منذ أكثر من عقد، يعيش "معاذ" في مصر، قادماً من السودان على واقع الخلافات السياسية والاضطرابات الأمنية هناك، ويقيم في القاهرة، وتم تسجيله كلاجئ في مفوضية اللاجئين.
ويحكي "معاذ" وهو اسم مستعار، في حديث لـ"الشرق"، أنه جاء إلي مصر عام 2012، وتم تسجيله في مفوضية اللاجئين عام 2015، ومنذ ذلك الحين وهو يتلقى إعانات شهرية من المفوضية.
وإلى جانب الإعانات فانه يتم تخفيض رسوم الإقامة، وهي رسوم تدفع بشكل نصف سنوي للحصول على تصريح بالإقامة في مصر، لتصبح رسوماً رمزية، ليدفع 155 جنيهاً مصرياً (3 دولارات أميركية) بدلاً من 700 جنيه مصري (14.5 دولاراً).
ولا يعمل "معاذ"، ولديه أسرة مكونة من 5 أطفال وزوجة، ويقول إنه يتمتع بنفس الامتيازات التي يتمتع بها المواطن المصري، فيما يتعلق بالتعليم والصحة، واستخدام المستشفيات العامة.
"معاذ" مثل 9 ملايين شخص غير مصري يعيشون في مصر، لا تطلق الحكومة المصرية عليهم اسم لاجئين، وإنما "ضيوف".
10 مليارات دولار
وقدر رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، التكلفة المباشرة لاستضافة مصر ما يزيد على 9 ملايين شخص، ما بين لاجئ ومقيم، بسبب ظروف عدم الاستقرار في بلادهم، بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً.
وقال مدبولي خلال مشاركته في فعاليات اليوم الثاني للمنتدى الاقتصادي العالمي، الذي استضافته الرياض الأسبوع الماضي، إن "الدولة المصرية تتحمل هذه التكلفة بالرغم من الأزمة الاقتصادية التي تجابهها".
ووفق تقديرات حكومية مصرية ودولية، فإن أعداد اللاجئين والأجانب المقيمين على أراضيها تتعدى 9 ملايين أجنبي، من نحو 133 دولة.
وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها تصريح رسمي بشأن التكلفة المباشرة التي تتحملها الدولة المصرية للاجئين والمقيمين والوافدين للبلاد، بعد زيادة أعدادهم بشكل مطرد على خلفية الأزمة السودانية، التي دفعت مئات الآلاف من السودانيين للنزوح إلى مصر، تبعتها حرب غزة، واستقبال مصر الكثير من الجرحى الفلسطينيين.
وشكت مصر مراراً من عدم تناسب المساعدات الدولية المقدمة إليها، مع زيادة تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى أراضيها، وسط مطالبات متكررة بزيادة الدعم الدولي، كان آخرها الأسبوع الماضي خلال لقاء مدبولي مع المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب.
حصر دقيق
وقبل أشهر، بدأت الحكومة المصرية في إجراء حصر دقيق للوافدين والمقيمين واللاجئين مع منحهم فرصة لتسجيل بياناتهم بالجهات الرسمية حتى يونيو المقبل، لاستخراج "بطاقة التسجيل"، التي سيتم بموجبها الاستمرار في تقديم الخدمات ضمن خطة الدولة لحصر جميع الأجانب المقيمين داخل البلاد.
وذكرت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير، أن العدد الحالي للمهاجرين الدوليين المقيمين في مصر هو 9 ملايين و12 ألفاً و582 مهاجراً، أي ما يعادل 8.7٪ من عدد السكان المصريين.
وثمة زيادة ملحوظة في عدد المهاجرين منذ عام 2019، بسبب عدم الاستقرار الذي طال أمده في البلدان المجاورة لمصر، ما دفع الآلاف من السودان وجنوب السودان وسوريا وإثيوبيا والعراق واليمن إلى البحث عن ملاذ في مصر.
وربما يُنظر إلى الخطاب الإيجابي للحكومة المصرية تجاه المهاجرين، واللاجئين على أنه عامل جذب للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء مؤخراً إلى مصر.
بدوره، أوضح المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري أن رقم 10 مليارات دولار، وهو إجمالي ما تتحمله الجهات المعنية التي تقدم العديد من الخدمات، لهؤلاء اللاجئين والمقيمين، وفي طليعتها على سبيل المثال، قطاعات الصحة، والتعليم، والتعليم العالي، وزارة الداخلية، والتموين، والزراعة وكل الجهات المعنية التي تتحمل جزءاً من تكلفة وأعباء ضيوف مصر من غير المصريين، وشاركوا في تقديم تقديراتهم، بحسب تصريحات صحافية له.
وأفادت تصريحات حكومية مصرية، صدرت مطلع العام الجاري، بأن أعداد الطلاب اللاجئين شهدت زيادة مؤخراً، وهو ما رفع من مساهمات الدولة المصرية في حصول هؤلاء الطلاب على الخدمات التعليمية، ودعت وزارة التربية والتعليم إلى التوسع في إقامة المزيد من الفصول الجديدة، بما يسهم في استيعاب حجم الزيادة في أعداد الطلاب اللاجئين.
أكثر من 600 ألف لاجئ مسجل
وقالت المتحدثة باسم مفوضية شئون اللاجئين في مصر كريستين بشاي لـ"الشرق"، إن عدد اللاجئين المسجلين حالياً 607 آلاف و511 لاجئاً وطالب لجوء من 62 جنسية.
ووفقاً لاتفاقية عام 1951 بشأن اللاجئين، فإن اللاجئ هو شخص يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تخوّف مبرر من التعرض للاضطهاد، لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، وأصبح بسبب ذلك التخوّف يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته، أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك.
وأوضحت بشاي أن هناك فرقاً بين اللاجئ والمهاجر، فالمهاجرون هم أشخاص اختاروا الانتقال من بلدنهم الأصلية، ليس بسبب تهديد مباشر بالاضطهاد أو الموت، بل لتحسين حياتهم بشكل أساسي من خلال إيجاد العمل، أو في بعض الحالات من أجل التعليم أو لمّ شمل العائلة أو أسباب أخرى.
وبموجب الاتفاقيات الدولية، تتحمل الدول المضيفة بشكل أساسي مسؤولية تأمين اللاجئين، لذا، تعمل المفوضية عن كثب مع الحكومات مقدمةً لها المشورة، والدعم عند الحاجة للقيام بمسؤولياتها.
ومضت بشاي في حديثها لـ"الشرق"، قائلة: "منذ بدء الاشتباك في السودان في أبريل 2023، أجبرت أعداد كبيرة من السكان على النزوح لمصر وباقي الدول المجاورة بحثاً عن الحماية، وتعمل المفوضية على ضمان دمج اللاجئين في نظم التعليم والصحة، وتقوم بتنفيذ مشاريع مجتمعية لتعزيز شمول اللاجئين في المجتمع المضيف، وتعزيز سبل كسب المعيشة ورفاه اللاجئين من بين العديد من المبادرات الأخرى".
عدد "غير واقعي"
من جانبه، شكك أشرف ميلاد روكسي، المحامي والمحاضر المتخصص في شؤون الهجرة واللاجئين، في الأرقام الحكومية، معتبراً أن الرقم الحكومي (9 مليون ضيف) يبدو "غير واقعي بعض الشيء، فنسبة 10% من المقيمين في مصر غير مصريين تبدو صعبة التصديق، خاصة وأنه ليس كل الأجانب المقيمين في مصر مسجلين بالمفوضية".
وأضاف روكسي، في حديث لـ"الشرق"، أن "عدد 9 مليون ضيف غير مؤكد، فمن غير المنطقي أنه يوجد في مصر شخص غير مصري من بين عشرة أشخاص، ويوضح روكسي أنه حسب الإحصاءات فهناك مليون سوري في مصر، بينما المسجلين في المفوضية هم 156 ألفاً".
ومضى روكسي قائلاً: "بشكل عام المستشفيات الحكومية المجانية في مصر قليلة جداً، والعلاج الخاص يعتبر مرتفع التكلفة، وكذلك الأمر بالنسبة للخبز المدعم، الذي يقدم بشكل أساسي إلي المواطنين المصريين فقط، أي أنه لا يوجد ضغط على المرافق العامة".
وأضاف: "في مسألة التعليم، فإن الحكومة المصرية أصدرت قراراً منذ فترة بمعاملة السودانيين والسوريين في مصر معاملة المصريين في المدارس الحكومية، هذا بالطبع تكلفة على الدولة، ولكن في نفس الوقت الكثير من الأجانب، لا يجدون أماكن في المدارس الحكومية لهذا يلجؤون إلي المدارس الخاصة أو المدارس التابعة لسفارة بلدانهم الأصلية".
فيما يختلف خبير دراسات السكان والهجرة أيمن زهري مع روكسي، موضحاً في حديث لـ"الشرق"، أن "مبدأ مشاركة الأعباء هو مبدأ ثابت، ويتوجب على المجتمع الدولي الوقوف إلى جانب مصر التي تمر بظروف اقتصادية صعبة".
وأوضح زهري أن "المبدأ الذي تعارف عليه المجتمع الدولي هو مبدأ مشاركة الأعباء، وهذا المبدأ ثابت في المواثيق الدولية المرتبطة بالهجرة واللجوء مثل الميثاق العالمي للهجرة، والميثاق العالمي للاجئين".
مساهمة "إيجابية" في الاقتصاد
وأظهرت دراسات منظمة الهجرة الدولية والبيانات، التي جمعتها من السفارات، أن أكثر من ثلث المهاجرين في مصر (37٪) يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة، ما يشير إلى أنهم يساهمون "بشكل إيجابي" في سوق العمل، ونمو الاقتصاد المصري.
وبدأت المنظمة في الشهور الأخيرة ملاحظة ظهور عدد كبير من المتاجر، التي تبيع منتجات سودانية بجانب محال تجارية قديمة تبيع منتجات سورية، ففي شوارع محافظتي القاهرة والجيزة تظهر بوضوح محالاً تجارية لبيع منتجات غذائية سودانية، وكذلك مقاهي تبيع مشروبات وعصائر سودانية.
وأشار تقرير المنظمة الصادر في أغسطس 2022، أن المهاجرين في مصر يساهمون بشكل إيجابي في سوق العمل ونمو الاقتصاد المصري. فعلى سبيل المثال، يعتبر السوريون الذين يشكلون 17٪ من أعداد المهاجرين الدوليين في مصر من أفضل الجنسيات، التي تساهم بشكل إيجابي في سوق العمل والاقتصاد المصري.
ويقدر حجم الأموال التي استثمرها 30 ألف مستثمر سوري مُسجل في مصر بنحو مليار دولار، ما يعكس أهمية تعزيز اندماج المهاجرين، لأثره الإيجابي على المجتمعات المُضيفة.
ويظهر التقرير أن متوسط عمر المهاجرين في مصر هو 35 عاماً، وبالنسبة إلى مدة إقامة المهاجرين في مصر، أظهر التقييم أن 60٪ من المهاجرين مندمجون جيداً في المجتمع المصري لأكثر من 10 سنوات (5.5 مليون شخص)، مع 6٪ يعيشون باندماج داخل المجتمع المصري لمدة 15 عاماً أو أكثر (بما في ذلك الأجيال الثانية).
وتقدر المنظمة الدولية للهجرة، أن 15٪ من المهاجرين الدوليين في مصر (بين 1.1 إلى 1.300.000) يمكن اعتبارهم مهاجرين "مستضعفين"، أو أشخاصاً موضع اهتمام للمنظمة، والذين ربما يكونون في حاجة إلى مساعدة مخصصة.