تسلط سلسلة جديدة من الأبحاث، نُشرت في دورية الجمعية الأميركية لأمراض القلب، الضوء على كيفية تهديد التلوث، صحة الإنسان بشكل يفوق تهديدات الحرب، والإرهاب، والملاريا، وفيروس نقص المناعة البشرية، والسل، والمخدرات، والكحول مجتمعة.
وبحسب الدراسة، يرتبط تلوث الهواء الخارجي والداخلي بأكثر من 7 ملايين حالة وفاة مبكرة سنوياً، منها أكثر من 50% يعزى إلى أمراض القلب والأوعية الدموية، وبشكل رئيسي أمراض القلب، والسكتات الدماغية.
وتقول الدراسة إن نحو خُمس الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية -والمقدر عددها بنحو 20 مليون حالة وفاة سنوياً - سببها تلوث الهواء.
وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، والأمم المتحدة، تُوفي نحو 627 ألف شخص في عام 2021 بسبب الملاريا، فيما توفي 1.6 مليون شخص في عام 2022 بسبب السل، وقضي 630 ألف شخص في عام 2022 بسبب الإيدز، ويموت سنوياً نحو 3 ملايين شخص؛ بسبب إدمان الكحول والمخدرات.
الاحتباس الحراري وتلوث الهواء
وركز فريق دولي من جامعة إدنبرة، وكلية إيكان للطب في ماونت سيناي، والمرصد العالمي لصحة الأرض، وكلية بوسطن، والمركز العلمي في موناكو، والمركز الطبي الجامعي ماينز، ومعهد فيكتور تشانج الأسترالي لأبحاث القلب، على ظاهرة الاحتباس الحراري، وتلوث الهواء، والتعرض لدخان حرائق الغابات، بهدف تسليط الضوء على الدوافع الأقل شهرة لأمراض القلب بما في ذلك تلوث التربة، والضوضاء، والتلوث الضوئي، والتعرض للمواد الكيميائية السامة.
ويقول الباحثون إن هناك حاجة ملحة لتحسين مراقبة هذه الملوثات لتحديد المجتمعات الأكثر عرضة للخطر، ولتكوين فهم أفضل لكيفية زيادة التعرض لملوثات معينة من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية على المستوى الفردي.
ويقول المؤلف المشارك في الدراسة، جيسون كوفاسيتش، وهو المدير التنفيذي لمعهد فيكتور تشانج لأبحاث القلب، إنه يجب أن يكون هناك اعتراف أكبر بمخاطر التلوث، والدور الذي يلعبه في التسبب في حوالي تسعة ملايين حالة وفاة كل عام على مستوى العالم.
ويموت كل عام حوالي 20 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بسبب أمراض القلب، والأوعية الدموية، حيث تلعب الملوثات دوراً متزايداً باستمرار في هذا الصدد.
وبحسب الدراسة، فقد وصلت الملوثات إلى كل ركن من أركان العالم، وتؤثر في كل واحد منا، ويقول كوفاسيتش: "إننا نشهد حرائق غابات غير مسبوقة، وارتفاعاً في درجات الحرارة، وضوضاء غير مقبولة على الطرق، وتلوثاً ضوئياً في مدننا، وتعرضاً لمواد كيميائية سامة لم يتم اختبارها في منازلنا"، مؤكداً أن أجسادنا "معرضة للقصف بالملوثات من كل زاوية ما يؤثر سلباً على صحة قلوبنا".
وتشير الأدلة إلى أن عدد الأشخاص الذين يموتون قبل الأوان بسبب هذه الأشكال المختلفة للغاية من التلوث أعلى بكثير مما هو معترف به حالياً.
ومن المعروف أن الملوثات من العوامل المسببة لأمراض القلب والأوعية الدموية، ولكنها تؤثر في الجسم بطرق مختلفة، حيث يتعرض الإنسان لاستنشاق الدخان والسموم الأخرى مباشرة إلى عمق الجهاز التنفسي السفلي، وتصل إلى الدم، ومن ثم نقلها إلى أعضاء أخرى، وفي جميع أنحاء الجسم، ويمكن أن تسبب هذه الملوثات ما يعرف بالإجهاد التأكسدي الذي يمكن أن يلحق الضرر بالخلايا والأعضاء بما في ذلك القلب.
الضوضاء وصحة الإنسان
كما يمكن أن تؤثر الملوثات الأخرى، مثل الضوضاء، على أنماط النوم، وتؤدي إلى الالتهاب، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة الوزن، كما يمكن أن تؤدي الحرارة الشديدة أيضاً إلى الجفاف، وانخفاض حجم الدم، وزيادة إجهاد القلب والأوعية الدموية، والفشل الكلوي الحاد.
ويضيف البروفيسور كوفاسيتش: "رغم أن العديد من هذه الآليات البيولوجية معروفة، إلا أنه لا تزال لدينا فجوة كبيرة في فهمنا للعلاقة بين الملوثات وأمراض القلب".
وهناك مئات الآلاف من المواد الكيميائية التي لم يتم اختبارها للتأكد من سلامتها أو سميتها، وتقول الدراسة إنه منذ عام 1950 تم تصنيع ما يزيد عن 300 ألف مادة كيميائية اصطناعية جديدة، ولا يزال ملف السلامة البشرية للعديد من هذه المواد الكيميائية غير معروف.
وبحسب الدراسة، يحتاج البشر إلى اكتشاف ما إذا كانت هناك عوامل خطر أخرى تجعل الأشخاص أكثر عرضة للإصابة، مثل الحالات المزمنة، أو عوامل نمط الحياة، أو المكان الذي يعيشون فيه.
ويقول كوفاسيتش، إنه في المستقبل، سيتم اختبار الأشخاص، بشكل روتيني، للتأكد من تعرضهم لمزيد من الملوثات، تماماً كما يتم اختبار الأطفال حالياً للتعرف على التعرض للرصاص في الولايات المتحدة الأميركية.
ويدعو المؤلفون إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة مع "تغير المناخ، وتغلغل التلوث في الهواء الذي نتنفسه، والمياه التي نشربها، والطعام الذي نأكله، والأماكن التي نعيش فيها".
ويقدم فريق الباحثين مجموعة من التوصيات، منها: الدعوة إلى تنفيذ تغييرات صحية في تصميم المدن مثل زيادة الغطاء الشجري، والوسائل الآمنة للسفر النشط، وتقليل استخدام المركبات، مع إنهاء الدعم المقدم لصناعة الوقود الأحفوري؛ لتمكين المزيد من الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وإنتاج الطاقة النظيفة.