بعد أعنف هجوم على اللاجئين.. من يتحمل مسؤولية ما يجري للسوريين في تركيا؟

عضو حزب "الظفر": لماذا لا تستقبلهم الدول العربية؟.. من الأفضل أن يرحلوا

time reading iconدقائق القراءة - 9
صورة من فيديو لسيارات شرطة وإسعاف في ولاية قيصري التركية خلال اعتداءات عنصرية ضد اللاجئين السوريين. 1 يوليو 2024 - Reuters
صورة من فيديو لسيارات شرطة وإسعاف في ولاية قيصري التركية خلال اعتداءات عنصرية ضد اللاجئين السوريين. 1 يوليو 2024 - Reuters
إسطنبول-الشرق

"كنا نائمين مطمئنين في بيوتنا مساءً، قبل أن تُنغّص علينا حياتنا مجموعة من العنصريين الذين هجموا ليلاً على منزلنا بالحجارة. في البداية لم أعرف ماذا يحدث، ولماذا يهجمون علينا. لم يتمكن أطفالي من النوم في تلك الليلة، لكن لا خيار آخر أمامنا، لا نستطيع العودة إلى سوريا، ولا المغادرة إلى أوروبا، خيارنا الوحيد أن نقبل بما نتعرض له من عنصرية، مجبرين مكرهين لا راغبين".

هكذ وصفت مرام (اسم مستعار)، لـ"الشرق"، ما تعرضت له هي وعائلتها في ولاية قيصري وسط تركيا التي شهدت هجمات عنصرية ضد اللاجئين السوريين.

وعاشت ولاية قيصري، الأحد، حالة من التوتر والاضطرابات وأعمال شغب، بعد وقوع اعتداءات على لاجئين سوريين وإحراق ممتلكاتهم، على خلفية انتشار أخبار تتعلق باتهام شاب سوري بالتحرش بطفلة تركية، قبل أن يتبين لاحقاً أنها سورية قاصرة.

وبدأت القصة عندما انتشر مقطع مصور لشاب سوري يتحرش بطفلة في أحد المرافق العامة، مما أثار غضب أتراك اعتقدوا أن الضحية تركية، فنزل المئات منهم إلى الشوارع في مظاهرات ليلية غاضبة، اعتدت خلالها مجموعات من الأتراك على اللاجئين السوريين في الولاية، وأحرقوا ممتلكاتهم، وحطموا سياراتهم في الشوارع، مطلقين شعارات تطالب بترحيل جميع السوريين واستقالة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

من جهته، أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا توقيف 474 شخصاً على خلفية الأعمال الاستفزازية بعد الأحداث التي شهدتها قيصري، وأن 285 منهم لديهم سجلات جنائية مختلفة، واصفاً الأحداث واستهداف السوريين بـ"الأعمال القبيحة".

حادثة قيصري وما أعقبها من أعمال شغب وعنف في عدد من المدن التركية، ومناطق شمال غرب سوريا، أعادت ملف اللجوء السوري في تركيا، وخطاب الكراهية والعنصرية إلى الواجهة من جديد، فتبادلت الحكومة والمعارضة التركية الاتهامات بشأن الأسباب التي أسفرت عن هذه النتائج التي لاقت إدانات واسعة من عدة أطراف.

"مسؤولية أردوغان"

في تعليقها على تعاطي الحكومة التركية مع أحداث العنف ضد اللاجئين السوريين، قالت القيادية في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا آليكون تكين: "كما قال رئيسنا أردوغان، النظام العام خط أحمر بالنسبة للدولة التركية، لن نتهاون مع الأيادي التي تطول علمنا، وكذلك التي تمتد إلى اللاجئين في بلادنا. لا يمكن لتركيا أن تخذل من لجأ إليها وطلب الحماية. في البداية هناك من أثار الفوضى في قيصري، بناء على قضية تحرش مثيرة للاشمئزاز، لكن الفصل الثاني من هذه المسرحية تم تنظيمه ضد المصالح التركية والوجود التركي في شمالي سوريا".

وحول التقارب بين أنقرة ودمشق، الذي ازداد الحديث عنه مؤخراً في ضوء تصريحات أردوغا التين أبدى فيها استعداده للقاء نظيره السوري بشار الأسد، معتبراً أنه "لا يوجد سبب لعدم إقامة علاقات مع دمشق"، قالت تكين، في حديث لـ"الشرق"، إن "تركيا اتخذت موقفاً مبدئياً منذ البداية تجاه المأساة الإنسانية في سوريا والناجمة عن اضطرابات داخلية، وقد عملت على تحديث سياستها الخارجية بما يتماشى مع المصالح الوطنية، ولم تتردد في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة التهديدات التي تواجه أمننا القومي".

وشهدت العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق توتراً بعد العام 2011، إذ انحازت الحكومة التركية إلى المعارضة السورية، وقدمت الدعم للفصائل المسلحة واستقبلت مئات آلاف اللاجئين، متهمة الحكومة السورية بقمع الاحتجاجات واستخدام العنف المفرط تجاه مواطنيها، بينما اتهم الأسد أردوغان بزعزعة استقرار سوريا والسماح للجماعات "الإرهابية" بالدخول إلى أراضيها.

وفي حين لم تعلق المسؤولة في "العدالة والتنمية" بمقاطعة إسطنبول عن إمكانية حصول لقاء بين رئيسي البلدين، حمّل أنس نزيبلي أوغلو العضو في حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، الحكومة مسؤولية كل ما يحدث، وقال، في حديث لـ"الشرق"، إن "سياسة حكومة أردوغان تجاه الشرق الأوسط، وتجاه سوريا واللاجئين، انهارت وأفلست".

وأضاف نزيبلي: "هذه الحكومة لم تتمكن من حل الأزمة السورية التي تسببت بها، بل جعلت تركيا رهينة للأزمة، فقد دمّرت سياسات أردوغان سوريا وجعلت تركيا مستودعاً للاجئين في العالم، ولم يتردد في التفاوض مع أوروبا على حساب حياة هؤلاء الناس، كما أن حكومته تجاهلت المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والديموغرافية التي يسببها العدد المتزايد من اللاجئين في تركيا، ولم تتخذ أي مبادرة لحلها".

ورأى المعارض التركي أن على حكومة رجب طيب أردوغان إعادة تحديد سياستها تجاه سوريا، والاعتراف بأن استمرار الوضع الراهن وصل إلى نقطة انسداد، وتابع: "يجب عليهم (الحكومة التركية) نشر خريطة طريق واقعية وقابلة للتطبيق لحل المشكلة، بما في ذلك إعادة اللاجئين بطريقة آمنة".

نهاية "وقت الضيافة"

أما أحمد توبراك، وهو عضو في "حزب الظفر" (النصر) اليميني المتطرف، اعتبر أن ما حصل هو "ردة فعل طبيعية من الأتراك الغاضبين على ملايين اللاجئين الذين وصلوا إلى تركيا على مدار 13 عاماً".

وفي حديث لـ"الشرق"، قال توبراك: "انتهى وقت الضيافة، وعلى أردوغان التحدث مع بشار الأسد وإعادة السوريين إلى بلادهم. إذا كان السوريون يرون أن تركيا دولة عنصرية فلماذا يبقون بها؟ الحرب في سوريا يبدو أنها انتهت، وليس هناك سبب منطقي لبقائهم، فقد سئم الشعب التركي من كثرة السوريين".

وأضاف عضو الحزب اليميني المتطرف: "ما جرى قد يتكرر، أنا لا أشجع على العنف، لكن القضية وصلت إلى مرحلة مبالغ فيها، ومن الأفضل أن يرحل هؤلاء. لماذا لا تستقبلهم الدول العربية؟ السوريون عرب، والدول العربية أولى بهم من تركيا، يجب أن يرحل السوريون من هنا، يمكنهم العودة إلى بلدهم وبناء دولتهم، وفي المستقبل يمكنهم المجيء إلى تركيا كسياح وليس كلاجئين".

وعلى خلاف الأصوات المتشددة ضد اللاجئين في تركيا، أظهر آخرون تعاطفهم مع الظروف المأساوية التي يعيشها السوريون، ومن بين هؤلاء الصحافية التركية الشهيرة سما كيزلي أرسلان، التي وصفت ما يجري مع السوريين بأنه "يفطر القلب"، معتبرةً أن "ما يقوم به العنصريون ضد اللاجئين لا يمكن وصفه إلا بالفاشية، ولا يمكن لإنسان أن يقبل بما يجري".

لكن أرسلان أرجعت السبب الرئيسي لذلك إلى سياسة الهجرة التي تغيرت عدة مرات في العام الماضي.

الاقتصاد وأسباب أخرى وراء العنف

وفي ظل تراجع الاقتصاد التركي وتدني قيمة الليرة في السنوات الأخيرة، حمّلت المعارضة التركية حكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم مسؤولة التدهور الاقتصادي، لا سيما ما يتعلق بملف اللاجئين، الأمر الذي لاقى صدى لدى الكثير من الأتراك، وأدى إلى ازدياد النقمة على مجتمعات اللاجئين في البلاد.

في حديث لـ"الشرق"، قال الصحافي التركي إسماعيل تشوكتان إن هناك أسباب عدة وراء أعمال الشغب والاحتجاجات التي تطال اللاجئين، وأحدها هو "الوضع الاقتصادي المتدهور في تركيا، والذي بدأت أعراضه بالظهور منذ 2019، وقد حمّلت مجموعات وأطراف سياسية السوريين مسؤولية ذلك، رغم أن السوريين لا علاقة لهم بتراجع الوضع الاقتصادي في تركيا، بل بالعكس تماماً، حيث حاولوا بناء حياة، وبذلوا جهودهم كي لا يكونوا عبئاً على أحد".

وتابع تشوكتان: "بالطبع الاقتصاد ليس العامل الوحيد، فهناك عوامل أخرى، منها عدم توفير قوانين لحماية اللاجئين، لأن تركيا ليست ألمانيا ولا فرنسا، إذ لم تستطع وضع قوانين لحماية هذا القدر الكبير من اللاجئين، وعندما بدأت الأزمة السورية عام 2011 كانت التوقعات أنها سوف تنتهي في وقت قصير، لكن ما حدث كان عكس التوقعات، لذلك في البداية فتحت تركيا أبوابها للاجئين، ثم وجدت نفسها في موقف لم يكن بالحسبان، واليوم لا توجد إمكانية لترحيل الملايين إلى سوريا، وأبواب أوروبا مغلقة أمامهم".

ورأى الصحافي التركي أن أعمال العنف ضد اللاجئين السوريين "لا تمثل الرأي العام التركي"، ورغم أن "الصوت العنصري مرتفع بالفعل، إلا أنه يصدر من فئة معينة وليس من جميع الأتراك، وما أخشاه أن تكون هذه العنصرية بضوء أخضر من الحكومة لغاية ما".

ويعتقد تشوكتان أن هناك تضارباً في المواقف داخل الحكومة التركية تجاه دمشق، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن "تركيا تدخلت في سوريا من أجل مصالحها الوطنية"، وقال: "قبل أسبوع اعتبر هاكان فيدان أن النظام السوري فشل في محاورة معارضيه، وبعد ذلك خرج أردوغان قائلاً إن لا مانع لديه من لقاء بشار الأسد، وهذا يعني أن هناك آراء مختلفة داخل الحكومة التركية فيما يتعلق بتعاملها مع الملف السوري".

وفي العام 2016، توصل المجلس الأوروبي وتركيا إلى اتفاقية هجرة لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا، وذلك عبر دعم توطينهم في الأراضي التركية.

ومنذ العام 2011، حصلت تركيا على نحو 10 مليارات يورو (10.8 مليار دولار) من الاتحاد الأوروبي لمساعدة اللاجئين والمجتمعات المضيفة.

تصنيفات

قصص قد تهمك