انقسام في إدارة بايدن بشأن مواجهة أزمة الغذاء الناجمة عن حرب أوكرانيا

time reading iconدقائق القراءة - 9
بذور في صوامع حبوب دُمّرت جراء القصف الروسي المتكرر على منطقة دونيتسك شرقي أوكرانيا - 31 مايو 2022  - REUTERS
بذور في صوامع حبوب دُمّرت جراء القصف الروسي المتكرر على منطقة دونيتسك شرقي أوكرانيا - 31 مايو 2022 - REUTERS
دبي -الشرق

في مواجهة ضيق الوقت وقلة الخيارات، تعاني إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن انقسامات حادة بشأن كيفية التعامل مع أزمة غذاء عالمية وشيكة ناشئة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، بحسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وأشارت الصحيفة الأميركية في تقرير لها إلى أن الخلاف بين مسؤولي الإدارة يدور حول مقترح تقديم حافز لبيلاروسيا بإعفائها لمدة 6 أشهر من العقوبات المفروضة على صناعة الأسمدة البوتاسية، على أمل حمل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو على السماح باستخدام ممر للسكك الحديدية في بلاده لنقل الحبوب الأوكرانية.

وقال مسؤولون أميركيون مشاركون في النقاش للصحيفة إن المسؤولين في وزارة الخارجية يرفضون فكرة رفع العقوبات، ويعتقدون أنها تفتقر إلى أي إمكانية حقيقية للنجاح، وهو ما يُعزى جزئياً إلى أنه من المستبعد أن يقبل لوكاشينكو هذه الصفقة نظراً لعلاقاته الوثيقة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. ويعتقد المسؤولون في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض أنه على الرغم من تعقيد الفكرة، فإنها تأتي ضمن البدائل العملية التي يجب بحثها.

أشار المسؤولون إلى أنه "لم تُقدّم أي مقترحات رسمية حتى الآن، إذ يواصل صانعو القرار الأميركي بحث خياراتهم".

ووفقاً للصحيفة، يُسلّط النقاش حول بدائل إخراج مخزونات الحبوب لهذا العام من أوكرانيا الضوء على المعضلة التي تواجه صانعي السياسات في واشنطن وغيرها من عواصم العالم. 

وأوضح المسؤولون للصحيفة أن "المشكلة تكمن في مساعدة أوكرانيا على إخراج حبوبها من البلاد، مع إقناع الآخرين بعدم شراء الحبوب التي يُزعم أن روسيا قامت بسرقتها". 

ترحيب أممي ورفض أوكراني

يتضمن المقترح الذي لاقى دعماً من الأمم المتحدة ودبلوماسيين آخرين توصيل كميات كبيرة من الحبوب الأوكرانية إلى السوق، من دون المرور عبر البحر الأسود، عن طريق إرسالها شمالاً بالسكك الحديدية مباشرة عبر بيلاروسيا المجاورة، ومنها إلى مدينة كلايبيدا الساحلية في ليتوانيا الواقعة على بحر البلطيق.

وبالنظر إلى أن أوكرانيا وبيلاروسيا وليتوانيا لديها  خطوط السكك الحديدية نفسها الممتدة والواسعة، فإن هذا يجنّب الحبوب التأخيرات الطويلة التي تواجهها عند شحنها عبر بولندا.

وسيجري تخفيف العقوبات الغربية المفروضة على بيلاروسيا، لا سيما تلك المفروضة على صناعة الأسمدة البوتاسية، مقابل إخلاء هذا الطريق لشحنات الحبوب الأوكرانية.
 
مع ذلك، استبعد مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية أن تقوم بلاده بتخفيف العقوبات المفروضة على بيلاروسيا بسبب اعتراضات أوكرانيا والمؤشرات المتزايدة على أن الرئيس البيلاروسي لا يعمل بشكل مستقل عن موسكو.

وكان الرئيس البيلاروسي سمح لروسيا باستخدام أراضيه كنقطة انطلاق لغزو أوكرانيا.

من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن كييف تعارض بقوة تقديم الغرب أي تنازلات للرئيس البيلاروسي، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على المحادثة للصحيفة.

بينما قال أشخاص آخرون مطلعون أيضاً على هذه المحادثة إن جونسون وافق على أنه يجب ألا تُرفع العقوبات في مقابل سماح بيلاروسيا بمرور الحبوب عبر أراضيها.

واشنطن: نبحث عدة خيارات

ورداً على أسئلة بشأن هذه المسألة، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي: "إننا نبحث الخيارات المطروحة مع المجتمع الدولي لإعادة تصدير الحبوب الأوكرانية، والتخفيف من حدة الآثار المروعة للعدوان الروسي على الأمن الغذائي العالمي". 

وأضاف أن "روسيا دمّرت الطرق والسكك الحديدية ومحطات السكك الحديدية في أوكرانيا، والتي تسهل نقل الحبوب عن طريق البر". 

وحث روسيا على السماح بإقامة ممر آمن للسفن التجارية من وإلى موانئ أوكرانيا الواقعة على البحر الأسود "الذي يحظرونه في الوقت الحالي"، حتى يتسنى توصيل إمدادات الغذاء الحيوية إلى الدول في جميع انحاء العالم.

في الوقت نفسه، يسعى المسؤولون الأميركيون لإيجاد حلول لمواجهة أزمة تزايد المخزونات الأوكرانية من الحبوب بعد أن امتلأت الصوامع، وباتت بحاجة إلى تفريغها استعداداً لاستقبال الحصاد الحالي.

واتهمت كييف روسيا بالاستيلاء على حبوبها بعد الغزو مباشرة في 24 فبراير الماضي، وهو ما أيدته الخارجية الأميركية التي أرسلت برقيات إلى عدة حكومات في الأسابيع الأخيرة تحثها فيها على عدم قبول الحبوب الأوكرانية التي يُزعم أنها تعرّضت للنهب من قِبل روسيا. 

وشملت قائمة الدول التي تلقت التحذير الأميركي كلاً من تركيا، مصر، ليبيا، باكستان، الهند، إريتريا وإثيوبيا، وفقاً لما قاله دبلوماسي أوروبي للصحيفة.

وساطة تركية

الاثنين، ناقشت تركيا وروسيا إبرام اتفاق مبدئي حول إعادة شحن المنتجات الزراعية الأوكرانية من أحد الموانئ على البحر الأسود، في خطوة أثارت شكوك حكومتي كييف وواشنطن لأن كييف لم تكن طرفاً في هذا الاتفاق.

ورداً على ذلك، طالبت الخارجية الأوكرانية بضمانات أمنية لمعاودة الشحن من الموانئ الأوكرانية، كما طلبت إمداد البلاد بالأسلحة المطلوبة لحماية سواحلها، وتسيير دوريات في هذا الجزء من البحر الأسود. 

وقالت الخارجية الأوكرانية في بيان: "نقدّر جهود تركيا لرفع الحظر عن الموانئ الأوكرانية، ولكننا سنرفض أي اتفاقات لا تأخذ في الاعتبار المصالح الأوكرانية".

في المقابل، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية للصحافيين، الثلاثاء: "لا توجد أي اتفاقيات لإخراج الحبوب عبر البحر الأسود"، وكرر طلب الكرملين بأن "تقوم أوكرانيا أولاً بإزالة الألغام من ميناء أوديسا".

وأكد أنه "ليس هناك اتفاقيات نهائية أخرى في هذه المرحلة"، مشيراً أن ذلك يتعارض بشكل مباشر مع "التصريحات التي يدلي بها ممثلو أوكرانيا والتي تنم عن عدم ثقة".

التقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف نظيره التركي، الأربعاء، وبحثا المفاوضات التي توسطت فيها الأمم المتحدة لإزالة الألغام من مناطق الموانئ الأوكرانية، وشحن الحبوب من ميناء أوديسا.

وفي جهد موازٍ، شجعت الأمم المتحدة ومسؤولون غربيون روسيا على تصدير المزيد من حبوبها وأسمدتها عبر الموانئ الواقعة على البحر الأسود. 

اتهامات متبادلة

من جانبها، حمّلت موسكو العقوبات الغربية مسؤولية مشكلات أسعار وإمدادات المواد الغذائية، لكن وفداً من المسؤولين الأميركيين التقى ممثلين عن حكومات أجنبية وأخبرهم بأن الدول المشاركة في تصدير السلع الغذائية والأسمدة الروسية لن تواجه عقوبات، وفقاً لما قاله مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية للصحيفة. 

الاثنين، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمام لجنة الأمن الغذائي إن "الرئيس بوتين يمنع شحن المواد الغذائية، ويستخدم ماكينته الدعائية على نحو عدائي للتنصل من مسؤولياته ولتشويه الحقائق، أملاً في أن يستسلم له العالم وتسقط عنه العقوبات"، ووصف الأمر بأنه "ببساطة شديدة، ابتزاز".

عند بدء الغزو الروسي، كان هناك نحو 20 مليون طن متري من الحبوب والبذور العالقة في الأراضي الأوكرانية التي اجتاحتها روسيا، أو المعزولة عن الطرق العادية المؤدية إلى البحر الأسود. 

وفقاً لتاراس فيسوتسكي، النائب الأول لوزير السياسات الزراعية والغذاء الأوكراني، فقد استولت روسيا على 400 ألف طن متري منها. 

واتهمت حكومة كييف روسيا بأنها "تتعمد إلحاق الضرر" بقطاع الزراعة الأوكراني، المسؤول عن جزء كبير من الناتج الإجمالي المحلي للبلاد. 

وقال المزارعون في الأجزاء الشمالية من أوكرانيا التي انسحبت منها القوات الروسية إن هذه القوات لغّمت أراضيهم، ودمّرت مبانيهم، واستولت على معداتهم مثل الجرارات والشاحنات.

"سوق موازية"

وفي السياق، قال وسطاء تجاريون ومُلّاك سفن إن موسكو تريد "مأسسة التجارة غير القانونية" عن طريق طرح أسعار أقل من السوق للعملاء الدائمين، ومحاولة إنشاء قاعدة عملاء جديدة بشروط جذابة.

بدوره، قال رئيس العمليات في شركة شحن يونانية تدير أكثر من 40 ناقلة، لـ"وول ستريت جورنال"، إن "الروس يعرضون حوافز ضخمة على مالكي ناقلات البضائع السائبة الجافة (مواد يمكن نقلها من المصنع نفسه أو المنجم أو الحقل أو موقع المنشأ) لأخذ شحنات الحبوب والمعادن من سيفاستوبول، ونوفوروسيسك، وسانت بطرسبرج". 

وأشار إلى أن شركته تلقت عدداً من المكالمات الهاتفية والرسائل من عملاء قدامى في مصر ولبنان وليبيا للسؤال عن إمكانية حمل السفن مثل هذه الشحنات "بأسعار يومية يسيل لها اللعاب". 

ولكنه أكد: "إننا لا نفعل ذلك لأنك إذا طلبت تغطية التأمين على أقساط الحرب، فقد تدرجك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضمن قوائمهما السوداء. وعلاوة على ذلك، فإن البحر السود مليء بالألغام".

ومن المرجح أن تواجه أسواق الغذاء العالمية عجزاً شديداً هذا العام بسبب الصراع الذي أدى إلى احتجاز كميات هائلة من الحبوب المخصصة للتصدير داخل أوكرانيا و"نهبها" من قبل روسيا، بحسب الصحيفة.

توفر روسيا وأوكرانيا وحدهما ما يقرب من ثُلث ما يحتاجه العالم من القمح، وربع احتياجاته من الشعير، وثلاثة أرباع احتياجاته من زيت عبّاد الشمس، وفقاً للمعهد الدولي لأبحاث السياسات الغذائية. وتتوقع الحكومة الأوكرانية ألا تتجاوز صادراتها من محصول هذا العام النصف.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات