ألقى الإيرانيون باللوم في أزمة نقص الأدوية التي تعانيها البلاد، على العقوبات الغربية وسوء الإدارة المحلية، إذ تحد التدابير التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية والمعاملات المصرفية من قدرتها على دفع مستحقات الموردين الأجانب، وفق صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وتنفي إيران والولايات المتحدة أن يكون للعقوبات تأثير على إمدادات الأدوية، فيما تحرص طهران، التي تدعم واردات الأدوية، على تجنب الذعر وتقول إن احتياجاتها من الأدوية "يتم تلبيتها بالكامل تقريباً من قبل المنتجين المحليين"، في حين تؤكد واشنطن أن "الغذاء والدواء معفيان من القيود".
لكن المرضى والأطباء يقولون إن العقوبات زادت بشكل كبير من التكاليف والمخاطر التي يتعرض لها المرضى، إذ زعم كثيرون أن الإعفاءات الإنسانية الأميركية موجودة فقط على الورق.
وقالت جمعية الثلاسيميا الدولية، إن حوالي 1100 مريض بالثلاسيميا (أحد أمراض الدم) لقوا حتفهم بسبب عدم توفر الأدوية منذ عام 2018، عندما انسحب الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، الذي وقعته إيران مع القوى العالمية، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية.
وأضافت الجمعية أن نحو 280 مريضاً توفوا، العام الماضي، وحده، مقارنة بمتوسط الوفيات السنوية بسبب المرض والذي بلغ أقل من 30 حالة قبل عام 2018، في حين حذرت لجنة الصحة بالبرلمان، في أبريل الماضي، من أن إيران "تواجه نقصاً في أكثر من 200 دواء"، في وقت قدر آخرون النقص بنحو 300 دواء.
"كذبة كبرى"
وقال يونس عرب، الذي يرأس جمعية الثلاسيميا الإيرانية: "كل هذا كذبة كبرى. إنهم يستخدمون أي حادث سياسي في أي مكان في العالم كذريعة لتأخير تسليم الأدوية".
وأضاف: "المورد السويسري لدواء الثلاسيميا لا يقبل سوى المدفوعات بعملات مختارة، والتي لم يعد بإمكان إيران الوصول إليها، ثم يستغرق ذلك أشهراً لتلبية الطلب، حتى أن العديد من الشركات ترفض التعامل مع إيران، خوفاً من الإجراءات العقابية الأميركية".
وتابع عرب: "الحرب التي نخوضها الآن أصعب بكثير. يموت الأبرياء، ليس بسبب الإصابات، ولكن لأن العقوبات خنقت إمدادات الأدوية".
ويقول الصيادلة إن أدوية أمراض أخرى مثل السرطان واضطرابات نقص المناعة والتصلب المتعدد والهيموفيليا والأمراض العقلية، نادرة بشكل خاص.
وأقام المئات من مرضى الثلاسيميا دعوى قضائية ضد الحكومة الأميركية في محكمة طهران، في مايو الماضي، قالوا فيها إن "العقوبات غير العادلة أعاقت وصولهم إلى الأدوية".
ولم تتمكن إيران من الوصول إلى 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المخصصة للاستخدام الإنساني، والتي رُفع الحظر عنها ونقلت إلى قطر بعد صفقة تبادل الأسرى بين واشنطن وطهران، العام الماضي.
في السياق، قال ياشا مخدومي، رئيس الجمعية الإيرانية لعلم الأورام الإشعاعي (ISRO)، وهي منظمة غير حكومية مقرها طهران، لصحيفة "فاينانشال تايمز" إن "الهند لديها أدوية جيدة، ولكن بعض أدوية السرطان الهندية التي تصل إيران ذات جودة رديئة".
وأضاف: "خدمات السرطان مجانية أو ذات تكلفة زهيدة في المستشفيات العامة، ولكن المرضى يجب أن يدفعوا جزءاً من تكلفة التشخيص والعلاج، كما يواصل بعض المرضى والأطباء البحث عن الأدوية الأجنبية الموثوقة التي لا تتوفر إلا في السوق السوداء بأسعار باهظة، أو في العيادات الخاصة باهظة الثمن".
وتابع مخدومي: "مع ارتفاع التضخم إلى حوالي 40% لسنوات، يواجه العديد من المرضى وأسرهم تكاليف مدمرة، إذ باتت تكلفة علاج سرطان الثدي حوالي 17 ألف دولار في العيادات الخاصة وأكثر، إذا تم استخدام أدوية أجنبية أحدث".
وقال علي مطلاك، رئيس قسم السرطان السابق بوزارة الصحة: "عندما تمنع العقوبات شركات الأدوية الأجنبية من إنشاء مكاتب في إيران، يتولى السماسرة البيع بأسعار مبالغ فيها. الأطباء غير قادرين على ضمان صحة الأدوية المشتراة بشكل غير قانوني".
تعهدات حكومية
وفي الإطار، استغل الرئيس الجديد مسعود بيزشكيان، هذه القضية خلال حملته الانتخابية، قائلاً إنه لن "يتحدث بشعارات من شأنها أن تجعل الشعب الإيراني عرضة لعقوبات الأدوية".
وقال بيزشكيان، أول رئيس إصلاحي منذ عقدين من الزمن والذي أدى اليمين الدستورية في 30 يوليو، إن العقوبات "ألحقت معاناة وموتاً ودماراً لا يوصف بالشعب الإيراني".
ويواجه المرشح لمنصب وزير الصحة، محمد رضا ظفرقندي، الذي وعد بمعالجة المشكلات الضخمة التي يعاني منها قطاع الصحة، صعوبة في الحصول على تصويت الثقة، هذا الأسبوع، من البرلمان المتشدد، الذي ألقى بظلال من الشك على ولائه للنظام الديني.
وقال ظفرقندي للمشرعين الأحد، إن إصلاح نقص الأدوية كان على رأس الأولويات، حتى لا يشعر المرضى بأي قلق بخلاف التعامل مع المعاناة التي يسببها المرض.
وأوقفت الولايات المتحدة الموافقة على تحويلات الأدوية إلى طهران، بسبب دعم إيران لحركة "حماس" في الحرب الإسرائيلية على غزة التي بدأت منذ 7 أكتوبر، لكن الحكومة الإيرانية تقول إنها قادرة على إنتاج ما يكفي من الأدوية لتلبية 99% من احتياجاتها.
واعتمدت إيران تقليدياً على الواردات الطبية الأوروبية، لكن الندرة خلقت سوقاً للمنتجات الأجنبية دون المستوى، وبصرف النظر عن التأثير الفوري على الواردات، هناك مخاوف بشأن العواقب الأوسع نطاقاً على قطاع الصحة في البلاد.