مستقبل الغذاء.. هل تختفي الزراعة التقليدية؟

يشهد نظام إنتاج الغذاء في العالم تحولاً جذرياً، فمع تغير المناخ، وزيادة عدد السكان، والتطورات التكنولوجية، تتغير الطريقة التي نزرع بها ونستهلك الطعام.

وقد تصبح الزراعة التقليدية قديمة قريباً، حيث يعمل العلماء والمبتكرون في مجال الغذاء على تطوير حلول ثورية — مثل اللحوم المزروعة في المختبر، والزراعة العمودية، والبروتينات البديلة — لضمان الأمن الغذائي للأجيال القادمة.

ولكن هل ستختفي الزراعة التقليدية تماماً، أم ستتعايش مع هذه التقنيات الجديدة؟

مشاكل تواجه الزراعة التقليدية

على مدى آلاف السنين، كانت الزراعة حجر الأساس للحضارة البشرية، لكن الصناعة اليوم تواجه عدة تحديات رئيسية:

التغير المناخي والظواهر الجوية المتطرفة

ارتفاع درجات الحرارة العالمية والجفاف والظروف الجوية غير المتوقعة تهدد المحاصيل والماشية، كما يقلل تدهور التربة والتصحر من كمية الأراضي الصالحة للزراعة.

ندرة المياه

تستهلك الزراعة التقليدية 70٪ من موارد المياه العذبة في العالم.

وتعاني الدول في المناطق القاحلة، مثل الشرق الأوسط وأجزاء من إفريقيا، من صعوبة الحفاظ على إنتاجها الزراعي بسبب نقص المياه.

هدر الغذاء ومشاكل سلاسل الإمداد

يتم فقدان أكثر من 30٪ من إنتاج الغذاء العالمي قبل أن يصل إلى المستهلكين، إذ تؤدي طرق النقل الطويلة إلى تلف الطعام وزيادة انبعاثات الكربون.

طلب متزايد على الغذاء

بحلول عام 2050، من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة، مما يزيد من الطلب على الغذاء بنسبة 70٪، وقد لا تتمكن الزراعة التقليدية من التوسع بشكل مستدام لتلبية هذا الطلب.

اللحوم المزروعة في المختبر: هل تنهي تربية المواشي؟

أحد أكثر الابتكارات الثورية في إنتاج الغذاء هو اللحوم المستزرعة (المزروعة في المختبر)، حيث يتم إنتاج أنسجة عضلية حقيقية للحيوانات داخل المختبرات دون الحاجة إلى تربية أو ذبح الحيوانات.

كيف تعمل؟

يتم استخراج الخلايا الجذعية من بقرة أو دجاجة أو سمكة، ويتم وضع هذه الخلايا في مفاعل حيوي حيث تتكاثر وتتحول إلى أنسجة عضلية. وتؤدي النتيجة إلى لحم حقيقي دون الحاجة إلى مزارع تقليدية لتربية الماشية.

فوائد اللحوم المزروعة في المختبر

تأثير بيئي أقل: تنتج انبعاثات كربونية أقل بنسبة 90٪ مقارنة باللحوم التقليدية.

صحة أفضل: لا تحتوي على مضادات حيوية أو هرمونات، ولا خطر من الأمراض الحيوانية مثل إنفلونزا الطيور أو جنون البقر، ويلغي ذلك الحاجة إلى المزارع الصناعية والمسالخ.

تحديات تواجه اللحوم المزروعة

ارتفاع تكاليف الإنتاج (على الرغم من انخفاضها بسرعة).

قبول المستهلكين—هل سيتقبل الناس تناول لحم نشأ في مختبر؟

القوانين الحكومية المتعلقة بسلامة الأغذية وتصنيف المنتجات.

يتوقع بعض الخبراء أنه بحلول عام 2035، يمكن أن تحل اللحوم المزروعة محل ما يصل إلى 50٪ من استهلاك اللحوم التقليدية، خاصة في المناطق الحضرية.

 
الزراعة العمودية: زراعة المحاصيل في ناطحات السحاب

ما هي الزراعة العمودية؟

بدلاً من زراعة المحاصيل في الحقول المفتوحة، تستخدم المزارع العمودية طبقات مكدسة داخل منشآت داخلية عالية التقنية. تعتمد هذه المزارع على أنظمة الزراعة المائية (Hydroponic) أو الزراعة الهوائية (Aeroponic) التي تنمو فيها النباتات بدون تربة.

لماذا تعتبر تقنية ثورية؟

تستهلك 95٪ أقل من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية. ويمكنها زراعة الغذاء على مدار السنة، بغض النظر عن المناخ أو الموقع.

وتحتاج إلى مساحة أقل بكثير—مما يجعلها مثالية للمدن المزدحمة.

وتقضي على الحاجة إلى المبيدات الحشرية والمبيدات العشبية.

أين يتم استخدامها؟

أنشأت دبي واحدة من أكبر المزارع العمودية في العالم لتقليل الاعتماد على استيراد الغذاء، وحولت اليابان مستودعات قديمة إلى مزارع عمودية تنتج الخس والأعشاب على نطاق واسع.

كما تعد هولندا رائدة في الزراعة البيئية المتقدمة، وتصدر تقنياتها الزراعية إلى جميع أنحاء العالم.

وبحلول عام 2050، يمكن أن تصبح الزراعة العمودية مصدراً رئيسياً للغذاء في المدن الكبرى، مما يقلل الحاجة إلى المزارع الريفية الواسعة.

 البروتينات البديلة: مستقبل الأكل المستدام

إذا لم تسيطر اللحوم المزروعة على السوق، فماذا عن مصادر البروتين البديلة؟

البروتينات المستخرجة من الحشرات

بدأت شركات مثل Aspire Food Group في إنتاج مساحيق بروتين الحشرات لاستهلاك الإنسان والحيوانات.

بدائل اللحوم النباتية

تعتمد شركات مثل Beyond Meat وImpossible Foods على بروتين البازلاء والصويا والقمح لصنع لحوم نباتية تحاكي نكهة وقوام اللحم البقري.

واللحوم النباتية متاحة بالفعل في سلاسل الوجبات السريعة الكبرى.

البروتينات المستخرجة بالتخمير

استخدام الميكروبات لإنتاج طعام غني بالبروتين (مثل الألبان المنتجة بدون أبقار عبر التخمير الدقيق).

شركة Perfect Day تبيع بالفعل منتجات ألبان خالية من الأبقار في الأسواق.

بحلول عام 2040، قد تشكل البروتينات البديلة أكثر من 60٪ من سوق البروتين العالمي، مما يقلل بشكل كبير من الاعتماد على تربية الماشية التقليدية.

هل ستختفي الزراعة التقليدية؟

مع كل هذه الابتكارات، هل يعني ذلك أن الزراعة التقليدية ستختفي؟ على الأرجح لا، لكنها ستخضع لتحولات كبيرة.

نماذج زراعية هجينة

ستجمع المزارع المستقبلية بين الذكاء الاصطناعي والزراعة العمودية وإنتاج الغذاء في المختبر لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة.

الزراعة المتجددة

سيعتمد المزارعون بشكل متزايد على الأساليب المستدامة مثل تناوب المحاصيل واستعادة التربة.

إنتاج الغذاء محلياً

ستنتج المدن طعامها الخاص باستخدام مزارع ذكية داخلية وتقنيات الطباعة الغذائية ثلاثية الأبعاد.
 
نحن على أعتاب ثورة تكنولوجية في إنتاج الغذاء. وبينما قد لا تختفي الزراعة التقليدية بالكامل، فإن اللحوم المزروعة، والزراعة العمودية، والبروتينات البديلة ستصبح هي القاعدة الجديدة.

لكن يبقى السؤال الكبير: هل سيقبل الناس هذه الابتكارات، أم أن العوائق الثقافية والنفسية ستبطئ الانتقال إلى عالم ما بعد الزراعة التقليدية؟