"تلجرام" ملجأ الروس للإفلات من الرقابة بعد غزو أوكرانيا

time reading iconدقائق القراءة - 9
شعار تطبيق "تلجرام" على هاتف ذكي في نيويورك - 5 أكتوبر 2021 - Bloomberg
شعار تطبيق "تلجرام" على هاتف ذكي في نيويورك - 5 أكتوبر 2021 - Bloomberg
دبي- الشرق

بات تطبيق "تلجرام" المنصة المفضلة للروس، بعدما غزت بلادهم أوكرانيا، سعياً إلى الإفلات من الرقابة المفروضة في مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".

قبل غزو أوكرانيا، استخدمت الصحافية الروسية فريدة روستاموفا "تلجرام" من أجل مراسلة الأصدقاء. ولكن بعدما أغلقت السلطات وسائل إعلام لم تلتزم بسياساتها، بما في ذلك منشورات كتبتها، بدأت بنشر مقالاتها على التطبيق، والتي استقطبت أكثر من 22 ألف مشترك، علماً أنها تطرّقت إلى توحّد النخب الروسية حول الرئيس فلاديمير بوتين، وردّ فعل موظفي وسائل الإعلام المملوكة للدولة، على احتجاج بُثّ على الهواء. وقالت عبر "تلجرام": "هذه واحدة من القنوات القليلة المتبقية، حيث يمكنك تلقي معلومات".

وبات "تلجرام" أبرز منفذ متبقٍ للمعلومات غير المقيّدة، بعدما أوقفت روسيا وسائل الإعلام الإخبارية المستقلة وحظّرت مواقع للتواصل الاجتماعي، مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"إنستجرام". ومنذ اندلاع الحرب، كان التطبيق الأكثر تنزيلاً في روسيا، مسجّلاً نحو 4.4 مليون مرة، بحسب شركة "سنسور تاور" Sensor Tower للتحليلات، التي أفادت بتنزيل "تلجرام" 124 مليون مرة في روسيا، منذ يناير 2014.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن إيليا شيبلين، الذي اعتاد تغطية شؤون وسائل الإعلام لقناة "رين" Rain التلفزيونية المستقلة، المغلقة الآن، وأنشأ مدوّنة تنتقد الحرب، قوله: "تلجرام هو المكان الوحيد في روسيا حيث يمكن للناس تبادل الآراء والمعلومات بحرية، رغم أن الكرملين جهِد لاختراق قنواته".

منفذ للأخبار

بعد إغلاق إذاعة "صدى موسكو" المستقلة في مارس، قالت نائبة رئيس التحرير في الإذاعة، تاتيانا فيلجنجاور، إن جمهورها تضاعف على "تلجرام". وبعدما منعت السلطات الروسية الوصول إلى الموقع الإخباري الروسي المعروف "ميدوزا" Meduza، في الشهر ذاته، تضاعفت الاشتراكات في قناته على التطبيق، لتبلغ نحو 1.2 مليون.

وقال ديمتري إيفانوف، الذي يدرس علوم الكمبيوتر في جامعة بموسكو: "أطّلع على الأخبار" من خلال التطبيق. وأشار إلى أنه اعتمد على "تلجرام" لمشاهدة "وسائل الإعلام ذاتها التي أثق بها، وتلك التي كنت أقرأ مواقعها الإلكترونية سابقاً".

يستخدم معارضو الحرب هذه المنصة لكل شيء، من تنظيم احتجاجات مناهضة للغزو إلى تبادل تقارير إعلامية غربية. وفي مارس، أطلقت "نيويورك تايمز" قناتها الخاصة على "تلجرام"، كي تضمن استمرار القراء بالمنطقة "في الوصول إلى حسابا".

"حرب لكسب عقول الناس"

ولدى فلاديمير سولوفيوف، وهو مقدّم برنامج حواري في وقت الذروة مساءً، يوجّه انتقادات لاذعة لأوكرانيا، أكثر من مليون مشترك في "تلجرام". كذلك انتشرت قنوات داعمة للغزو، يدير كثير منها مستخدمون مجهولون.

وتوزّع وسائل إعلام رسمية، مثل وكالتَي "تاس" و"ريا نيوز" للأنباء، تقاريرها عبر التطبيق، الذي يستخدمه أيضاً منتقدون يمينيون لبوتين، ومتشددون يحضّون الكرملين على انتهاج سياسة أكثر تصلّباً، بحسب "نيويورك تايمز".

المحلّل العسكري يوري بودولياكا، الذي يميل إلى تبنّي موقف الحكومة عندما يظهر على القناة الروسية الأولى، المملوكة للدولة، يتخذ نهجاً مختلفاً بشكل ملحوظ، في تسجيلات مصوّرة يبثّها على "تلجرام"، حيث لديه أكثر من 1.6 مليون متابع.

وأشار إلى أن حلفاء لروسيا في جنوب شرقي أوكرانيا، لا يحصلون على معدات كافية، مضيفاً أن الحكومة الروسية بطيئة جداً في تشكيل إدارات احتلال في المدن التي سيطرت عليها. كما أن لاجئين من أوكرانيا يطالبون عبثاً بتلقّي نحو 120 دولاراً، وعد بها بوتين. وتابع بودولياكا، في تسجل مصوّر بُثّ السبت: "هذه ليست مجرد حرب تحدث على الخطوط الأمامية، إنها حرب (لكسب) عقول الناس".

وصف غزو أوكرانيا بحرب

اجتذب إيغور ستريلكوف، وهو جندي روسي سابق ووزير دفاع سابق لما يُسمّى "جمهورية دونيتسك الشعبية"، أكثر من 250 ألف متابع لقناته على "تلجرام"، من خلال تحليل المشكلات المتعلّقة بكيفية خوض الحرب. وقال في تسجيل مصوّر بُثّ الأسبوع الماضي: "أشكّ بأن قواتنا ستنجح في محاصرة القوة الأوكرانية وتدميرها في دونباس، بعد خسارة الشهر الأول الذهبي للحرب. لسوء الحظ، أرى أن القيادة العسكرية الأوكرانية تتصرّف بشكل أكثر كفاءة من تلك الروسية".

وتتكرّر كلمة "حرب" على التطبيق، علماً أنها محظورة قانوناً في روسيا، في ما يتعلّق بغزو أوكرانيا.

أما زعيم الشيشان، رمضان قديروف، فبات لديه حوالى مليونَي متابع على "تلجرام"، مقارنة بنحو 300 ألف قبل الحرب. ويبثّ تسجيلات مصوّرة متكرّرة لقواته، وهي تفرض حصاراً على مدينة ماريوبل الأوكرانية، ويعرض غالباً أساليب عسكرية مشكوكاً بها، مثل الوقوف بشكل كامل في نافذة مفتوحة، أثناء إطلاقه النار من مدفع رشاش على عدوّ غير مرئي، وفق "نيويورك تايمز".

"تلجرام" والسلطات الروسية

ولكن لماذا لا يحظر الكرملين التطبيق؟ أشارت الصحيفة إلى أنه فعل ذلك، أو حاول، في عام 2018، بعدما تحدّت الشركة أوامر أصدرتها الحكومة، كي تسمح لأجهزة الأمن الروسية بالوصول إلى بيانات المستخدمين.

لكن الحكومة افتقرت إلى الوسائل التقنية لمنع الوصول إلى التطبيق، وبقي متاحاً غالباً للمستخدمين الروس. وفي عام 2020، رفعت الحكومة الحظر، مشيرة إلى أن "تلجرام" وافق على شروط، بما في ذلك تكثيف جهود لمنع الإرهاب والمحتوى المتطرف.

وأشار إيليا شيبلين إلى أن الكرملين يحاول السيطرة على السردية المنشورة على التطبيق، بدلاً من تقييده.

ورجّح المحامي بافيل تشيكوف، رئيس مجموعة "أغورا لحقوق الإنسان"، الذي مثّل "تلجرام" في روسيا، أن تكون الشركة حافظت على عملياتها في البلاد حتى الآن، لأن السلطات تجد أنه من المفيد إشاعة فكرة أن لديها علاقات معيّنة مع التطبيق، ومؤسّسه الروسي بافل دوروف، "سواء كان ذلك صحيحاً أم لا".

واستبعد أن يزوّد "تلجرام" الحكومة الروسية، أو أطرافاً أخرى، أيّ معلومات حسّاسة بشأن الاتصالات، لأن "الناس في كل أنحاء العالم سيتوقفون عن استخدامه"، إذا فعل ذلك.

حماية خصوصية المستخدمين

لكن باحثين أمنيين نبّهوا إلى مدى انكشاف مستخدمي التطبيق، إذ أن الرسائل والتسجيلات المصوّرة والملاحظات الصوتية والصور التي يتم تبادلها من خلاله، تفتقر إلى تشفير افتراضي تام بين طرفَي التواصل، كما تُخزّن على خوادم الشركة.

وقال ماثيو جرين، وهو خبير في تقنيات الخصوصية وأستاذ مساعد في جامعة جونز هوبكنز، إن ذلك يعرّض المستخدمين للقرصنة أو لمطالب حكومية أو لتطفّل من موظف مارق. وأضاف: "إن خدمة كهذه تشكّل هدفاً مثيراً جداً بالنسبة إلى أجهزة الاستخبارات، سواء تلك الروسية أو غيرها"، علماً أن "تلجرام" يؤكد أن البيانات المخزّنة على خوادمه مشفرة، وأن حماية خصوصية المستخدم تشكّل أولوية قصوى بالنسبة إليه.

يدير دوروف التطبيق الآن من دبي، بعدما أسّسه مع شقيقه، نيكولاي، في عام 2013. وفي العام ذاته غادر روسيا، بعد رفضه تزويد الحكومة بالبيانات الخاصة بمحتجين مناهضين لموسكو في أوكرانيا، وفق "نيويورك تايمز".

في مطلع مارس، ذكّر دوروف متابعيه على "تلجرام" بسبب مغادرته روسيا، مشيراً إلى أن لوالدته جذوراً أوكرانية، وأن لديه العديد من الأقارب في أوكرانيا، ممّا يسبغ على الحرب طابعاً "شخصياً" بالنسبة إليه.

بعد اندلاع الحرب، قال دوروف إن التطبيق سيبحث في تجميد كل خدماته في روسيا وأوكرانيا، لتجنّب تدفق المعلومات غير المُتحقَق منها. لكنه تراجع عن خطته في غضون ساعات، بعدما أثارت رفضاً من مستخدمي التطبيق.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات