
فرض اسم خافيير أوليفان نفسه داخل شركة ميتا، فيسبوك سابقاً، بعد تعيينه مديراً للتشغيل مؤخراً، عقب رحيل شيريل ساندبيرج عن المنصب، والتي كانت تعد الشخص الثاني من حيث الأهمية داخل الشركة، بعد مؤسسها ومديرها التنفيذي مارك زوكربيرج.
الخبرة الطويلة والقدرة على ابتكار حلول غير تقليدية للمشكلات، إلى جانب عدم حبه للأضواء وعمله في صمت، كانت من العوامل الرئيسية التي وضعت "أوليفان" على كرسي المنصب الأكثر تأثيراً على مستقبل "ميتا" المحفوف بتحديات مصيرية، والتي قد يتسبب عدم مواجهتها في انهيار الامبراطورية الزرقاء للأبد.
نشأة "أوليفان" كانت في مدينة بيرينيز شمالي إسبانيا، ويجيد 5 لغات، من بينها اليابانية والألمانية بطلاقة، ودرس في إسبانيا الهندسة الكهربائية والصناعية، وحصل على فرصة عمل في شركة "سيمنز" قبل دخوله إلى ميتا.
ومع انضمامه إلى الشركة، كانت لدى "أوليفان" خلفية معلوماتية قوية بشأن طريقة استخدام رواد الإنترنت للشبكة العنكبوتية خارج الولايات المتحدة أفضل من أي شحص آخر داخل ميتا.
داهية "ميتا"
وفقاً لما نشرته بلومبرغ، فإن نجم أوليفان لمع منذ أيامه الأولى في "ميتا" عام 2007، حين كان اسم الشركة فيسبوك، خصوصاً فيما يتعلق بالتوصل إلى حلول مختلفة لتحديات الشركة، مثل تحدي توسع المنصة الاجتماعية عالمياً في عام 2008.
في ذلك الوقت كانت أمام الشركة عدة حلول، مثل الاستعانة بمترجمين لإطلاق نسخة مترجمة من المنصة، التي كانت تعتمد الإنجليزية فقط لغة لها، إلى جانب تفكير "زوكربرج" في الاستحواذ على منصة StudiVZ الاجتماعية الألمانية، لتكون نواة للتوسع في ألمانيا، ولكن المنصة الألمانية رفضت، وكان لدى "أوليفان" الحل الأمثل.
بعد توليه منصب مدير قطاع التوسع الدولي بالشركة، طرح "أوليفان" فكرة الاعتماد على المستخدمين من المتحدثين بلغة معينة لترجمة موقع المنصة الإنجليزي إلى لغتهم الأم، وبذلك توفر الشركة ملايين الدولارات التي كانت ستنفقها على الاستعانة بمترجمين، وكذلك مليارات الدولارات التي كانت ستضعها في صفقة المنصة الألمانية.
كما كانت تلك الفكرة أداة ذكية لتشجيع المستخدمين على إنشاء نسخة من فيسبوك بلغتهم، ما دعم شعورهم بأهمية مشاركتهم في بناء المنصة وتوسيع انتشارها.
الإصدار الألماني من فيسبوك أصبح جاهزاً خلال أسبوعين، وبعده بوقت قصير كانت النسخة الإسبانية جاهزة، أما الإصدار الفرنسي فأصبح جاهزاً خلال 24 ساعة فقط، وخلال 6 أشهر من بدء المبادرة الجديدة، أصبح فيسبوك متوفراً في 18 لغة عالمية.
خلال مسيرته المهنية داخل ميتا، أشرف "أوليفان" على عدد من القطاعات الحيوية داخل الشركة، ووقف وراء العديد من خطوات الشركة لتقديم الإنترنت للمستخدمين في بعض الدول النامية التي ترتفع بها كلفة الاتصال، مثل مبادرة Internet.org التي كانت تعد بين مجموعة من خدمات الإنترنت والخدمات الإخبارية، ومن بينها فيسبوك.
إلى جانب ذلك، تولى مسؤولية تطوير وإطلاق الإصدار الخفيف من فيسبوك Facebook Lite، الذي وصل عدد مستخدميه مؤخراً إلى 200 مليون مستخدم حول العالم.
ناعومي جليت، مديرة بقطاع تطوير المنتجات في ميتا، أشارت إلى أن "أوليفان" اعتاد أن تكون لديه نظرة أكثر شمولية واتساعاً، لتتمكن من إدراك احتياجات مستخدمي الإنترنت حول العالم وليس في منطقة أو إقليم معين.
وأضافت: "خافيير دائما يذكرنا بأن مستخدمي الإنترنت لا يستخدمون الأيفون.. هم مختلفون في استخدامهم واحتياجاتهم".
لحظات حاسمة
وشهد "أوليفان" العديد من لحظات ميتا الحاسمة، مثل قرار فصل خدمة التراسل الفوري فيسبوك ماسنجر عن المنصة الاجتماعية، لتصبح مستقلة بذاتها، ويتخطى عدد مستخدميها الحاليين حاجز المليار مستخدم.
كذلك، كان مدير التشغيل الجديد بالشركة هو أحد العوامل الرئيسية لإتمام صفقات حيوية شكلت مستقبل "ميتا"، مثل الاستحواذ على واتساب في صفقة قوامها 22 مليار دولار، إلى جانب الاستحواذ على أداة Onavo التحليلية لاستخدام الإنترنت.
وبحسب تقرير أعده مجلس الشيوخ الأميركي بشأن صفقة واتساب، فإن "أوليفان" كان عاملاً رئيسياً لإقناع "زوكربيرج" بالإقبال على الصفقة من الأساس.
أقنع أوليفان زوكربيرج عبر أداتين، الأولى هي استعراض معدل الانتشار والنمو غير المسبوق لواتساب، إلى جانب الدور المميز الذي ستلعبه خدمة التراسل الفوري لتعزيز تأثير فيسبوك داخل سوق الخدمات الإلكترونية، وهو ما كان كفيلاً بإقناع "مارك" بإتمام الصفقة.
وبحسب زملائه، فإن "أوليفان" كان يعتبر أحد أكثر الموظفين داخل "ميتا" استخداماً لواتساب، لأنه اعتمد عليه كوسيلة للتواصل الشخصي مع أصدقائه وعائلته في أوروبا.
"بعيداً عن الأضواء"
لا تواجد يذكر لمدير التشغيل الجديد على الشبكات الاجتماعية. وعلى فيسبوك حسابه يحمل 14 صورة فقط، يظهر في اثنتين منها فقط، بينما على إنستجرام، فإن حسابه شحصي وغير متاح الوصول إليه لغير المتابعين.
كما أن لقاءاته الإعلامية معدومة، وحتى اسمه غير متداول إلا في المستندات المقدمة للكونجرس والجهات الرسمية خلال الاستجوابات والتحقيقات التي خاضتها الشركة على مدار السنوات الماضية.
حتى الملف الشخصي الذي أعدته "بلومبرغ" عن "أوليفان"، رفض طلب الموقع للتعليق عليه.
التحديات المستقبلية
تمر "ميتا" حالياً بأوقات عصيبة حافلة بالتحديات، إذ تبرز توقعات بتسجيل الشركة خسائر تقدر بـ20 مليار دولار هذا العام، بسبب الخسائر المتتالية داخل الميتافيرس، واستمرار التأثير السلبي لسياسات أبل الإعلانية على أرباح ميتا الإعلانية. وكذلك الظلال الثقيلة للأزمة الاقتصادية العالمية، واشتداد المنافسة مع الشبكات الأخرى، وعلى رأسها تيك توك.
وعلى الأغلب اختيار "أوليفان" لتولي زمام المسؤولية في هذا التوقيت يرجع إلى إيمان "زوكربيرج" بقدرته على الخروج بالشركة من مشكلاتها، خصوصاً أنه سيشرف عبر منصبه الجديد على فرق مبيعات الإعلانات والشراكات والتحليلات الإحصائية، وتطوير النمو المؤسسي والبنية التحتية والنزاهة.
سيجعل ذلك من السهل على مدير تشغيل ميتا الجديد تقريب وجهات النظر لدى المعلنين ومطوري المزايا داخل تطبيقات ميتا، وذلك لم يكن متوفراً من قبل تحت قيادة "ساندبيرج".