أظهر بحث جديد أن الطيور مثل البشر، تقل لديها عدد الصداقات مع تقدمها في العمر، وتقول الورقة المنشورة في الجمعية الملكية البريطانية للعلوم البيولوجية إن تلك المخلوقات "ربما لم تعد ترى دافعاً لذلك"، مشيرة إن هذا السلوك قد يكون نابعاً من عدم وجود "ضغط تطوري" يفرض عليها تكوين علاقات جديدة.
لطالما اعتُقد أن قلة الأصدقاء لدى البشر الأكبر سناً ترجع إلى كونهم أكثر انتقائية في اختيار من يقضون وقتهم معهم، كما أن نقص الأقران من نفس العمر قد يساهم في ذلك، ولكن من الصعب تمييز الأسباب المختلفة لهذا السلوك لدى البشر، لذا توجه الباحثون إلى الحيوانات لدراسة هذا النمط.
وقام الباحثون بمتابعة مجموعة من طيور العصفور الدوري Old World sparrows على جزيرة لندي في المملكة المتحدة.
وتتميز جزيرة لندي بوجود مجتمع مغلق من ذلك النوع من الطيور، حيث لا يغادر أو ينضم إليها أفراد جدد، مما سمح للباحثين بجمع بيانات دقيقة عن هذه الطيور بما في ذلك أعمارها، ومدى نجاحها في التكاثر، وشبكاتها الاجتماعية.
شبكة العلاقات الاجتماعية
وبفضل التعداد الثابت للطيور على الجزيرة، تمكن الفريق من متابعة أعمار وتفاعلات هذه الطيور بدقة على مدار 25 عاماً، وقد أظهرت النتائج أن العصافير الأكبر سناً تميل إلى تقليص شبكاتها الاجتماعية، مما يجعلها أكثر انعزالاً مع تقدمها في العمر، تماماً مثل البشر.
ويقول الباحثون إن هذا النمط التطوري ربما يكون سارياً أيضاً على البشر، إذ يصبح الأشخاص أقل رغبة في تكوين صداقات جديدة مع تقدمهم في العمر خاصة مع نقص الأصدقاء المحتملين من نفس الفئة العمرية، قد يكون هذا أحد أسباب أزمة الوحدة التي يعاني منها كثير من كبار السن.
والدراسة هي الأولى من نوعها التي تشير إلى أن الطيور، مثل الثدييات، تقلل عدد علاقاتها الاجتماعية مع تقدمها في العمر، وتصبح أقل مركزية في شبكة العلاقات الاجتماعية.
أظهرت دراسات سابقة للفريق أن تكوين الصداقات، وخاصة مع الجنس الآخر، يساعد العصافير على التكاثر بنجاح.
لكن الدراسة الحديثة تناولت الجوانب الأخرى للحياة، إذ أظهرت أن قلة التفاعل الاجتماعي لدى الطيور الأكبر سناً لا يترتب عليها أي "تكلفة تطورية"؛ إذ لا يوجد تأثير سلبي على فرص نقل الجينات إلى الأجيال القادمة.
ويوضح الباحثون أن "الود" أو "التفاعل الاجتماعي" قد يتغير مع العمر؛ فالطيور الشابة تستفيد من الصداقات في عملية التكاثر، ولكن بمجرد أن تنجح في ذلك، يبدو أن فقدان الود أو الصداقات ليس له تأثير سلبي عليها.
لكن دراسة أخرى نُشرت، الاثنين، في نفس الدورية تؤكد أن الأنواع الكائنات الاجتماعية تعيش عمراً أطول.
وكشفت تلك الدراسة التي أجرتها جامعة أكسفورد أن الكائنات الأكثر اجتماعية تعيش عمراً أطول، وتتمتع بفترة تكاثر أطول مقارنة بالأنواع الأكثر انعزالاً.
وشملت الدراسة أنواعاً متعددة من المملكة الحيوانية، من قناديل البحر إلى البشر، تُعد أول دراسة شاملة تربط بين الحياة الاجتماعية وطول العمر وتعدد فرص التكاثر.
وتُظهر النتائج أن الكائنات الاجتماعية تتمتع بالعديد من الفوائد، مثل تقاسم الموارد، والحماية من المفترسات، ودعم تربية الصغار، إلا أن العيش في مجموعات قد يتسبب في بعض التحديات أيضاً، مثل زيادة احتمالية انتشار الأمراض، وزيادة التنافس والعدائية والصراعات بين الأفراد.
الكائنات الاجتماعية أطول عمراً
وقام الباحثون بقيادة البروفيسور "روب سالجيرو جوميز" من جامعة أكسفورد، بتحليل 152 نوعاً من الكائنات، شملت الطيور والثدييات والحشرات والشعاب المرجانية.
وأظهرت النتائج أن الأنواع الاجتماعية تعيش لعمر أطول، وتتأخر في الوصول لمرحلة النضج، وتتمتع بنجاح أكبر في التكاثر مقارنة بالأنواع الأكثر انعزالاً.
وعلى الرغم من أن هذه الكائنات قد لا تكون الأكثر تكيفاً مع التغيرات البيئية السريعة، إلا أنها غالباً ما تتميز بقدرة عالية على الصمود كجماعات.
كما أظهرت الدراسة أيضاً أن الحياة الاجتماعية تؤثر على مدى قدرة الكائنات على التكاثر والبقاء مع تقدم العمر، إذ يمكن للأصدقاء أو الحلفاء في المجتمع أن يوفروا الحماية ضد الافتراس، مما يسهم في إطالة العمر.
في المقابل، قد يؤدي التوتر الناتج عن التسلسل الهرمي والصراعات الاجتماعية إلى تأثيرات سلبية.
يقول "سالجيرو جوميز" إن الحياة الاجتماعية جزء أساسي في حياة العديد من الحيوانات، ومع ذلك لا يزال لدينا نقص في الأدلة التي تشمل أنواعاً مختلفة وتبيّن تكاليف وفوائد الحياة الاجتماعية.
وأظهرت الدراسة أن الأنواع الأكثر اجتماعية، مثل القرود والبشر والأفيال وطيور الفلامينجو، تعيش عمراً أطول وتتمتع بفترة تكاثر ممتدة مقارنةً بالأنواع المنعزلة مثل بعض الأسماك والزواحف.