يحلم بتنظيم معرض.. مصور سوداني يوثق "جحيم الحرب" بـ500 صورة

حقق شهرة بعد احتجاجات عزل البشير.. ومثله الأعلى الصربي توماسيفيتش

time reading iconدقائق القراءة - 7
المصور السوداني إبراهيم باسط نقد الله يفحص صورة التقطها في أحد شوارع الخرطوم أثناء توثيقه النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، السودان - الشرق
المصور السوداني إبراهيم باسط نقد الله يفحص صورة التقطها في أحد شوارع الخرطوم أثناء توثيقه النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، السودان - الشرق
بورتسودان -خالد عويس

تمكن المصور السوداني إبراهيم باسط نقد الله، من تصوير جوانب كثيرة من النزاع الذي اندلع بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل الماضي، وصلت إلى نحو 500 صورة توثق جحيم الحرب.

كان إبراهيم، يغط في نوم عميق، حين أيقظه والده ليخبره بسماع أصوات رصاص بشكل كثيف. لم تألف أحياء أم درمان القديمة، حيث يقطن نقد الله مع أسرته ووالديه وإخوته، أصوات الرصاص، فبدل ملابسه سريعاً، وتناول الكاميرا التي لطالما تسببت له في المتاعب مع السلطات المعنية في السودان، وخرج على عجل مدركاً في تلك اللحظة أن الكارثة وقعت.

خروج إبراهيم من المنزل كان لهدف واحد، هو توثيق ما يحدث بالكاميرا التي لم تفارقه أبداً، ووثق بها من قبل أغلب الأحداث التي شهدتها بلاده.

يقول لـ"الشرق"، إن مؤشرات الحرب كانت واضحة في الأسابيع التي سبقتها من خلال الحشد بين الجيش، وقوات الدعم السريع.

وبدأ إبراهيم نقد الله، العمل في مجال التصوير الفوتوغرافي منذ 2015، لشغفه به، وعمل في عدد من الصحف السودانية، وكان مثله الأعلى دائماً الصربي جويان توماسيفيتش، المصوّر المتخصص في الحروب، وشاء حظه أن يقتفى أثره في توثيق حرب تجري على أرضه، وفي مدينته.

وحقق شهرة بعد رصده أحداثاً كبرى في السودان، لا سيما الاحتجاجات التي سبقت الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير، رغم المتاعب التي واجهته مع أجهزة الأمن، واعتقاله أكثر من مرة، ونجاته من الموت بعد إصابته بعبوة متفجرة في 21 مارس 2022، أثناء تغطيته أحد الاحتجاجات.

مدينة تلتهمها النار

استقل إبراهيم دراجته النارية، وتحرك من ودنوباوي عبر أحياء أم درمان القديمة محاولاً عبور جسر "شمبات" الذي يربطها بالخرطوم بحري، ولدى وصوله قرب بيت "الزعيم الأزهري"، في إشارة إلى الرئيس السوداني السابق، إسماعيل الأزهري، والذي يبعد نحو 2 كيلومتر عن الجسر، لاحظ أن الحركة غير عادية، فالسيارات كانت تجري بسرعة من الخرطوم بحري إلى أم درمان، وأعمدة الدخان تتصاعد من الضفة الشرقية لنهر النيل من اتجاه الخرطوم بحري والخرطوم، وأصوات الذخيرة تعلو في المنطقة، وطائرات حربية تحلّق في السماء، وحين بلغ الجسر وجد جنوداً تابعين لقوات الدعم السريع يستقلون سيارتين، ويوجهون المارة بالعودة إلى بيوتهم.

ويذكر إبراهيم نقد الله لـ"الشرق"، أن هذا المشهد انطبع في ذاكرته إلى الأبد، فالمدينة التي ولد وترعرع وكبر وتزوج فيها، تلتهمها النار.

أمضى إبراهيم نحو 10 أيام متجولاً في أحياء أم درمان القديمة محاولاً رصد تفاصيل الحياة ووحشة الحرب بعدسته، غير أن انفجار قذيفة في منزل مجاوز، أدخل الفزع في قلوب أفراد أسرته، ودفعهم لاتخاذ قرار بمغادرة العاصمة السودانية إلى مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة في الجنوب.

وروى مشاهداته التي وثّقها بالكاميرا، قائلاً إنه وجد أحياء "الشهداء" و"بيت المال" و"أبو روف" و"ود نوباوي" مدناً للأشباح بعد أن هجرها أغلب أهلها، لافتاً إلى أنه أمضى 4 أيام برفقة أصدقائه قبل أن يتمكن من الوصول إلى منزل أسرته.

وتابع: "شاهدت في هذه الرحلة ما لم أشاهده طوال حياتي، جثث متناثرة، ومخلفات حربية، ومنازل مهدمة".

رحلة إلى الخرطوم

وتوجه إبراهيم  نقد الله إلى حي الطائف شرقي الخرطوم؛ لأنه كان مصمماً على توثيق الحرب التي يراها "حدثاً تاريخياً" لا يمكن التغافل عنه.

وشرح تفاصيل رحلته الثانية إلى العاصمة، بقوله "عدت إلى الخرطوم بوسائل النقل العام بعد رحلة مليئة بالخوف والتعب، وكانت الحياة شبه طبيعية، لأن المنطقة لم تكن شهدت اشتباكات مباشرة بين طرفي النزاع، ما عدا بعض القصف الجوي والمدفعي، وهذا ما مكنني من تصوير بعض المنازل التي تعرضت للقصف، وهو أمر لم يكن سهلاً، إذ أن الحركة باتجاه المنازل كانت محفوفة بالمخاطر".

ولم يكتف إبراهيم بتصوير المنازل المهدّمة، وإنما سعى إلى رصد التفاصيل كلها التي شاهدها، حتى قاربت الصور التي التقطها في فترة الحرب 500 صورة، شملت جثثاً متحللة، وقذائف، وحفر عميقة في الأرض، وجدران تحولت إلى أطلال، وشوارع خلت من أي ملمح للحياة.

معرض لصور الحرب

فور عودته من الخرطوم إلى ود مدني، في أكتوبر الماضي، قرر إبراهيم التوجه مع أسرته إلى إثيوبيا بحثاً عن حياة جديدة ولو بشكل مؤقت.

ومنذ نحو شهرين يعيش إبراهيم في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا محاولاً التأقلم مع الظروف الجديدة والبيئة التي لم يألفها سابقاً، ويعمل على تنظيم معرض يحوي كل صوره، على أن يكون موضوعه ثورة السودان في مراحلها المختلفة نهاية بالحرب، مشيراً إلى أنه يفكر في تنظيم المعرض بإحدى دول شرق إفريقيا، كما ينوي المشاركة بأعماله في مسابقات دولية، بهدف عرض قضية بلده.

ويختتم إبراهيم نقد الله حديثه، بأن المصوّر المحترف لا يجري أي تعديلات فنية على صوره، لأنها يجب أن تظل كما هي بتفاصيلها وظلالها وإضاءتها.

تصنيفات

قصص قد تهمك