
تتجه الجزائر إلى بدء تعليم اللغة الإنجليزية في المراحل الابتدائية بدءاً من العام الدراسي المقبل، وذلك بعد أن أقر الرئيس عبد المجيد تبون في يونيو الماضي، اعتماد اللغة الأكثر انتشاراً على مستوى العالم، في النظام التعليمي الجزائري.
وبحسب ما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية "واج" آنذاك، قال تبون إن القرار جاء بعد دراسة للخبراء والمختصين، وكانت الجزائر وقعت اتفاقية مع بريطانيا في أكتوبر 2021، تنص في أحد بنودها على التبادل الثقافي بين جامعات البلدين، بما في ذلك تعزيز اللغة الإنجليزية.
وتعمل وزارة التربية في البلاد على إعداد برنامج تعليمي لتدريس اللغة الإنجليزية. وأثارت الخطوة اهتمام القطاعات التربوية والسياسية في الجزائر، كما طرحت تساؤلات عن دلالاتها وأهميتها، خصوصاً أن تدريس الإنجليزية كلغة ثانية بعد العربية، بدلاً من الفرنسية كان مطلباً سياسياً، في فترة الحراك الشعبي الذي دفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الاستقالة.
إنهاء الهيمنة الفرنسية
ويستند قرار تدريس اللغة الإنجليزية وفق منظور أوساط سياسية وشعبية جزائرية، على فكرة إنهاء الهيمنة الفرنسية، إذ أنها لغة البلد الذي استعمر الجزائر 132 عاماً، وكانت مسيطرة على المناهج التعليمية والوثائق الإدارية وخطابات المسؤولين لفترة طويلة.
وترى تلك الأوساط أن الخطوة الجديدة تسهم في تقليص ما يصفونه بـ"التبعية الثقافية لفرنسا"، وسبق وأُثير الأمر ذاته في تسعينات القرن الماضي، لكن جهود وزارة التربية حينها لم تنجح.
وفي المنظومة التربوية الحالية في الجزائر، يبدأ تعليم الإنجليزية في المرحلة الإعدادية وبدءاً من الموسم الدراسي المقبل، ستصبح الانجليزية ثاني لغة أجنبية تدرس في المدارس الجزائرية إلى جانب الفرنسية تنفيذاً للقرار الجديد.
وفي حديث لـ"الشرق"، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر علي ربيج، إن القرار جاء متأخراً بسبب الحسابات والاعتبارات الأيديولوجية للأنظمة الجزائرية السابقة، والتي كانت تُعطي الأولوية للّغة الفرنسية.
وفي شرحه لسياق اعتماد القرار في المدارس الابتدائية، أضاف ربيج، وهو نائب برلماني عن حزب "جبهة التحرير"، أن "السلطة الجديدة في الجزائر ترى أن تدريس الإنجليزية في مراحل التعليم الأساسية هو استجابة لحاجة علمية ومعرفية".
أهداف علمية وتنموية
من جهته، يرى رئيس لجنة التربية في مجلس النواب الجزائري الصالح جغلول، أن تعميم تدريس الإنجليزية في المرحلة الابتدائية الموسم الدراسي المقبل، يأتي بهدف الانفتاح على اللغات الأجنبية لمسايرة التطور العلمي العالمي.
وأضاف لـ"الشرق"، أن "الإنجليزية هي اللغة الأولى في البحث العلمي بمختلف التخصصات في هذا العصر، على عكس الفرنسية، التي أصبحت محدودة في كثير من العلوم بشهادة المختصين".
وكشف استطلاع سابق أجرته وزارة التعليم العالي بالجزائر عام 2019 بشأن تعزيز استخدام الإنجليزية في الجامعات الجزائرية، تأييد أكثر من 93.6% من المصوتين (عدد الأشخاص 94 ألفاً و741 صوتاً) لاعتماد الإنجليزية على جميع المستويات الدراسية في البلاد.
بدوره، اعتبر القيادي في حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" ورئيس لجنة التربية بالبرلمان الجزائري سابقاً، العربي صافي، أن "القرار جاء استجابةً لمطالب جماهيرية وسياسية واسعة وملحوظة ومتصاعدة، وفي سياق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة تعيشها البلاد، وتمس أيضاً قطاع التعليم وما يرتبط به، باعتباره أساساً لعملية التطور والتنمية المنشودة".
ويعتقد العربي، وفق ما ذكر لـ"الشرق"، أن "هناك وعياً لدى صناع القرار في الجزائر بأهمية تطوير مستوى إتقان الإنجليزية في البلاد، لتفعيل جهود الإصلاحات والتحديات الاقتصادية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتسريع وتيرة النمو، تماشياً مع عولمة الاقتصاد التي تحتكم إلى الإنجليزية لغةً للتواصل في معظم المعاملات المالية والمصرفية والتجارية بين الدول".
مخاوف تربوية
ومن الجانب التربوي، أثارت خطوة اعتماد تدريس الإنجليزية في المدارس الابتدائية بدءاً من العام الدراسي المقبل بعض المخاوف.
وقالت نائبة رئيس الجمعية الجزائرية فتيحة باشا: "نرحب بتدريس الإنجليزية في المدارس الابتدائية، لكننا نتخوّف من إمكانية تجسيده (تحقيق الأمر)، خصوصاً أننا على بعد شهر واحد من بداية العام الدراسي في سبتمبر".
وأوضحت باشا في حديثها لـ"الشرق"، أن تدريس الإنجليزية يحتاج إلى توفر عدد من الشروط، أهمها إعداد منهج دراسي محكم، وتأهيل المدرسين على أسس علمية متخصصة بأصول وأساليب التعليم، خصوصاً بشأن كيفية التعامل مع التلاميذ في الفئات العمرية الصغيرة، للحصول على النتائج التعليمية الإيجابية المرجوة".
بدوره أشار القيادي في المجلس الجزائري المستقل، مسعود بوديبة، إلى أن إعادة هيكلة منظومة اللغات في المؤسسات التربوية الجزائرية بإدراج الإنجليزية كلغة أجنبية ثانية في الطور الابتدائي، يجب أن يكون في إطار الاستجابة لمطالب إصلاحات هيكيلية في المنظومة، التي تشهد إشكالات تتعلق بكثافة المواد الدراسية، والتي أدت إلى انعكاسات سلبية على المستوى التعليمي للتلاميذ.
ترتيبات لوجستية
في المقابل، قال رئيس التربية والتعليم بمجلس النواب الجزائري الصالح جغلول إن وزارة التربية فتحت باب التوظيف للمعلمين المختصين في هذه المادة من خريجي الجامعات الجزائرية بصيغة تعاقدية إلى حين الترتيب لفتح مناصب شغل دائمة.
كما كشفت وزارة التربية الجزائرية بداية أغسطس الجاري أنها تعمل على إعداد المناهج والكتب المدرسية لتعليم الإنجليزية، إضافة إلى تطوير وتكوين المعلمين.
وجاء في بيان وزارة التربية الجزائرية أن هذا "المسعى الاستراتيجي يُعدّ مكسباً كبيراً للنظام التربوي في مرحلة التعليم الابتدائي، كما أن تدريس هذه المادة سيُسند إلى أهل الاختصاص، الذين سيستفيدون من عمليات تكوينية مركزة".
اقرأ أيضاً: