كائنات مجهرية قديمة تمهّد الطريق لجيل جديد من المضادات الحيوية

time reading iconدقائق القراءة - 5
رسم توضيحي يظهر الكائنات المجهرية "العتائق" في فتحات حرارية عميقة، وهي واحدة من بيئات قاسية عديدة تزدهر فيها هذه الكائنات - https://delafuentelab.seas.upenn.edu/lab-members/
رسم توضيحي يظهر الكائنات المجهرية "العتائق" في فتحات حرارية عميقة، وهي واحدة من بيئات قاسية عديدة تزدهر فيها هذه الكائنات - https://delafuentelab.seas.upenn.edu/lab-members/
القاهرة -محمد منصور

تمكّن فريق بحثي من "جامعة بنسلفانيا" الأميركية من اكتشاف مركبات جديدة واعدة، بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، داخل كائنات مجهرية تُعرف بـ"العتائق"، وهي من أقدم أشكال الحياة على الأرض، تعيش في بيئات بالغة القسوة، مثل الفتحات الحرارية العميقة وينابيع المياه فائقة السخونة.

وتوضح الدراسة، التي نُشرت في دورية Nature Microbiology، الإمكانات الكبيرة لهذه الكائنات في إنتاج جيل جديد من المضادات الحيوية، القادرة على مواجهة البكتيريا المقاومة للأدوية.

ويقول المؤلف المشارك في الدراسة سيزار دي لا فوينتي، الأستاذ في الهندسة الحيوية والهندسة الكيميائية والجزيئية الحيوية بجامعة بنسلفانيا، إن "الجهود السابقة في البحث عن المضادات الحيوية ركزت على الفطريات والبكتيريا والحيوانات"، لكن مختبره "قرر التوجه نحو مجال آخر من الحياة لم يُستكشف بعد".

والعتائق هي كائنات مجهرية وحيدة الخلية تُصنف ضمن أحد المجالات الثلاثة الأساسية للحياة على كوكب الأرض، إلى جانب البكتيريا والكائنات حقيقية النوى.

ورغم أن مظهرها تحت المجهر يشبه البكتيريا، فإنها تختلف عنها جذرياً في بنيتها الجينية، وتركيب أغشيتها الخلوية، ومساراتها الكيميائية الحيوية. هذه الخصائص تمنحها قدرة استثنائية على العيش في بيئات شديدة القسوة تُعد قاتلة لمعظم أشكال الحياة الأخرى.

قدرة "العتائق" في التكيف

وتعيش "العتائق" في أماكن شديدة القسوة، مثل الفتحات الحرارية المائية في أعماق المحيطات، والينابيع الحارة الغنية بالأحماض، والبحيرات المالحة، وحتى في الصخور العميقة تحت سطح الأرض.

وجعلت قدرة "العتائق" على التكيف مع درجات الحرارة العالية جداً أو المنخفضة للغاية، والضغوط الهائلة، والتركيزات المرتفعة من الأملاح أو الأحماض أو الغازات السامة، محط اهتمام العلماء بوصفها نموذجاً لدراسة الحياة في الظروف المتطرفة، بل وأيضاً كمصدر محتمل لجزيئات وعمليات بيولوجية فريدة قد تُستخدم في التطبيقات الطبية والصناعية. 

ويُعتقد أن العتائق من أقدم أشكال الحياة التي ظهرت على الأرض قبل أكثر من 3.5 مليار سنة، ما يجعلها نافذة على تاريخ التطور البيولوجي، وأداة لفهم كيف يمكن للحياة أن تزدهر في عوالم أخرى خارج كوكب الأرض.

اعتمد الفريق على نسخة مطورة من أداة ذكاء اصطناعي تُسمى APEX، صممت في الأصل لاكتشاف مرشحات لمضادات حيوية في الكائنات القديمة، بما في ذلك حيوانات منقرضة.

قام الباحثون بتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي APEX 1.1 على آلاف "الببتيدات"، وهي جزيئات حيوية تتكون من عدد محدود من الأحماض الأمينية، المعروفة بخصائصها المضادة للميكروبات، إضافة إلى بيانات عن أنواع من البكتيريا الممرضة للإنسان. وقد مكّن تدريب هذا النموذج من التنبؤ بـ"الببتيدات" الموجودة في "العتائق" التي يمكنها إعاقة نمو البكتيريا.

وبعد فحص 233 نوعاً من "العتائق"، حدّد النظام أكثر من 12 ألف مركب محتمل أطلق عليها العلماء اسم "أركياسينز"، واتضح من التحليل الكيميائي أنها تختلف عن "الببتيدات" المضادة للميكروبات، خصوصاً في توزيع الشحنة الكهربائية.

واختبر الفريق 80 مركباً من "الأركياسينز" ضد بكتيريا ممرضة مقاومة للأدوية، وأظهرت النتائج أن 93% منها امتلك نشاطاً مضاداً للميكروبات على الأقل ضد نوع واحد من البكتيريا، كما اختير ثلاثة مركبات للتجربة على نماذج حيوانية، وتمكنت جميعها من إيقاف انتشار بكتيريا مقاومة شائعة في المستشفيات، بعد جرعة واحدة خلال أربعة أيام. 

مقاومة المضادات الحيوية

  •  تصيب أي شخص بغض النظر عن العمر أو مكان الإقامة.
  • تحدث طبيعياً لكن سوء الاستخدام يسرّع من انتشارها.
  •  جعلت علاج أمراض مثل الالتهاب الرئوي والسل والسيلان أكثر صعوبة بسبب انخفاض فعالية الأدوية المعتادة.
  • تؤدي لزيادة مدة البقاء في المستشفى وارتفاع التكاليف الطبية وزيادة الوفيات.
  • حتى مع تطوير أدوية جديدة، سيظل الخطر قائماً إذا لم تتغير أنماط الاستهلاك وسلوكيات استخدام المضادات الحيوية.
  • تنتشر عالمياً بمعدلات مقلقة مع ظهور آليات مقاومة جديدة تهدّد القدرة على علاج العدوى الشائعة.
  • بعض الأمراض أصبحت شبه مستحيلة العلاج بسبب ضعف فعالية المضادات الحيوية.
  • يزداد الخطر في الدول التي يُسمح فيها بشراء المضادات بدون وصفةطبية أو التي تفتقر لإرشادات علاجية واضحة.
  • إن لم تُتخذ إجراءات عاجلة، قد ندخل "عصر ما بعد المضادات الحيوية" حيث تصبح العدوى البسيطة قاتلة.

وأظهرت أحد هذه المركبات فعالية تضاهي "البوليمكسين B"، وهو مضاد حيوي يُستخدم كملاذ أخير في علاج العدوى المقاومة.

يخطط الباحثون لتطوير أداة APEX لتصبح قادرة على التنبؤ بالمضادات الحيوية بناءً على بنيتها الكيميائية، بهدف زيادة دقة النتائج، بالإضافة إلى دراسة فعالية وأمان "الأركياسينز" على المدى الطويل تمهيداً لإجراء تجارب سريرية على البشر.

وقال دي لا فوينتي: "هذه مجرد بداية، فالعتائق التي تمثل أقدم أشكال الحياة، لا تزال تحمل الكثير من الأسرار التي يمكن أن تساعدنا في التفوق على مسببات الأمراض الحالية".

تصنيفات

قصص قد تهمك