زلزال سوريا.. النوم في خيام العزاء والمنازل الآيلة للسقوط عوضاً عن العراء

time reading iconدقائق القراءة - 10
صورة جوية لخيام المتضررين من الزلزال في مدينة حلب السورية. 16 فبراير 2023 - AFP
صورة جوية لخيام المتضررين من الزلزال في مدينة حلب السورية. 16 فبراير 2023 - AFP
حلب/ اللاذقية -الشرق

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 12 فبراير، أن عدد المتضررين من الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا، في 6 فبراير، بلغ نحو 26 مليون شخص، وحذرت من تضرّر عشرات المستشفيات والمباني والبنى التحتية.

ومع الأضرار المتراكمة في سوريا جراء الحرب أولاً ثم الزلزال العنيف ثانياً، بات أكثر من نصف السوريين مهجرين أو مشرّدين أو غادروا منازلهم لمرة واحدة على الأقل، وفق إفادات سابقة لمكتب الأمم المتحدة في سوريا.

وتتعدّد خيارات السكن البديل للسوريين، ولكلّ منها سلبياته الكثيرة، ويتوزّع الآلاف منهم بين واحد منها، فأين ينام السوريون اليوم؟

خيام العزاء

بعد أن افترشت مئات العائلات الأرصفة والشوارع في مدينتي اللاذقية وجبلة إثر الزلزال وتوابعه من هزات ارتدادية متلاحقة، تبرّع أكثر من 10 مكاتب تعمل في نشاط تنظيم مناسبات الأفراح والمآتم بخيام كبيرة تم نصبها في أماكن مفتوحة، وتم فتح أبوابها للهاربين من المنازل الآيلة للسقوط خوفاً من سقوطها فوق رؤوسهم.

وينام في هذه الخيام عشرات الأسر، وكانت تلك الخيام مخصصة فيما مضى لاستقبال المعزّين في حالات الوفاة، وهي عادة سورية تنتشر بشكل واسع في الأرياف والقرى، إذ تُنصبُ خيمة كبيرة يجلس بداخلها ذوي الفقيد لاستقبال المعزّين.

قال عماد موسى (44 عالماً) من مدينة جبلة على الساحل السوري: "امتلأت المساجد ومراكز الإيواء بأعداد كبيرة من الهاربين، ولم أجد لي ولعائلتي مكاناً لذلك توجّهت إلى الساحة وجلستُ مع أولادي".

وأضاف: "وزعت جمعيات خيرية خياماً صغيرة، ثم نصبوا لنا خيمة العزاء هذه وجلسنا فيها مع عائلتي، وتبقى أفضل حالاً من العراء".

يملكُ عماد منزلاً مشققاً على مدخل مدينة جبلة، وخرج جميع سكان عمارته منها، وطلبت منه السلطات إخلاء منزله بعد أن صار عرضة لخطر الانهيار.

وتابع عماد: "لم أنم في خيمة العزاء حتى حين توفّي والدي، ولم أتوقع يوماً أن أبات ليلتي فيها".

مساجد وكنائس ومدارس

مضى نحو 3 أسابيع على الزلزال، استنفرت خلالها كل مؤسسات الدولة لاستيعاب الكارثة، وفتحت المراكز والصالات الرياضية والمساجد والكنائس أبوابها.

وتدفقت مئات العائلات على هذه المساحات حتى اكتظَت بالمتضررين، لكن جميعهم يسألون: "إلى متى ستبقى هذه الحال؟".

وقال المسؤول في مدرسة العزيزية أغيد وجيه، لـ"الشرق": "لا بدّ من العثور على بدائل عملية أكثر، لأن الدوام المدرسي سيُستأنفُ قريباً، وكذلك بالنسبة للصالات والمساجد، لا يمكن أن تبقى مغلقة والناس لن تتحمل هذا الوضع طويلاً".

ينام الأولاد والنساء على فرشات وزعتها جمعيات خيرية، وينام الرجال على المقاعد وبعضهم يتناوب على أسرة حديدية محدودة جاءت مع المساعدات التي لا تزال تصل تباعاً.

وأضاف أغيد (50 عاماً): "يوجد في المدرسة 6 مراحيض، لكن لا يوجد مكان للاستحمام، والتدفئة تعتمد على البطانيات فقط بسبب نقص المحروقات".

وعلى الساحل السوري، تحول مصلى مسجد السلطان في مدينة جبلة، إلى مركز إيواء يضم نحو 50 عائلة توزعت في زواياه وأخذ كلّ منها مساحة صغيرة ينام فيها ويضع ما معه من أغراض.

وصار المسجد نقطة تجمع للمساعدات الغذائية التي تصل من المدينة وباقي المدن السورية.

وقالت أم بشار بعد أن نجت مع زوجها وأولادها بأعجوبة من تحت الأنقاض: "يبقى المسجد أكثر أماناً ودفئاً من العراء، وهنا تتوفر المياه بشكل دائم وأستطيع أن أترك أطفالي يلعبون بسلام".

ليس لدى أم بشار أي خطة مستقبلية بعد إفراغ المسجد من العائلات النازحة، ولا تعلم كحال الكثيرين عن مصيرهم شيئاً وتعرب عن أملها بـ"إنشاء مساكن بديلة بالسرعة القصوى".

وأضافت: "أعتقد أننا بحاجة لمساعدة الدول الخبيرة بهذا المجال، لا يُمكن أن نبقى هنا إلى الأبد، ولا مكان نذهب إليه بعد ذلك".

منازل آيلة للسقوط

بات مشهد حي المشارقة في حلب، واحداً من أشهر مشاهد الزلزال في المدينة، بعد أن رفضت عائلة الباش ترك منزلهم المتصدع والآيل للسقوط في أي لحظة، في صورة تناقلتها عشرات الوكالات والصحف لمنزل قائم بين منازل مدمرة، وبجانب عمارة سقطت وذهب تحت ركامها 33 شخصاً.

وتساءل محمد الباش (27 عاماً): "إلى أين نذهب؟ الوضع في مركز الإيواء لا يناسبنا، ولم نعتد يوماً على الخروج من منزلنا".

وأضاف محمد وهو الأخ الأصغر في العائلة التي تقطن قُبالة خط التماس السابق مع معبر بستان القصر: "صمدنا طيلة سنوات الحرب، وبقينا تحت القذائف والمعارك والاشتباكات، وسنصمد الآن ولن نخرج من المنزل".

تعرّض المبنى المكون من 8 طوابق لتصدعات كبيرة في الأسقف والجدران، وصنّف ضمن المباني الخطرة التي قد تسقط في أي لحظة، مع ذلك، تصرّ العائلة على المكوث "حتى الأنفاس الأخيرة".

وقالت والدة محمد (85 عامأً): "هنا كل ما نملك، وليس لدينا أي شيء آخر نخسره إذا خرجنا من هذا المنزل، وأنا أفضل الموت في منزلي على أن أموت في الشارع أو العراء".

وتزداد حالة التمسك بالمنازل المتصدعة أكثر فأكثر في حلب، مع قلة الأماكن التي يُمكن التوجه إليها بعد الزلزال.

أم حازم فضّلت أن تقيم في منزل شقيقتها في حي الماجامبو غربي حلب الأقل تضرراً من أحياء المدينة الشرقية، وتقول: "استقبلنا شقيقتي مع أولادي، وأكرمتنا وأحسنت ضيافتنا، لكن إلى متى سنبقى هنا؟".

تصف أم حازم نفسها بالمحظوظة، فهي تبيت داخل منزل، لا في خيمة أو في باحة كنيسة أو في الشارع، وتُضيف "نحن من القلائل الذين خرجنا من منزل وذهبنا إلى منزل آخر، معظم الناس اليوم باتوا دون منازل أبداً".

البيت.. حلم السوريين

اعتاد السوريون في غالبيتهم قبل الحرب على التسجيل في الجمعيات السكنية الحكومية وسداد أقساطها الشهرية طيلة سنوات، أو وضع كل مدخراتهم لبناء طابق إضافي أو منزل صغير في قراهم وبلداتهم بمختلف المدن.

لم يكن سهلاً الحصول على مسكن في سوريا، وازداد الأمر صعوبة مع بدء الحرب وندرة مواد البناء وغلاء ثمنها، وارتفاع مستويات الفقر إلى حدود استثنائية.

وقال الموظف المتقاعد نور راعي والمقيم في حي الأربعين بمدينة حماة لـ"الشرق": "نزحتُ خلال الحرب 3 مرات، المرة الأولى من بلدة طيبة الإمام إلى منطقة الحاضر في حماة، والمرة الثانية غيرت منزلي الذي استأجرته إلى حي الأربعين، وهذه المرة الثالثة لكن بفعل الزلزال".

وأضاف نور: "مللنا النزوح وباتت حياتنا عبارة عن حقائب ممتلئة بالثياب والحاجيات والذكريات. لقد ذهب كل ما أملك".

وللمفارقة العجيبة، يتمنى نور ألا تكشف فرق الهندسة على منزله المتصدع، حتى لا تطلب منه إخلائه، إذ يجد هو الآخر نفسه بين خيارات صعبة، تنحصر في المكوث بمنزل متصدع أو تجدد رحلة نزوحه إلى مكان آخر.

وتابع نور (69 عاماً): "ليس في العمر ما يكفي لنزوح جديد، وتعودنا على الخطر طيلة أيام الحرب، لا جديد في حياتنا أن ننام تحت سقف متصدع".

مساكن مؤقتة

في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت السعودية عزمها إنشاء مساكن مؤقتة، تشمل أكثر من 3 آلاف وحدة لمتضرري زلزال تركيا وسوريا.

وأشار مصدر سعودي رسمي إلى أن المملكة وزعت آلاف الخيام على المتضررين بالبلدين، ومستمرة في ذلك.

وعلى ما يبدو، أن المساكن المؤقتة هي الحل الأسرع والأكثر عملية بين حلول السكن البديل للسوريين، ريثما يُعاد بناء ما دمرته الحرب الزلزال.

ووصلت من العراق أيضاً مساكن مؤقتة يضم كل منها غرفتان واسعتان ويحتوي على خدمات النظافة الأساسية. كما تعتزمُ الإمارات إنشاء مساكن مشابهة في المناطق المنكوبة.

ودمّرت الحرب نحو نصف البنى التحتية في سوريا، وأصابت قطاعات حيوية مثل قطاع الطاقة والنفط الأساسيين، وشرّدت نحو نصف سكان البلاد، قبل أن يأتي الزلزال ليُطيح بما تبقى من بنى تحتية متهالكة، ومساكن مصدعة.

وقال مصدر في وزارة الأشغال السورية لـ"الشرق" مفضلاً عدم كشف هويته: "ما قدمناه كان في مرحلة الاستجابة الطارئة، لكن لا زلنا في مرحلة المسح وجمع المعلومات لمعرفة أعداد المنكوبين والمنازل المتضررة والمهدمة، وسننتقل قريباً إلى مرحلة الاستجابة المستمرة والمتواصلة لجميع المنكوبين".

وأضاف: "تصلنا مساعدات عربية وأجنبية، وقد تبدو أنها كميات ضخمة لكن الأضرار في الحقيقة كارثية".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات