"المفاعلات النووية الصغيرة" رهان واشنطن للتنافس مع بكين وموسكو

الولايات المتحدة تهدف لتوقيع اتفاقيات مع شركاء الطاقة السابقين لموسكو

time reading iconدقائق القراءة - 9
تصميم يُظهر التخطيط المستقبلي لمفاعل NuScale المعياري في مختبر أيداهو الوطني بالولايات المتحدة - energy.gov
تصميم يُظهر التخطيط المستقبلي لمفاعل NuScale المعياري في مختبر أيداهو الوطني بالولايات المتحدة - energy.gov
دبي -الشرق

تراهن الحكومة الأميركية، على "المفاعلات النووية الصغيرة"، في الحصول على حصة أكبر من سوق إنتاج الطاقة النووية عالمياً، والذي يتصدره أكبر منافسيها الجيوسياسيين روسيا والصين.

وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، السبت، إنه لم يتم بيع أو حتى بناء أي من هذه المفاعلات الصغيرة في الولايات المتحدة، لكن المسؤولين في واشنطن يحاولون إقناع الدول الشريكة بالحصول عليها، وهي لا تزال قيد التطوير من قبل شركات أميركية، والهدف من ذلك هو انتزاع حصة روسيا من سوق الطاقة النووية، والتصدي لصناعة التكنولوجيا النووية سريعة النمو في الصين.

ومن خلال استخدام نفوذها في هذه التكنولوجيا الجديدة، تأمل واشنطن في تعزيز علاقاتها التجارية والدبلوماسية المستقبلية، وتقويض قدرة بكين وموسكو على السيطرة على إمدادات الطاقة لجيرانهما، وفق "وول ستريت جورنال"، كما أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تنظر إلى الطاقة النووية باعتبارها وسيلة لتصدير طاقة خضراء موثوقة، باعتبار أن محطات الطاقة النووية، لا تحرق الوقود المعتمد على الكربون الذي يساهم بشكل كبير في تغير المناخ.

وبالنظر إلى الغزو الروسي لأوكرانيا المندلع منذ فبراير 2022، والذي دفع بولندا ودولاً أوروبية أخرى إلى البحث عن شركاء جدد في مجال الطاقة، فإن المسؤولين الأميركيين وقادة الصناعة يرون فرصة محتملة في السوق، أمام الصادرات الأميركية، للتنافس مع الطموحات النووية الصينية المتزايدة.

مضاعفة إنتاج الطاقة النووية

وفي مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 28"، الذي استضافته الإمارات، الشهر الماضي، توصل مسؤولون من 20 دولة لاتفاق بقيادة الولايات المتحدة يقضي بمضاعفة الإنتاج العالمي من الطاقة النووية إلى ثلاثة أمثاله على مدى 3 عقود.

كذلك، أقر الكونجرس الأميركي، تشريعاً يهدف إلى تخلي الولايات المتحدة عن الوقود النووي الروسي بمرور الوقت، والمساعدة في بناء القدرة على تخصيب اليورانيوم محلياً. وفي نوفمبر الماضي، وقعت الولايات المتحدة اتفاقاً لتسهيل بيع تكنولوجيا ومواد الطاقة النووية إلى الفلبين.

وبينما تُهيمن بكين على قطاعي طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فإن الطاقة النووية هي أحد المجالات التي يعتقد المسؤولون الأميركيون، أن الولايات المتحدة يمكن أن تنافس فيها، وذلك بالنظر إلى قائمتها الطويلة من الوقود النووي وأنواع المفاعلات الأكثر تطوراً.

وتهدف الولايات المتحدة إلى توقيع اتفاقيات شراكة، تستمر لمدة 50 عاماً أو أكثر؛ لتوفير التكنولوجيا الأميركية لشركاء الطاقة السابقين لموسكو، وللدول سريعة النمو في جنوب شرق آسيا التي تشعر بالقلق بشأن الاعتماد المفرط على الطاقة الصينية والروسية.

ونقلت الصحيفة عن تيد جونز، وهو رئيس برامج الأمن القومي والبرامج الدولية في معهد الطاقة النووية، قوله "في حال أصبحنا نحن الموردين، فإننا سندعم أمن الطاقة لحلفائنا وشركائنا، وسنساعدهم في تجنب أن يجدوا أنفسهم في نفس وضع أوروبا الحالي في ما يتعلق بالغاز الروسي والنووي".

ما هي المفاعلات المعيارية؟

أشارت الصحيفة إلى أن التكنولوجيا الجديدة التي تسمى المفاعلات المعيارية الصغيرة، تولّد حوالي ثلث طاقة المفاعل النووي التقليدي، ويمكن تصنيعها بشكل مسبق وشحنها إلى المواقع المختلفة.

ومن بين المزايا المحتملة الأخرى، أنها تهدف إلى أن تكون أرخص من المفاعلات الأكبر حجماً، والتي غالباً ما يتعين تصميمها خصيصاً لمكان ما، كما أنه يمكن تركيبها بطريقة تُساعد على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وفقاً لبيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويقول المسؤولون الأميركيون، إنهم يعملون مع مطوري المفاعلات المعيارية الصغيرة، وبنك التصدير والاستيراد الذي تديره الحكومة، ومؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية؛ للفوز بعقود خارجية ستؤدي إلى خفض التكاليف وإنشاء سجل طلبات لهذه التكنولوجيا الجديدة.

وتُشير تقديرات وكالة الطاقة النووية الأميركية، إلى أنه بحلول عام 2035 يمكن أن يصل سوق المفاعلات المعيارية الصغيرة العالمي إلى 21 جيجاوات من الطاقة، وهو ما يكفي لتشغيل ملياري مصباح من الليد.

وقال جيفري بيات، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون موارد الطاقة "من المهم أن تُحافظ الولايات المتحدة على تلك القيادة أثناء عملية الانتقال من العمل داخل المختبرات إلى الشبكات وعمليات نشر الطاقة والأعمال التجارية، إذ يتعلق الأمر ببناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد للغاية".

ومن أجل استخدام صادرات الطاقة النووية، كأداة في السياسة الخارجية، يتعين على الشركات الأميركية أن تُثبت قدرتها على إنتاج مفاعلات أصغر حجماً للتصدير في الوقت المحدد، وفي حدود الميزانية المطلوبة، وفقاً للصحيفة.

عملاء محتملون

لم تقم الولايات المتحدة بعد ببناء مفاعل نووي صغير، كما لا يوجد أي منهم قيد الإنشاء في الوقت الحالي، ولا تزال اقتصاديات هذا الابتكار غير مثبتة، وكذلك الجدول الزمني لبناء مثل هذا المفاعلات، ولكن إحدى الشركات، وهي Kairos Power، حصلت مؤخراً على موافقة لبناء مشروع تجريبي في ولاية تينيسي، والذي يهدف للتركيز على السوق المحلية.

كما قامت مؤخراً شركة NuScale Power، وهي إحدى الشركات الأميركية الكبرى، بإلغاء مشروع للمفاعلات المعيارية الصغيرة في أيداهو بعدما لم تتمكن مجموعة من المرافق في "ماونتن ويست" من الحصول على عدد كافٍ من الأعضاء للالتزام بالمشروع.

وبحسب "وول ستريت جورنال"، فإنه من أجل إنجاح هذا المفهوم الجديد، سيحتاج معظم مطوري المفاعلات المعيارية الصغيرة إلى مجموعة من الطلبات، حتى يتمكنوا من الانتقال إلى مرحلة الإنتاج، وهو ما سيؤدي إلى خفض تكاليف الوحدات.

ومن بين العملاء المحتملين الذين يتطلع إليهم مسؤولو الصناعة والحكومة الأميركية، شركة الطاقة البولندية "أورلين"، التي ترغب في بناء مفاعلات صغيرة الحجم من تصميم شركة GE Hitachi Nuclear Energy.

وكان بنك التصدير والاستيراد الأميركي، ومؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية، قد عرضا تدبير ما يصل إلى 4 مليارات دولار لتمويل مصنع تخطط له شركة NuScale في رومانيا، بهدف تشغيله في عام 2029 أو 2030.

ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم يجرون مناقشات مع الفلبين، وبلغاريا، وغانا، وإندونيسيا، وكازاخستان، بشأن مشاريع نووية جديدة.

منافسة صينية أميركية

تتصدر الصين العالم، في بناء المفاعلات النووية، وقد بدأت مؤخراً العمليات التجارية لمصنع يحتوي على مفاعلين صغيرين، كما تقوم الآن ببناء 22 مفاعلاً من أصل 58 قيد الإنشاء في جميع أنحاء العالم، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقامت ببناء مفاعلات في باكستان، وتهدف إلى الانضمام إلى روسيا كمُصدِّر رئيسي للتكنولوجيا النووية.

وفي الوقت نفسه، تُعد شركة "روساتوم" المملوكة للدولة في روسيا، مُصَدِّراً رئيسياً لكل من المفاعلات والوقود النووي، وبحسب أحدث تقرير عن وضع الصناعة النووية العالمية، فإنها تبني 24 مفاعلاً الآن: 19 مفاعلاً كبيراً في بلدان مختلفة من تركيا إلى بنجلاديش، وبارجة سيتم تجهيزها بمفاعلين صغيرين قيد الإنشاء في بكين، ولكن من المقرر استخدامها في روسيا، بالإضافة إلى 3 مفاعلات في موسكو.

ومن بين المفاعلات قيد الإنشاء في روسيا، هناك مفاعلان كبيران، والثالث هو مفاعل معياري صغير، والذي يستخدم المعادن السائلة للتبريد، كما بدأت "روساتوم" العمليات التجارية لمفاعلين صغيري الحجم على متن بارجة عائمة عام 2020، لكن المشروع استغرق وقتاً أطول وكانت تكلفته أكثر من المتوقع.

وتعتمد واشنطن على اهتمام الدول الشريكة بالعمل مع الشركات الأميركية، وما يصفه المسؤولون باعتباره شراكة أقل خطورة من العمل مع موسكو وبكين في مشاريع يبلغ عمرها 50 عاماً أو أكثر.

وقال بريت كوجلماس الرئيس التنفيذي لشركة Last Energy الناشئة في مجال الطاقة النووية، والتي تخطط لبناء مفاعلات صغيرة لتوليد 20 ميجاوات من الكهرباء وسيتم وضعها بالقرب من المصانع "ليس من الجيد أبداً أن يعتمد حلفاؤنا على دولة معادية محتملة للحصول على الطاقة".

وقد تستغرق عملية التوصل إلى مجموعة من الصفقات الحكومية والتجارية عدة سنوات، إذ يعمل المسؤولون الأميركيون في هذا الصدد، جنباً إلى جنب مع نظرائهم الأجانب، ووكالات ائتمان التصدير، وشركات الطاقة النووية والمرافق العامة، فضلاً عن الكونجرس الأميركي، إلا أن روسيا والصين تتمتعان بميزة القطاعات المالية التي تقودها الدولة لتمويل المشاريع التي يُمكن أن تمتد لعقد من الزمن حتى تتدفق الطاقة.

وأكد مسؤولون تنفيذيون في الصناعة، والمسؤولون الحكوميون في الولايات المتحدة، أنهم يعملون الآن على إيجاد طرق مختصرة لتسويق المفاعلات، بما في ذلك إبرام صفقة واحدة بين الحكومة الأميركية وحكومات أخرى تتضمن عقود الشركات، والمساعدات التمويلية العامة والخاصة.

وتهدف هذه الصفقات الجديدة، إلى جذب الدول الشريكة التي تُريد مساراً أبسط للحصول على مفاعل نووي، دون اللجوء إلى التمويل الصيني الذي يقول المسؤولون الأميركيون إنه قد يكون مرتبطاً بشروط.

تصنيفات

قصص قد تهمك