"شد الحزام".. الصين تفرض التقشف على الموظفين العموميين

time reading iconدقائق القراءة - 9
مشهد عام لمدينة شنغهاي الصينية. 15 أبريل 2024 - AFP
مشهد عام لمدينة شنغهاي الصينية. 15 أبريل 2024 - AFP
دبي -الشرق

عندما أخطر الحزب الشيوعي الصيني المسؤولين بضرورة "الاعتياد على تشديد القيود المالية في السنوات المقبلة"، جاءت استجابة 21  حكومة محلية على الأقل على مستوى المقاطعات، سريعة، إذ عمدت إلى خفض ميزانياتها الخاصة بالمركبات الرسمية خلال العام الجاري.  

كما تعهد حاكم مقاطعة قويتشو بـ"خفض النفقات التشغيلية" الخاصة بإدارته بنسبة 15%، وحض مسؤول في مقاطعة هونان زملاءه على أن يصبحوا "مدبري منازل حُمر" يقدسون الجذور الثورية للحزب عن طريق التأكيد على "الحوكمة الفعالة من حيث التكلفة".  

وطلب أحد مكاتب الإحصاء في مقاطعة يونان الجنوبية من موظفيه عدم ضبط أجهزة تنظيم الحرارة على أقل من 26 درجة مئوية (79 درجة فهرنهايت) في الصيف، فيما أكدت السلطات في منغوليا الداخلية، أن الوكالات الحكومية يتعين عليها "تقليل شراء المعدات الجديدة عن طريق إصلاح وإعادة استخدام القديم" مثل المكاتب والكراسي وأجهزة الكمبيوتر.

كما طلبت مدينة يبين الجنوبية الغربية من موظفيها طباعة الملفات الروتينية على "ورق منخفض الجودة"، وفق ما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال". 

وأشارت الصحيفة إلى أن الموارد المالية الخاصة بالحكومات المحلية في الصين "ترزح تحت وطأة الديون الطائلة منذ سنوات"، ولكن 3 سنوات من إجراءات احتواء وباء كوفيدـ19، استنزفت خزائن الدولة في مناطق عديدة.  

وأضافت الصحيفة، أن الآثار الاقتصادية في مرحلة ما بعد وباء  فيروس كورونا والسوق العقارية المتعثرة، أدت إلى تفاقم المشكلة من خلال تراجع عائدات بيع الأراضي الذي تعتمد عليه العديد من المقاطعات.  

وفي الأشهر الأخيرة، خفضت شركتان رئيسيتان للتصنيف الائتماني، توقعاتهما بشأن التصنيف الائتماني للصين من "مستقر" إلى "سلبي".  

ويعكس نطاق التقشف، الواقع الاقتصادي الجديد في جميع أنحاء الصين، حيث أثرت معدلات النمو الضعيفة وسوق العمل الواهية على قطاع كبير من السكان، بدءًا من الأشخاص العاديين ووصولاً إلى الموظفين الحكوميين، وأجبرت كثيرين على التكيف مع "إنجاز المزيد بمقابل أقل".  

سياسة "شد الحزام" 

وأطلق الزعيم الصيني شي جين بينج حملة التوفير لأول مرة في عام 2019 كجزء من حملته للحد من الهدر الحكومي. وكثفت بكين جهودها في ديسمبر الماضي، حيث طالبت من مسؤوليها بتبني سياسة "شد الحزام" على المدى الطويل.  

وورد في محضر الاجتماع السنوي الذي يعقده الحزب بشأن السياسة الاقتصادية أنه "يتعين على الحزب والهيئات الحكومية التعود على العيش المقتصد"، وفق ما أوردته "وول ستريت جورنال".  

وسرعان ما انتشرت هذه المطالب في رسائل الحزب الشيوعي الحاكم ووسائل الإعلام التابعة للدولة، والتي دعت الكوادر إلى الانتباه إلى استخدام القيادة لمصطلح "التعود" (xiguan).  

وقالت أعلى هيئة انضباطية في الحزب، التي استخدمها شي لفرض الامتثال لسياساته، في يناير الماضي، إن "العيش المقتصد ليس احتياجاً مؤقتاً أو تكتيكاً نفعياً، وإنما مبدأ وسياسة يتعين الالتزام بها على المدى الطويل"، مشددة على ضرورة "الاقتصار على إنفاق كل بنس في مجاله الحيوي ولتحقيق أقصى فاعلية". 

وفي الأسابيع الأخيرة، أصدرت العديد من الحكومات المحلية توجيهات مفصلة بشأن "كيفية التعود على العيش المقتصد"، حيث أخبرت موظفيها بضرورة توفير الأموال عن طريق "استخدام وسائل المواصلات العامة، وشراء الأدوات المكتبية الأقل ثمناً، وطباعة الوثائق والمستندات بالأبيض والأسود، وعلى وجهي الورقة". 

كما أمرت حكومات محلية أخرى، العاملين بها، بضرورة "عدم ترك فضلات طعام، وتقليص رحلات العمل، وإصلاح جميع الأدوات والمعدات، بدءًا من سيارات المسؤولين ووصولاً إلى الأثاث المكتبي، وإعادة استخدامها".  

وشددت بكين أيضاً الضوابط على الإنفاق على البنية التحتية في المناطق عالية المديونية، وخفضت مستهدف عجز الميزانية إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي للعام الجاري، مقابل 3.8% في العام الماضي، ما يُظهر التزام الحكومة بالانضباط المالي.  

وفي حين أنه من غير المرجح، وفق "وول ستريت جورنال"، أن يؤدي التقشف إلى تخفيف الضغوط المالية بدرجة كبيرة، إلا أن هذه الرسائل تخدم بالأساس أهدافاً سياسية.  

وفي هذا السياق قالت كريستين وونج، الخبيرة في المالية العامة الصينية والأستاذة الزائرة في معهد شرق آسيا التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، لـ "وول ستريت جورنال"، إن "المسألة لا تتعدى كونها مرتبطة بالأداء فقط. إنهم يتحدثون عن أشياء صغيرة بينما ينبغي أن ينصب تركيزهم على إصلاح الأشياء الكبيرة، مثل حمل الحكومات المحلية على زيادة الإيرادات وتقليل الديون".

وأضافت: "أنت تتحدث عن توفير بضعة مليارات هنا وهناك"، وهي مبالغ ضئيلة مقارنة بالميزانية العامة السنوية للحكومة الصينية التي تبلغ نحو 28 تريليون يوان، أي ما يعادل نحو 3.9 تريليون دولار.  

وأكدت الخبيرة المالية أن حملة التوفير تمثل بالأساس "إقرار بأن الأموال محدودة، وإشارة إلى أن القطاع العام شريك في الشعور بالألم، فالجميع يحصل على أموال أقل وعليه أن يعمل بموارد أقل". 

مناشدات وطنية

وعزز كبار المسؤولين ووسائل الإعلام الحكومية هذه الرسالة من خلال "المناشدات الوطنية"، إذ أخبروا الموظفين العموميين بأن الاقتصاد في المعيشة يرقى إلى "فضيلة الولاء"، وأن التوفير سيساعد في تمويل المشروعات التي يستفيد منها المواطنون العاديون، وتدفع الصين إلى الأمام. 

وقال وزير المالية الصيني لان فوان للصحافين في مارس، إن الهدف هو "تقليص النفقات الروتينية"، حتى تتمكن الحكومة من "تركيز قوتها المالية على إنجاز الأعمال الكبيرة"، مضيفاً أن "كل بنس يستطيع الحزب والهيئات الحكومية توفيره هو بنس إضافي يمكن إنفاقه على سبل عيش المواطنين".

وفي وقت لاحق من الشهر الجاري، أصدرت وزارة المالية توجيهات تحض الهيئات الحكومية على "تشديد الرقابة على الإنفاق وتكثيف التدقيق في الأمور المالية".

وأوضحت الوزارة، أنه "يتعين على المسؤولين تقليل التكاليف المرتبطة بالسفر إلى الخارج والتنقل بالمركبات وحفلات الاستقبال والاجتماعات الرسمية"، عن طريق "عقد الاجتماعات عبر الإنترنت بدلاً من الحضور الشخصي واستخدام المنشآت الحكومية على حساب الأماكن التجارية"، على سبيل المثال لا الحصر.

كما ثمنت السطات التابعة للحزب، الاقتصاد في النفقات باعتباره "تقليداً ثقافياً وثورياً". وفي هذا الإطار استشهدت الهيئة الانضباطية للحزب بالحياة البسيطة للقادة السابقين باعتبارها من التقاليد الأصيلة للحزب الشيوعي، مشيرة إلى أن ماو سي تونج "قام بترقيع "بيجامته" 73 مرة، فيما استخدم ثوري آخر، وهو تشن يون، نفس الحقيبة لمدة 62 عاماً". 

وتأمل الحكومة المركزية أيضاً أن تساعد حملة التقشف في "الحد من الخطر الأخلاقي" من خلال الجهود المبذولة لإنقاذ المناطق عالية المديونية وتجنب وقوع أزمة مالية أوسع نطاقاً، وفقاً لما يقوله الخبراء الحكوميون. 

إزاء ذلك قال الباحث في معهد بيترسون للاقتصادات الدولية تيانلي هوانج لـ "وول ستريت جورنال"، إن بكين أخبرت الحكومات المحلية بأنه يتعين عليها "أولاً وقبل كل شيء الاعتماد على نفسها"، مضيفاً أن "العديد من المحليات تجيد إهدار الأموال لأنها لم تخضع لفترة طويلة لأي قيود صارمة على الميزانية". 

ولكن، على الصعيد العملي، غالباً ما يقتصر السعي إلى التوفير على "سياسات الزهد والتقشف في النفقات الروتينية" فحسب، حيث تتسابق الكوادر لإظهار امتثالها  للحملة.  

ففي أحد مصانع الحديد المملوكة للدولة في يونان، حض مسؤولو الحزب الموظفين على خفض النفقات السنوية على مياه الشرب بنسبة 30% من إجمالي نفقات العام الماضي التي بلغت 270 ألف يوان.  

"توفيرات متواضعة"

وقالت لجنة الحزب في المصنع في إخطار إلى الموظفين، إنه "يجب التحكم بقوة في استهلاك المياه المعبأة في زجاجات في جميع الوحدات"، وشجعت الموظفين على إحضار "أكوابهم الخاصة بدلاً من الأكواب التي تستخدم لمرة واحدة".     

من جانبها أوصت الهيئة المشرفة على المشتريات والخدمات اللوجستية في الصين، وهي الإدارة الوطنية للمكاتب الحكومية، بإعادة تدوير نفايات المكاتب وتذكير العاملين بتوفير الكهرباء والمياه.  

وكتب لين لي، المسؤول في الإدارة، في مقال نُشر مؤخراً، إنه "يجب التحكم في اللوازم المكتبية المتاحة مثل الورق والأقلام الرصاص".   

واقترحت إحدى المقاطعات في المنطقة الشمالية من منغوليا الداخلية مبادئ توجيهية للنقل "الأخضر" لتقليل استخدام المركبات الرسمية، وتشجيع موظفي الحكومة على السير لمسافات تصل إلى 1 كيلومتر (حوالي 0.62 ميل)، وركوب الدراجات عند السفر لمسافة 2 إلى 5 كيلومترات، واستخدام وسائل النقل العامة للمسافات الأطول.   

وقال هوانج، إن هذه التدابير لن تحقق سوى "توفيرات متواضعة"، مضيفاً أنها في "المنظور الكبير للأشياء، لن تكون ذات أهمية كبيرة"، وخلص إلى أنه "لا يزال يتعين على الحكومة إيجاد سبل لاستخدام الأموال على نحو أفضل". 

وقال مسؤولون إنهم يريدون هذه المدخرات لإنجاز "أشياء كبيرة"، ولكن، "ما هذه الأشياء الكبيرة؟"، حسبما تساءل هوانغ، قبل أن يجيب: "لا أعتقد أن هناك تعريفاً واضحاً لها".  

تصنيفات

قصص قد تهمك