
لم يكن يوماً عادياً على فادي بطرس، ذلك أن الموت كان على بعد خطوات من أسرته. نجا بزوجته وطفليه، لكنه فقد 8 من أقاربه، في مشهد من الصعب أن تمحيه الذاكرة.. بطرس، الذي نجا من حريق كنيسة أبو سيفين في منطقة إمبابة بمحافظة الجيزة في مصر، الأحد، والذي أسفر عن وفاة 41 شخصاً، تحدث لـ"الشرق" عن هول المأساة التي واجهها.
أول من تتبع مصدر الحريق
ساعات مؤلمة قضاها فادي، وهو يسعى لإنقاذ المصلين من ناحية والاطمئنان على زوجته من ناحية أخرى، إذ كان أول من تحرك لتفقد مكان الحريق بحسب قوله، بعد أن طلب منه كاهن الكنيسة، الذي توفي في الحادث، أن يتتبع مصدر دخان النيران، ليجد أن غرفة المولد الكهربائي بأكملها قد اشتعلت، بعد حدوث ماس كهربائي زاد من صعوبة إخماد الحريق.
وروى فادي لـ"الشرق" تفاصيل الساعات الأولى للحريق، مؤكداً أن جهود الإطفاء الداخلية لم تنجح في السيطرة على النيران، التي امتدت إلى بقية مبنى الكنيسة، إلى أن بدأ جيران الكنيسة في التوجه ومحاولة الدخول لإنقاذ المصلين، لتصل بعدها سيارات الحماية المدنية.
وأضاف فادي: "كنا نبحث بين المصليين وهم على الأرض لنميز الحي من الميت، حتى وصلت إلى مكان الهيكل، وهو المكان الذي يتواجد به الكاهن، لأجده ميتاً بفعل دخان النيران"، مشيراً إلى أن كل الضحايا وفقاً لرؤيته لقوا حتفهم بفعل الاختناق من الدخان، لافتاً إلى عدم وجود سلم طوارئ في الكنيسة، وبالتالي كان من الصعب إجلاء المصلين، خاصة بعد اشتعال أجهزة التكييف والأخشاب الموجودة في المبنى.
وبنبرة حزينة تختلط بمشاعر الصدمة، قال فادي إنه فقد ابنة عمه، وكشف أن العم زكريا الذي تولى تربيته كان صديقاً مقرباً من جده، فضلاً عن أقارب والدته، ليصل إجمالي من فقدهم في الحريق 8 أفراد من العائلة، يمثلون بحسب قوله نصف عائلته التي كانت حاضرة في قداس الأحد.
فصل آخر من الوجع
أما إيمان نادر، العشرينية، وزوجة فادي، فلم تتوقف دموعها، ليس بسبب الألم الجسدي جراء إصابتها في ذراعها، وإنما لأنها كانت هي الأخرى على موعد مع فصل آخر من الألم. إذ صارعت بين دخان النيران المتصاعد منأرجاء الكنيسة كافة من ناحية، وحاولت إنقاذ طفليها، أحدهما رضيع لم يتجاوز عمره عاماً واحداً من ناحية أخرى، حتى لجأت إلى خيار بدا لها صعباً وغير مألوف، بيد أنه على الأقل كان بمثابة طوق النجاة الوحيدة لإنقاذ طفليها.
وقالت إيمان لـ"الشرق": "وقفت بالقرب من النافذة حتى يستنشق طفلي هواء نظيفاً بعيداً عن دخان النيران، وإن كان هذا حلاً مؤقتاً، فتأثير الدخان كان سريعاً وأصابني أنا وأطفالي، وبدأت في الصراخ حتى تمكن بعض الشباب من الوصول إلى سطح الكنيسة، وبما أنني كنت في الطابق الأخير، بدأت في إرسال أطفالي تباعاً من خلال النافذة ليقوم المتطوعون بالتقاطهما، واحداً تلو الآخر ثم تمكنت من الخروج، وبعدها فقدت الوعي جراء ما شاهدته".
وتضيف إيمان: "كان المشهد صعباً، وكان التدافع شديداً لدرجة أنني كنت أعتزم إلقاء نفسي من النافذة قبل محاولة إنقاذي خوفاً من الموت جراء عذاب الاختناق".
وقالت إن أغلب من كانوا في الكنيسة، خاصة من كبار السن، استسلموا للموت، لصعوبة الوضع واستحالة عمليات الإنقاذ.
وتابعت باكية: "لن أنسى أبداً مشهد بعض الأطفال وهم يموتون في أحضان أمهاتهم".
أما والد إيمان، فكان له هو الآخر نصيب من الصدمة بعد أن تلقى اتصالاً يفيد باشتعال النيران داخل الكنيسة، وعدم تمكن ابنته وزوجها وطفيلها من النجاة في بداية الأمر.
هرع نادر داوود، الرجل الذي تجاوز العقد الخامس من عمره، نحو الكنيسة بعد اشتعالها بنصف ساعة، ليجد ابنته ملقاة على الأرض وبجوارها طفليها حتى تم إدخالهم جميعاً إلى سيارات الإسعاف لنقلهم إلى المستشفى.
مصر تشيع الضحايا
وشيعت مصر في مشهد مؤلم، مساء الأحد، ضحايا حريق الكنيسة، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة المصرية حسام عبد الغفار، إن "أغلب الوفيات نتجت عن الدخان الكثيف والتدافع بسبب محاولات هروب الضحايا".
كما كشفت وزارة الداخلية المصرية، في بيان، إن "فحص أجهزة الأدلة الجنائية كشف أن الحريق نشب بجهاز تكييف بالدور الثاني بمبنى الكنيسة، والذي يضم عدداً من قاعات الدروس، نتيجة خلل كهربائي، ما أدى لانبعاث كمية كثيفة من الدخان كانت السبب الرئيسي في حالات الإصابات والوفيات".
وأصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، توجيهات للهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتولي عملية ترميم وإصلاح الكنيسة، التي تعرضت للحريق.
اقرأ أيضاً: