لا تزال سوريا تعيش حالة من التفاؤل والسعادة، تملأ شوارع وكنائس عدة مدن، بينما يستعد المسيحيون هذا العام للاحتفال بعيد الميلاد بطريقة تختلف عن السنوات السابقة، إذ يأتي بعد مرحلة حرجة في تاريخ البلاد، وتزامناً مع لحظة فارقة في مسيرة التغيير بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
وفي أحد المقاهي في باب شرقي بالعاصمة دمشق، قال رواد قريط، وهو شاب في منتصف الثلاثينات من عمره: "هذه السنة الفرح فرحين، فرحة عيد الميلاد، وانتصار سوريا".
وأشار إلى أن "الفرحة هذا العام لم تقتصر على المسيحيين فحسب، بل شملت جميع أبناء الشعب السوري الذين عانوا طويلاً من الحروب والقمع".
وعبّر رواد عن شعوره بالارتياح، قائلاً: "كل شيء مختلف هذا العام، ليس فقط بسبب الزينة، لكن بسبب المشاعر التي يراها الجميع.. فالناس هنا يشعرون بالتفاؤل ويبحثون عن السلام، وهذا شيء لم نره منذ سنوات".
وبينما كانت ماري قريط تقف بجانب شجرة الميلاد المزينة بالأضواء في حي باب توما الدمشقي، الذي يسكنه غالبية مسيحية، تحاول التقاط صور بجانب الأضواء.
وقالت ماري مبتسمة: "هذا العام، العيد له طعم مختلف، في السنوات الماضية، كنا نحتفل لكننا دائماً نشعر بالحذر والخوف، أما اليوم، فالفرح أكبر، فنحن نحتفل بميلاد المسيح وأيضاً بفرحة التحرير التي نعيشها الآن.. لا شيء يشبه هذه اللحظة".
وتقترب منها جارتها، نتالي صباغ لتشاركها الرأي قائلة: "نعم، اليوم يمكننا أن نكون أنفسنا، يمكننا الاحتفال بحرية، هذه هي المرة الأولى منذ سنوات التي نشعر فيها بالأمان، الوضع أصبح أفضل بكثير، وهذا يجعل الاحتفال بميلاد المسيح هذا العام أكثر خصوصية".
بين التفاؤل والحذر
ورغم التفاؤل الكبير، لا تزال هناك مشاعر مختلطة، فالبعض يتحدث عن تخوفات من أن الأمور قد تتغير في المستقبل، خاصة بعد التجربة الطويلة مع النظام السابق، لكن هناك من يعتقد أن الحياة عادت بشكل أكثر طبيعية، حتى وإن كانت التحديات لم تختفِ تماماً.
"نحن نحتفل، لكن مع بعض الحذر"، كما قال سامي عبد النور، أحد سكان دمشق الذي أضاف: "الخوف لا يزال يسكننا.. الحرب جعلت منا مجتمعاً مليئاً بالندوب، ولا يمكن أن ننسى ما مررنا به في ظل النظام السابق".
في 20 ديسمبر الجاري، افتُتح سوق "الميلاد" في مدينة المعارض، الذي يعد من الفعاليات السنوية التي تحرص العاصمة السورية على تنظيمها.
ولفت السوق هذا العام الأنظار بظهور العلم الذي تعتمده إدارة العمليات العسكرية إلى جانب زينة أعياد الميلاد، مما أضفى طابعاً مختلفاً على الأجواء، وجذب حشوداً كبيرة من الزوار.
وبينما يشاهد الحرفيون العائلات تتجول بين الأجنحة، قال غدي إبراهيم، وهو صاحب محل يقدم مشروبات ساخنة: "أحياناً يبدو أن الأطفال أكثر فرحاً من البالغين، اليوم، الأمور تحت السيطرة، وأتمنى أن تبقى كذلك.. نريد لسوريا الجديدة أن تكون وطناً للجميع، من دون أي تفرقة أو تمييز بين مكونات الشعب السوري، حتى نعيش جميعاً بسلام ومساواة".
أمل جديد
وبدأت الأجواء داخل الكنائس تتغير كذلك، ففي كاتدرائية القديس مار جرجس للسريان الأرثوذكس، كان المطران أندرواس يقود صلاة الميلاد. ورغم الفرح الذي كان يعم الكنيسة، شدد المطران على "ضرورة أن نكون حذرين في هذا الوقت الحساس"، وأردف: "لا بد من توخي الحذر، لا نريد أن نعطي انطباعاً خاطئاً عن احتفالاتنا".
هذه الكلمات كانت بمثابة تحذير من المبالغة، في وقت لا يزال هناك الكثير من المخاوف التي قد يواجهها المسيحيون من حكام سوريا الجدد.
وفيما كانت الأضواء تزين الشوارع، كانت المخاوف لا تزال ترافق البعض، خاصة بعد الهجوم على كنيسة للروم الأرثوذكس في مدينة حماة في 18 ديسمبر.
الحادث شمل إطلاق النار على الكنيسة، وكذلك الحادث الذي شهدته شوارع دمشق حيث كانت أناشيد إسلامية تُسمع من مكبرات الصوت، أعاد إلى الذاكرة بعض الخوف الذي عاشه المسيحيون في سوريا خلال الفترة الماضية.
لكن التطمينات التي قدمها المسؤولون الجدد، بما في ذلك قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، كانت تسعى إلى بناء ثقة جديدة بين كافة أطياف المجتمع السوري. ورغم هذا، لم يتمكن البعض من التخلص من شكوكه.
وقال جورج جبور، وهو مدرس رياضيات يقطن في شارع بغداد بدمشق: "في الأيام الأولى بعد سقوط النظام، كنت أمشي في ساحة الأمويين بدمشق، وشاهدت مركبة تمر أمامي وعلى زجاجها الأمامي مكتوب: (لقاؤكم قريب يا عباد الصليب)".
وتابع: "في البداية، شعرت بالصدمة، لكن بعد لحظات من التفكير، قلت: يعني، في النهاية، على الأقل هناك موعد، نحن لم يكن لدينا مواعيد مع الحكومة السابقة".
وأردف ضاحكاً: "الموقف كان غريباً، لكن الأجمل أن الهيئة الجديدة تدخلت بسرعة، وأمرت بإزالة العبارة"، في إشارة إلى "هيئة تحرير الشام" التي يتزعمها الشرع.
ولا يزال العديد من الدول والمنظمات الدولية والأممية يساورها القلق بشأن كيفية تعامل السلطة الجديدة في سوريا مع الأقليات.
ويحاول رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد البشير طمأنة هذه الأطراف، قائلاً لصحيفة "كورييري دي لا سيرا" الإيطالية: "نحن ملتزمون بضمان حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن طوائفهم أو خلفياتهم".