الأرجنتين.. الجفاف يهدد زراعة "المتة" رغم الإنتاج القياسي

time reading iconدقائق القراءة - 6
رجل يقوم بتحضير مشروب المتة في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس- 20 يوليو 2010 - REUTERS
رجل يقوم بتحضير مشروب المتة في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس- 20 يوليو 2010 - REUTERS
بوينس آيرس-أ ف ب

تُمثل المتة مشروباً وطنياً في بلدان عدة بأميركا الجنوبية، لكن النبتة في الأرجنتين تواجه خطراً كبيراً جراء الجفاف الذي يدمّر المزروعات شمالي البلاد، وذلك رغم تسجيل معدلات قياسية في الإنتاج والاستهلاك.

والمتّة مشروب ساخن من فئة المنبهات، يعود أصله إلى أميركا الجنوبية حيث يحظى بشعبية في جزئها الجنوبي، كما ينتشر في كل من سوريا ولبنان وبعض مناطق الأردن بعد أن جلبه مهاجرون عائدون من هناك.

وفي هذه الفترة من السنة من المفترض أن تكون حقول الشجيرات الضخمة خضراء، لكنّها تظهر بنّية على مد البصر، في ظل عدد محدود لا يزال أخضر. وتتكسّر الجذوع اليابسة بسهولة بين الأصابع.

ويقول المهندس الزراعي ألبرتو مولر، أثناء المشي بين الشجيرات المزروعة في كولونيا ليبيج على بعد 940 كيلومتراً عن بوينس آيرس، في مقاطعة كورينتس التي تُمثل وميسيونس المجاورة منطقتي الإنتاج الرئيسيتين للمتّة، إن الشجيرات "احترقت كما لو أنها وُضعت في الفرن".

وعادةً ما تكون المنطقة ذات التربة الغنية بالحديد والمناخ شبه الاستوائي، والتي لا تشهد مواسم جفاف، مثالية في هذه الفترة من السنة لزرع نبتة البهشية البراجوانية المُستخدمة في إنتاج مشروب المتة التقليدي الذي يحوي مواداً مضادة للأكسدة، ويعود أصله إلى شعوب جواراني.

ولم تشهد مقاطعة كورينتس أمطاراً منذ 3 أشهر في أسوأ موجة جفاف تتعرض لها المنطقة منذ أكثر من 70 عاماً، وهو ما "فاقمته الحرارة التي وصلت إلى 45 درجة مئوية، مسجلةً بالتالي 4 أو 5 درجات فوق المعدلات الطبيعية"، بحسب مولر.

ويقول نائب رئيس تعاونية ليبيج الزراعية أورلاندو ستفاس، إن "النباتات ذبلت بالكامل، ومات 60% منها، ما يمثل خسائر بملايين الدولارات"، مضيفاً إن "الوضع يزداد سوءاً، ويمثل كارثة كبيرة".

تأثير اجتماعي

ويبلغ الحصاد في العادة خلال أبريل ويمتد على 7 أشهر تزامناً مع نضوج أوراق النبتة، لكن خلال فصل الخريف في بلدان النصف الجنوبي للكرة الأرضية، لن يكون هنالك أوراق كثيرة للحصاد.

وتشكّل ندرة النباتات كارثة اجتماعية على مستوى كولونيا ليبيج (تضم نحو 4 آلاف نسمة) التي تتباهى في العادة بمعدلات البطالة المعدومة، إذ يعمل ألف شخص في إنتاج المتة، من دون احتساب وظائف غير مباشرة يوفّرها القطاع.

ويقول أورلاندو ستفاس: "لم نقيم بعد مستوى التأثير الاجتماعي الذي يُتوقع أن يكون مروعاً"، مضيفاً "تُنجز أعمال الحصاد يدوياً بنسبة 90%، وسيكون الأشخاص المسؤولون عن هذه الأعمال جميعهم عاطلين عن العمل. لا أعرف ماذا علينا أن نفعل".

وتكمن المفارقة في أن النبتة المستخدمة في تصنيع المتة، والتي تمثل الأرجنتين ثاني أكبر منتج لها في العالم بعد البرازيل، والمصدر الرئيسي لها (خصوصاً إلى تشيلي والصين وسوريا ولبنان وإسبانيا)، حقق إنتاجها أرقاماً قياسية العام الماضي، إذ بلغت كمية الأوراق المحصودة 882 ألف طنّ، ما شكّل قفزة بنسبة 8.5% مقارنةً بعام 2020، وبنسبة 28% مقارنة بعام 2017.

وتشير أرقام صادرة عن المعهد الوطني لنبتة المتة إلى أن الطلب المحلي حقق أيضاً أرقاماً إجمالية تاريخية مسجلاً 282 ألف طن، إذ يستهلك الأرجنتينيون في المتوسط نحو 6 كيلوجرامات من العشبة سنوياً ما يعادل 100 لتر من مشروب المتة، الذي تستهلكه 90% من الأسر.

تأثير يطال الأسعار

وأثارت جائحة كورونا مخاوف من تسجيل انخفاض في الاستهلاك، ودفعت الإجراءات الصحية الناس للتوقف عن التحضير المشترك للمشروب "الاجتماعي"، لكن في النهاية قد يكون كلّ واحد منهم استهلك كميات أكبر لكن بشكل منفرد.

ويأمل ستفاس أن "تخفف" المكاسب المحققة عام 2021 "التدهور" المؤكد تسجيله في القطاع. وتشير التقديرات الأولية إلى أن الخسائر ستمثل نحو 4 مليارات بيزو (36 مليون دولار)، فضلاً عن صعوبات ستواجهها زراعة النبتة من جديد، لأن الجفاف يحدث أضراراً بمخزون البذور كذلك. ولكي تثمر الشجيرة بشكل كامل يحتاج الأمر إلى حوالى 6 إلى 8 سنوات.

ويتوقع ستفاس "انخفاضاً بنسبة 30% من إجمالي إنتاج النبتة، ما يمثل نسبة كبيرة ستتأثر من جرائه الأسعار". ويُباع الكيلوجرام الواحد من النبتة بنحو 550 بيزو أو 5 دولارات.

ورغم ذلك لن يتأثر المستهلكون بكميات المحاصيل المنخفضة المسجلة حالياً قبل عام 2023، إذ يستغرق إنتاج المتة 10 أشهر يتخللها حصاد وتجفيف وتحميص وتعبئة.

لكن بعض الأشخاص يفكرون مسبقاً بتأثير انخفاض المحاصيل على الأسعار، إذ يمثل ارتفاع سعر المتة إضافة إلى التضخم المتسارع مشكلة كبيرة جداً.

ويقول أوغستان ليتوين وهو طالب يبلغ 20 عاماً يعيش في بوينس آيرس، إنه "إذا لزم الأمر سأخزن 10 كيلوجرامات!"، معبّراً عن قلقه من نقص قد يطال النبتة التي تمثّل "مشروباً يومياً" له يحتسيه "خلال الفطور وعند تناول الوجبات الخفيفة، وبعد العشاء أثناء مشاهدة أحد المسلسلات".

ويقول "إنّ تمضية يوم من دون شرب المتة أمر مستحيل!".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات