سيعود غواصون أميركيون، الأربعاء، إلى المياه المحيطة بحطام جسر انهار نتيجة اصطدام سفينة شحن ضخمة به في ميناء بالتيمور، ما أدى إلى فقد 6 عمال وافتراض أنهم لقوا حتفهم.
وأجبرت الكارثة السلطات على إغلاق ميناء بالتيمور إلى أجل غير مسمى، وهو أحد أكثر الموانئ ازدحاماً على الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
ومع تلاشي احتمالات بقائهم على قيد الحياة، تم تعليق البحث عن العمال الستة مساء الثلاثاء، بعد 18 ساعة من سقوطهم لدى انهيار جسر "فرنسيس سكوت كي" الذي شيد عام 1977 بكلفة تزيد عن 60 مليون دولار، في المياه شديدة البرودة عند مصب نهر باتابسكو.
وقالت شرطة ولاية ماريلاند ومسؤولو خفر السواحل إن "تضاؤل مدى الرؤية وتيارات مائية قوية في مياه امتلأت بالحطام جعلت جهود البحث في النهر محفوفة بالمخاطر، لدرجة لا يمكن معها مواصلة البحث خلال الليل".
وأضافت: "اعتباراً من العاشرة صباحاً بتوقيت جرينتش، الأربعاء، نأمل في إنزال غواصين إلى المياه وبدء عملية بحث أكثر تفصيلاً، لنبذل ما بوسعنا لانتشال جثث المفقودين الستة".
بدوره، قال مسؤول في خفر السواحل: "لا نعتقد أننا سنعثر على أي فرد منهم على قيد الحياة"، إذ انتشل رجال الإنقاذ اثنين من العمال على قيد الحياة، الثلاثاء، ونُقل أحدهما إلى المستشفى.
ووفقاً للقنصلية المكسيكية في واشنطن، فإن من بين الستة الذين يفترض أنهم لقوا حتفهم عمال من المكسيك وجواتيمالا والسلفادور.
وقال المسؤولون إن العمال الثمانية كانوا ضمن طاقم عمل لإصلاح حفر على سطح الجسر، عندما اصطدمت سفينة الحاويات "دالي" التي ترفع علم سنغافورة، والتي غادرت بالتيمور متجهة إلى سريلانكا، بعمود دعم للجسر.
وأبلغت السفينة عن فقدان قدرتها على الدفع قبيل الاصطدام، وأنزلت المرساة لإبطاء سرعتها، ما منح سلطات النقل وقتاً لإيقاف حركة المرور على الجسر قبل الاصطدام، فيما رجحت السلطات أن ذلك ساهم بمنع سقوط مزيد من الضحايا.
وذكرت شركة "سنيرجي مارين" التي تدير سفينة "دالي" أن الحادث "لم يسفر عن فقد أي من أفراد طاقمها البالغ عددهم 22".
تأثر الخدمات اللوجستية
من جانبه، قال حاكم ولاية ماريلاند، ويس مور، الثلاثاء، إن الجسر كان متوافقاً مع المعايير المطلوبة، ولم تظهر في هيكله أي مشكلة ظاهرة.
وقال المسؤولون إنه "لا دليل على وجود شبهة جنائية في الحادث"، وأظهرت لقطات فيديو على مواقع للتواصل الاجتماعي السفينة، وهي تصطدم بالجسر، بينما يمكن رؤية أضواء سيارات عن بعد والجسر يسقط في الماء، وتندلع النيران في السفينة.
من جهته، أفاد وزير النقل الأميركي بيت بوتيجيج، بأن إغلاق الميناء سيكون له "تأثير كبير وطويل الأمد على سلاسل الإمداد".
ويتعامل ميناء بالتيمور مع شحنات سيارات أكثر من أي ميناء أميركي آخر، إذ تظهر بيانات الميناء أن أكثر من 750 ألف مركبة مرت من خلاله في عام 2022، بالإضافة إلى حاويات شحن وبضائع سائبة تتنوع من سلع مثل السكر وحتى الفحم.
ومع ذلك، قال اقتصاديون وخبراء خدمات لوجستية إنهم يشكون في أن إغلاق الميناء سيتسبب بأزمة كبيرة في سلاسل الإمداد الأميركية أو ارتفاع كبير في أسعار السلع، لأن مراكز الشحن المنافسة على طول الساحل الشرقي للبلاد لديها طاقة استيعاب كبيرة.
ووعد الرئيس الأميركي جو بايدن بزيارة بالتيمور في أقرب وقت ممكن، قائلاً إنه "يريد أن تدفع الحكومة الاتحادية مقابل إعادة بناء الجسر".
تحقيق بالحادث
وقالت رئيسة المجلس الوطني لسلامة النقل، جينيفر هوميندي، إن فريقاً مؤلفاً من 24 فرداً سيحقق في موقع الحادث، إذ سيشمل ذلك، ما إذا كان الوقود الملوث قد أدى دوراً في فقدان سفينة شحن عملاقة للطاقة وتحطمها في الامتداد.
وأضافت: "سيشمل التحقيق مراجعات لعمليات السفينة وسجل السلامة وكذلك تلك الخاصة بمالكها ومشغلها، كما سينظر الطاقم في تأمين المسجلات، على غرار الصندوق الأسود للطائرة، لفهم ما حدث بشكل أفضل".
ولم يصعد محققو السلامة إلى السفينة، في وقت متأخر من بعد ظهر الثلاثاء، بينما ظلت عالقة في عمود جسر فرانسيس سكوت كي المنهار، إذ يمكن أن تبقى السفينة في هذا الموقع لأسابيع.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن تقرير لخفر السواحل، جاء فيه أن أضواء سفينة "دالي" بدأت بالوميض بعد حوالي ساعة من بدء رحلتها، إذ أبلغ القبطان عن مشاكل في الطاقة وفقدان الدفع قبل الحادث.
وقال ضابط على متن السفينة أن "دالي ماتت، ولا توجد قوة توجيه، توقف أحد المحركات، وكانت رائحة الوقود المحترق في كل مكان داخل غرفة المحرك، وكانت حالكة السواد"، موضحاً أن السفينة لم يكن لديها الوقت لإسقاط المراسي لوقف الانجراف.
في هذا الصدد، قال المهندس البحري في أثينا فوتيس باجولاتوس، إن أحد الأسباب "هو الوقود الملوث الذي يمكن أن يخلق مشاكل مع مولدات الطاقة الرئيسية للسفينة".
وأضاف أن "انقطاع التيار الكهربائي الكامل قد يؤدي إلى فقدان السفينة للدفع، إذ يمكن أن تبدأ المولدات الأصغر حجماً، ولكنها لا تستطيع تحمل جميع وظائف المولدات الرئيسية، وتستغرق وقتاً للتشغيل".
ما هي سفينة "دالي"؟
في رحلة الثلاثاء، قامت مجموعة Synergy Marine Group ومقرها سنغافورة بتشغيل السفينة، وكانت تنقل البضائع لشركة الشحن الدنماركية العملاقة، بحسب "وول ستريت جورنال".
وغادرت السفينة التي يبلغ طولها حوالي ألف قدم من محطة في ميناء بالتيمور، وكانت متجهة إلى سريلانكا، إذ كانت تتحرك بسرعة 9.2 ميل في الساعة، وهو أمر نموذجي للسفن التي تسافر في المنطقة، إذ تحتاج السفن الكبيرة مثل "دالي" إلى الحفاظ على سرعة معينة لتجنب دفعها عن طريق الرياح والتيارات.
وتولت شركة "هيونداي" للصناعات الثقيلة بناء "دالي" في عام 2015 في كوريا الجنوبية، إذ إن السفينة من نوع "باناماكس"، التي يمكن أن تحمل ما يصل إلى 10 آلاف حاوية، وهي العمود الفقري للصناعة وواحدة من الآلاف التي تمر بانتظام عبر قناتي بنما والسويس.
وفي حين أن السفينة بحجم "دالي" تتضاءل أمام أكبر سفن الحاويات، إلا أنها نموذجية للموانئ الأميركية على الساحل الشرقي.
ومنذ بنائها، خضعت السفينة لأكثر من 20 عملية تفتيش لمراقبة دولة الميناء وهي مراجعات للسفن الأجنبية في الموانئ الوطنية، ولم تسفر أي من عمليات التفتيش المذكورة عن احتجاز، وهو ما يمكن أن يحدث عندما تعتبر السفينة "غير صالحة للسفر"، وفق بيانات أوردتها قاعدة Equasis لبيانات الشحن الدولية.
وبحسب Equasis، لوحظت أوجه قصور في مراجعتين، واحدة في بلجيكا في يوليو 2016، والتي لاحظت تلف الهيكل والأخرى في تشيلي في يونيو 2023، والتي أبلغت عن مشكلة في دفع السفينة والآلات المساعدة، كما أظهرت البيانات أن خفر السواحل الأميركي أكمل فحصاً للسفينة في سبتمبر 2023، ولم يحدد أي مشاكل.
مطالبات التأمين
وقال محللو التأمين إن انهيار الجسر من المقرر أن يؤدي إلى سلسلة من مطالبات التأمين بمليارات الدولارات، التي تغطي كل شيء من فقدان الهيكل نفسه إلى تعطيل الشركات التي تستخدم الميناء.
وأوضح أستاذ القانون في جامعة ريدينج، روبرت ميركين، إن "حجم الخسائر وطبيعتها المعقدة تعني أن التقاضي أمر لا مفر منه، كما يمكن لضحايا الحادث رفع دعاوى ضد مشغل السفينة"
وتنتمي شركة التأمين على السفينة Britannia P&I Club، إلى مجموعة من شركات التأمين البحري المتخصصة التي لديها تغطية إعادة تأمين تصل إلى 3.1 مليار دولار لكل سفينة.
وقالت بريطانيا إنها تعمل على "المساعدة على ضمان التعامل مع هذا الوضع بسرعة ومهنية"، إذ يمكن أن تكون المطالبات المتعلقة بتغطية السفينة معقدة؛ بسبب المراوغات في قانون التأمين البحري، مثل الاتفاقية التي تحد من المسؤولية على أساس قيمة السفينة.