أرسلت الصين ثلاثة رواد فضاء إلى محطتها الفضائية المأهولة، حيث سيجرون عشرات التجارب العلمية بعضها يتعلق ببناء مساكن بشرية.
ووفقاً لوسائل إعلام رسمية، انطلقت المركبة الفضائية شنتشو-19، وطاقمها المكوَّن من ثلاثة أفراد على متن صاروخ من طراز لونج مارش-2 إف من مركز جيوتشيوان لإطلاق الأقمار الاصطناعية في شمال غرب الصين في الساعة 4:27 صباح الأربعاء بالتوقيت المحلي (2027 بتوقيت جرينتش الثلاثاء).
وقال لين شي تشيانج، نائب مدير وكالة الفضاء المأهول الصينية، في مؤتمر صحافي: "خلال رحلة شنتشو-19، سيتم إجراء 86 تجربة علمية وتكنولوجية فضائية في مجالات علوم الحياة الفضائية، وفيزياء الجاذبية الصغرى، والمواد، والطب، والتقنيات الجديدة".
الطوب القمري
ومن المتوقع أن تتضمن إحدى هذه التجارب تعريض طوب مصنوع من تربة تحاكي تربة القمر لظروف الفضاء.
وإذا أثبتت الاختبارات نجاحها، يمكن أن يكون الطوب القمري مادة رئيسية تستخدم في بناء محطة أبحاث دائمة على القمر، والتي تأمل الصين إكمالها بحلول عام 2035، إذ ستكون من الناحية النظرية أكثر ملاءمة من نقل مواد البناء من الأرض.
وسيتم إرسال الطوب في رحلة شحن فضائية غير مأهولة منفصلة إلى طاقم شنتشو-19 الشهر المقبل.
ورحلات الفضاء المأهولة باستخدام المركبة شنتشو عنصر منتظم في برنامج الفضاء الصيني على مدى العقدين الماضيين، وزادت وتيرة ذلك في السنوات القليلة الماضية، مع قيام الصين ببناء وتشغيل محطة الفضاء (تيانجونج) التي اكتملت رسمياً في نوفمبر 2022.
تطور برنامج الفضاء الصيني
وأثار التطور السريع لبرنامج الفضاء الصيني المأهول، وغير المأهول قلق الولايات المتحدة التي واجهت مشكلات مع رحلاتها الفضائية المأهولة.
ومنذ إطلاق المركبة شنتشو-14 في يونيو 2022، تضمنت مهمات شنتشو ثلاثة رواد فضاء وإقامات في الفضاء لمدة ستة أشهر، مع فترة تداخل لعدة أيام كي يسلم الطاقم المغادر المحطة للمجموعة التي وصلت حديثاً.
ومن المتوقع أن يعود طاقم شنتشو-19 إلى الأرض العام المقبل في أبريل أو مايو.
سباق الفضاء واستكشاف القمر
لا يزال القمر، أقرب رفيق سماوي للأرض، يثير فضول العلماء والعامة على حد سواء، وفي حين تمت دراسة الوجه المألوف للقمر ورسم خرائط له، إلا أن "جانبه البعيد يظل محاطاً بالغموض".
ويشار للجانب البعيد من القمر غالباً بـ"الجانب المظلم" ليس لأنه يفتقر إلى ضوء الشمس، لكن لأنه لا يزال مجهولاً إلى حد كبير، إذ يُقدّم هذا النصف الغامض تضاريس مختلفة تماماً عن نظيره القريب.
وعلى عكس السهول الناعمة القمرية التي تُميّز الجانب القريب، فإن الجانب البعيد وعر ومليء بالفوهات، ويشبه المناظر الطبيعية المقفرة الأخرى في النظام الشمسي.
ومن أبرز معالمها حوض القطب الجنوبي-أيتكين، وهو أحد أكبر الحُفَر في النظام الشمسي بأكمله، وبفضل تضاريسه الفريدة، يُمكن أن يقدم الجانب البعيد لمحة عن التاريخ العنيف للتأثيرات القمرية، والعمليات الجيولوجية.
مبادرات رائدة
وظَل الجانب البعيد مخفياً عن أعين البشر، ولا يمكن الوصول إليه إلا من خلال الصور التي التقطتها المجسات الفضائية. وفي عام 1959، التقطت المركبة الفضائية السوفييتية "لونا 3" الصور الأولى لهذا النصف الغامض من الكرة الأرضية، وكشفت للعالم عن تضاريسه غير المستكشفة.
وأتاحت المهمات اللاحقة، بما في ذلك رحلة "أبولو 8" الشهيرة في عام 1968، لرواد الفضاء مشاهدة الجانب البعيد بشكل مباشر، الأمر الذي مَثَّل لحظة تاريخية في استكشاف الفضاء.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات، كان الاستكشاف البشري والهبوط مقتصراً على الجانب القريب من القمر حتى 3 يناير 2019، عندما حققت المركبة الفضائية الصينية "تشانج آه 4" الإنجاز التاريخي المتمثل في الهبوط على الجانب البعيد.
وفتحت هذه المهمة الرائدة إمكانيات جديدة للاكتشاف والاستكشاف العلمي، ما مهَّد الطريق للمهام القمرية المستقبلية.
وبرز برنامج استكشاف القمر الصيني كمبادرة رائدة تهدف إلى كشْف أسرار الجار السماوي للأرض، إذ تم تصميم البرنامج في صورة 4 مراحل منفصلة، تُمثّل كل منها علامة بارزة في استكشاف القمر.