
لم يعد السؤال عن حدود قدرة البشر على الابتكار وغزو الفضاء محل الاهتمام الأكبر اليوم، إذ بات السؤال الأكثر طرحاً هو من سيقود سباق التطور هذا ويتقدم الآخرين؟
كان عام 2021 حافلاً باستكشاف الفضاء ومحاولة كشف أسراره، إذ شهد هذا العام أكثر من 100 مهمة خارج الأرض، وصلت 3 منها إلى كوكب المريخ، حتى أن البشر استطاعوا الاقتراب من حافة الشمس، بل وأصبحت السياحة الفضائية أمراً ممكناً.
3 بعثات للمريخ
قبل أقل من 100 عام كان الحديث عن الوصول إلى الكواكب الأخرى ضرباً من المبالغة والخيال، لكن يبدو أن ما كان مستحيلاً أصبح حقيقة اليوم، فقد استطاعت 3 دول خلال 2021 إرسال مركبات فضائية إلى المريخ، قاطعة ملايين الكيلومترات، اثنتان منها وطأت سطح الكوكب، والثالثة لا تزال تدور في فلكه.
بعد رحلة استمرت 7 أشهر، قطع خلالها مسافة 494 مليون كيلو متر، أعلنت دولة الإمارات في 9 فبراير الماضي وصول مسبار الأمل إلى مدار المريخ، ليستهل مهمته في جمع البيانات عن الغلاف الجوي للكوكب ومناخه، وبذلك أصبحت الدولة التي احتفلت هذا العام باليوبيل الذهبي لتأسيسها (50 عاماً) الخامسة على مستوى العالم التي تصل إلى الكوكب الأحمر.
ولم يمضِ أسبوع حتى نجح المسبار الذي بلغت تكلفته 200 مليون دولار، في إرسال أولى الصور التي التقطها عند شروق الشمس على ارتفاع حوالي 25 ألف كيلو متر فوق سطح المريخ، وأظهرت بركان "أوليمبوس"، الأكبر في المجموعة الشمسية.
وفي 18 من الشهر ذاته، هبطت مركبة تابعة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" بنجاح على سطح المريخ، لتكمل بذلك رحلة استغرقت نحو 7 أشهر، قطعت خلالها نحو نصف مليار كيلومتر. وهلل المهندسون في مركز التحكم بولاية كاليفورنيا فرحاً بنجاح المهمة.
ثم نشرت لاحقاً "ناسا" أول مقطع صوتي من المريخ، وهو صوت خافت للريح التقطته المركبة الجوالة "برسفيرنس".
وفي 14 مايو أصبحت الصين ثاني دولة على مستوى العالم تهبط على الكوكب الأحمر، بعد نجاح المركبة "تيانوين 1" غير المأهولة بالوصول إلى سطح المريخ، وتحديداً في موقع سهل يوتوبيا الجنوبي، واستغرقت رحلة المسبار، الذي يحمل اسم قصيدة صينية كُتبت قبل ألفي عام، 6 أشهر. وكانت بكين قد فشلت في مهمة سابقة عام 2011 بالتعاون مع روسيا.
سياحة الفضاء
خلال العامين الماضيين استاء الكثيرون من قيود السفر التي فرضتها الدول جراء تفشي وباء كورونا، لكن فيما يبدو لم تُشكل هذه القيود عقبة أمام الراغبين بالسفر خارج الأرض، إذ شهد 2021 بداية الرحلات السياحية إلى الفضاء، وكان من الواضح أن معظمها اقتصرت على الأثرياء.
في 11 يوليو نجحت شركة "فيرجن جالاكتيك" في أول رحلة مدنية إلى الفضاء، كان على متنها الملياردير ريتشارد برانسون، استمرت ساعة كاملة منذ إقلاع مركبتها الفضائية SpaceShipTwo من قاعدة في ولاية نيو مكسيكو، وتمكن طاقم الرحلة من الاستمتاع بخمس دقائق كاملة من انعدام الجاذبية، على ارتفاع 86 كيلو متراً، قبل العودة إلى داخل غلاف الأرض.
وقد وصف برانسون رحلته إلى الفضاء التي شاهدها الملايين عبر بث مباشر في "يوتيوب"، بأنها "تجربة فريدة في الحياة".
ثم سرعان ما انضم رجل الأعمال الأميركي ومؤسسة شركة أمازون، جيف بيزوس إلى نادي رواد الفضاء، على متن أول رحلة مأهولة لشركته "بلو أوريجن"، انطلقت إلى حافة الفضاء في 20 يوليو، مع ثلاثة أعضاء آخرين من طاقم يضم مدنيين بالكامل، محلقة على ارتفاع 107 كيلو مترات.
وفي 17 سبتمبر، نجح 4 سياح فضاء، ليس من بينهم أي رائد محترف، بالدوران 5 مرات ونصف المرة حول الأرض، في رحلتهم المسماة "إنسبيريشن 4"، داخل مركبة "سبيس إكس"، التابعة لشركة المليادرير إيلون ماسك.
ضمت الرحلة إضافة إلى المليادرير الأميركي جاريد إيزاكمان الذي تولى كافة التكاليف، الطبيبة هالي أرسينووسيان (29 عاماً)، أول ناجية من سرطان العظام تزور الفضاء، وأصغر أميركية تسافر خارج الأرض، فضلاً عن كونها أول من يزور الفضاء بطرف صناعي.
ودارت الرحلة على ارتفاع 590 كيلو متراً، في مدار أعلى من محطة الفضاء الدولية التي تسبح على ارتفاع 400 كيلومتر تقريباً.
وفي أكتوبر، عادت شركة بيزوس لتتصدر عناوين الأخبار مجدداً، خلال رحلة قصيرة خارج الأرض قام بها الممثل الشهير ويليام شاتنر (90 عاماً) ليصبح أكبر مسافر إلى الفضاء حتى الآن، إلى جانب 3 آخرين، واستغرقت الرحلة 10 دقائق قبل أن تهبط في صحراء تكساس.
ومن المتوقع أن تُمهد هذه الرحلات الطريق لمزيد من الزيارات الترفيهية خارج الغلاف الجوي للأرض.
محطة الفضاء الصينية
بعد 10 سنوات من حظر وصولها إلى محطة الفضاء الدولية بقرار أميركي، شقّت الصين طريقها هذا العام نحو بناء محطة فضائية خاصة بها، إذ أطلقت في نهاية أبريل صاروخاً، يحمل الوحدة الأساسية لإنشاء المحطة، في مشروع من شأنه أن يسمح لها بتأمين وجود دائم للرواد في الفضاء.
ويهدف العملاق الآسيوي إلى الانتهاء من بناء المحطة بحلول نهاية عام 2022، ومن المتوقع أن يبلغ وزنها بمجرد اكتمالها أكثر من 90 طناً، كما تسعى الصين إلى تخصيص 3 رواد فضاء للسكن طويل الأمد.
ثم أطلقت الصين في أكتوبر صاروخاً يحمل مركبة تقل 3 رواد فضاء، بينهم امرأة، إلى نواة محطتها الفضائية المستقبلية، حيث سيعيشون ويعملون لمدة 6 أشهر.
ويُنظر إلى هذا المشروع على أنه منافس للولايات المتحدة، التي يحظر قانونها منذ 2011، على بكين العمل مع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، وبالتالي يمنع سفر رواد الفضاء الصينيين إلى محطة الفضاء الدولية.
تصوير فيلم بالفضاء
لم يكن 2021 عام الوصول إلى المريخ والسياحة الفضائية فحسب. فإذا كان بالإمكان السفر بعيداً عن الأرض لماذا لا تحدث أشياء فريدة هناك؟ هذا تماماً ما قام به طاقم روسي يضم مخرجاً وممثلة، قضيا 12 يوماً في محطة الفضاء الدولية، لتصوير مشاهد سينمائية.
وتدور قصة الفيلم الذي يحمل اسم "التحدي"، حول طبيبة جراحة قلبية تتوجه إلى محطة الفضاء الدولية، في مهمة لإنقاذ حياة رائد فضاء.
وبالفعل هبطت المركبة "سويوز إم إس-18" عائدة لكازاخستان يوم 17 أكتوبر، وفق ما أظهرت لقطات بثتها آنذاك مباشرة وكالة الفضاء الروسية، وكان على متنها المخرج كليم تشيبينكو (38 عاماً)، والممثلة يوليا بيريسيلد (37 عاماً) التي اختيرت من بين نحو 3 آلاف مرشحة للدور، إضافة إلى رائد الفضاء أنتون شكابليروف.
مسبار يلامس الشمس
في سابقة تاريخية، استطاعت مركبة فضائية الاقتراب من الشمس لدرجة غير مسبوقة، بل وملامستها أيضاً، متحدية درجة حرارة الشمس التي تبلغ على سطحها أكثر من 5 آلاف درجة مئوية، في حين تزيد في باطنها عن 15 مليون درجة.
حدث ذلك في 15 ديسمبر، عندما أعلنت وكالة "ناسا" أن المركبة "باركر سولار بروب" بقيت داخل الغلاف الجوي 5 ساعات، قامت خلالها بقياس التقلبات في المجال المغناطيسي للشمس وأخذ عينات من الجسيمات، فيما اعتبر "قفزة عملاقة" لعلوم الطاقة الشمسية.
وأُطلقت هذه المركبة عام 2018، بهدف اختراق هالة الشمس ودراستها، وخلال هذه المهمة التي ستستمر طيلة 7 سنوات، يجب أن تقوم المركبة بـ26 مناورة حول أو داخل الغلاف الجوي للشمس.
أقوى تلسكوب في التاريخ
بعد أن حالت الظروف الجوية دون إطلاقه في أكثر من مناسبة، نجحت وكالة الفضاء الأميركية أخيراً في إطلاق التليسكوب العملاق "جيمس ويب" إلى الفصاء، على متن الصاروخ "أريان 5"، السبت، من مركز الفضاء في جويانا الفرنسية، في مهمة من شأنها إحداث ثورة في مراقبة الكون.
استغرقت الرحلة 27 دقيقة، قبل انفصال التلسكوب الذي سيوضع على مسار مداره النهائي، على بعد حوالي 1.5 مليون كيلو متر من الأرض، وتتمثل مهمته في الإجابة على أسئلة غامضة حول نشأة الكون بعد الانفجار العظيم قبل 400 مليون سنة، بغية فهم كيفية تشكّل النجوم ومراقبة الكواكب خارج المنظومة الشمسية.
وبلغت تكلفة التلسكوب 9 مليارات دولار، وهو الأضخم على الإطلاق، وأطلق عليه اسم "جيمس ويب" نسبةً إلى رئيس ناسا خلال فترة تأسيس الوكالة في الستينات من القرن الماضي.
اقرأ أيضاً: