكالات إنفاذ القانون، التي تعد الأفضل في العالم، بالموارد التي تحتاجها لتحديد عدد الطائرات المُسيرة، وأماكن انطلاقها، ووجهتها".