كيف تتحول تطبيقات التراسل إلى منصات اجتماعية أكثر خصوصية؟

2023 كان عاماً صعباً على الشبكات الاجتماعية

time reading iconدقائق القراءة - 9
مستخدم يمسك بهاتف يظهر على شاشته تطبيق واتساب. 25 أكتوبر 2022 - AFP
مستخدم يمسك بهاتف يظهر على شاشته تطبيق واتساب. 25 أكتوبر 2022 - AFP
القاهرة-محمد عادل

واجهت منصات التواصل الاجتماعي في 2023 عاماً صعباً، مع تباطؤ نمو عدد المستخدمين الجدد، وبروز منصات التراسل كبديل يوفر مستوى أعلى من الخصوصية، وسط تنامي القلق بين المستخدمين من تحول تلك المنصات إلى مصدر تهديد لخصوصيتهم، وتزايد الإحساس بفقدان السيطرة على معلوماتهم الشخصية.

وشهد عام 2023، ارتفاعاً في أعداد صناع المحتوى، وهو ما ترافق مع زيادة كبيرة في مقاطع الفيديو المنتجة على تلك المنصات، والتي أثارت في جزء منها، انزعاج بعض المستخدمين مما اعتبروه "محتوى يشوبه الابتذال، والعنف، ويؤثر في الصحة النفسية".

ودفعت هذه التطورات بعض المستخدمين، وخاصة صغار السن منهم، نحو البحث عن بدائل تُشعرهم بقدر أكبر من الراحة إزاء خصوصيتهم، وتحكماً أكبر في ما يتعرضون له من محتوى.

وبدأت هذه الفئة من المستخدمين في الاتجاه بشكل أكبر نحو التواصل مع المقربين منهم، ومحاولة نشر محتوى أكثر شخصية، واستخدام المحتوى القابل للاختفاء بمرور 24 ساعة، وهو ما بدأ ببلورة ظاهرة سطوع نجم منصات وخدمات التراسل الفوري.

من "الشات" إلى شبكة اجتماعية

في مقابل القلق إزاء منصات التواصل الاجتماعي، بدأت خدمات التراسل الفوري تخرج من صورتها النمطية، المتمثلة في كونها وسيلة للتواصل النصي أو لمكالمات الصوت والفيديو عبر الإنترنت، وتحولت بشكل أكثر وضوحاً إلى مساحة أكثر رحابة لمشاركة محتوى شخصي بشكل أكبر بين المستخدمين وأصدقائهم وعائلاتهم.

كذلك، أصبحت منصات التراسل مساحات مميزة لصناع المحتوى، إذ بدأت منصات مثل تليجرام وواتساب، في تقديم العديد من المزايا الجديدة، التي نجحت في تحويلها إلى نافذة يمكن من خلالها تقديم محتوى بشكل جديد، ولكنه يصل إلى فئة محددة من الجمهور المتابع لصناع المحتوى، مع ضمان اطلاعهم عليه وتفاعلهم معه، بعيداً عن الوقوع تحت سيطرة خوارزميات عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي.

أشكال التفاعل

باتت خدمات التراسل الفوري تتيح أشكالاً من التفاعل التي كانت تميز الشبكات الاجتماعية، مثل ميزات التفاعل بالوجوه التعبيرية (Reactions) على الرسائل، والتي تتوفر في تليجرام وواتساب وماسنجر.

كما ابتكرت تليجرام ميزة مجموعات الدردشة (Group Chats) التي تعزز من التفاعل بين صناع المحتوى وجمهورهم.

وبفضل هذه الميزة، يمكن لصناع المحتوى نشر محتواهم على قنوات (Channels)، فيما يتاح للمستخدمين التعليق والتفاعل مع المحتوى المنشور على تلك القنوات.

إضافة إلى ذلك، فإن ميزة "الستوريز" أصبحت متاحة في جميع تطبيقات التراسل الفوري، ما يجعلها تسمح بمشاركة محتوى مصور بشكل أفضل وأقرب لما توفره شبكات التواصل مثل إنستجرام وفيسبوك وسناب شات وإكس.

وحلت مزايا مجموعات الدردشة Group Chats والقنوات Channels محل المجموعات النقاشية على فيسبوك Groups والصفحات الترويجية Facebook Pages على فيسبوك، وكذلك مثيلاتها على إنستجرام، إذ أصبح بإمكان صانع المحتوى إنشاء المحتوى ومشاركته مع جمهوره، والحصول على تفاعل الجمهور دون مغادرة تطبيق التراسل المفضل لديه.

مستقبل ميتا

بحسب إحصائيات منصة Statista، فإن منصة واتساب نجحت خلال عام واحد في رفع إجمالي المستخدمين النشطين على المنصة من 2 مليار مستخدم في فبراير 2022، إلى 2.78 مليار مستخدم في فبراير 2023، أي بمعدل زيادة 780 مليون مستخدم، في حين أن مستخدمي فيسبوك ارتفع إجماليهم بمعدل 64 مليون مستخدم فقط في المدة نفسها.

وقال المدير التنفيذي لـ"ميتا"، مارك زوكربيرج، إن "واتساب سيشكل الفصل الجديد في تاريخ ميتا"، وهناك أسباب عديدة تجعلنا نتوقع السر وراء تلك الرؤية.

أصبحت فيسبوك وإنستجرام شبكات سيئة السمعة بالنسبة للشركة، بداية من الملاحقات القضائية المتعلقة بتسريب بيانات المستخدمين وانتهاك خصوصية معلوماتهم واستخدامها بكل الطرق الممكنة للتربح من الإعلانات، وصولاً إلى التأثيرات السلبية على حالة المستخدمين النفسية والعقلية، وخاصة المراهقين، وما اعتبره مستخدمون "محاولات مستمرة لقمع حريات الرأي والتعبير"، على المنصة.

وبات واتساب هو المنطقة الوحيدة الذي ما زالت تحتفظ بمصداقيتها في أعين مستخدمي الإنترنت داخل إمبراطورية ميتا، إذ أن ميزة التشفير الطرفي End-to-End Encryption للمحادثات تجعل المستخدمين على ثقة بأن رسائلهم مؤمّنة ومشفرة، وكذلك رفض ميتا عرض الإعلانات داخل الخدمة، حتى الآن على الأقل، جعلها مختلفة عن بقية شبكات ميتا الاجتماعية الغارقة في متاهات إعلانية لا نهاية لها.

وأدى تزايد إقبال صناع المحتوى على واتساب لإنشاء قنوات Channels للتواصل مع جمهورهم كبديل لصفحات فيسبوك، وكذلك توجه الشركات إلى التواصل مباشرة مع المستهلكين من خلال حسابات رسمية على "واتساب بيزنس"، إلى زيادة الارتباط بالخدمة الخضراء، وفي نفس الوقت، سعى زوكربيرج إلى زيادة الأرباح.

وفي حوار له مع صحيفة برازيلية، أكد ويل كاثكارت، مدير واتساب، أن ميتا لا تفكر أبداً في عرض الإعلانات داخل المحادثات أو التطبيق بنفس الكثافة المقدمة على بقية خدماتها الاجتماعية، موضحاً أن الشركة تدرس إظهار الإعلانات في أماكن محدودة، مثل محادثات الشركات أو القنوات التابعة لصناع المحتوى، وكذلك داخل تحديثات الحالة Status، وهي الميزة الموازية لميزة الستوريز في السوشيال ميديا.

وقال كاثكارت: "واتساب تستبعد تماماً عرض الإعلانات داخل المحادثات الشخصية للمستخدمين، لأن هذا ليس الأسلوب الأمثل لتحقيق الأرباح من الخدمة".

تحوّل تليجرام

ولم تفوّت تليجرام فرصة اللعب على الاتجاه الجديد لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي نحو شبكات أكثر خصوصية، إذ ركزت الشركة خلال العام الجاري على تقديم مزايا جديدة، وأهمها ميزة الستوريز، والتي كانت في البداية متاحة فقط للمستخدمين المشتركين في Telegram Premium، قبل إتاحتها لعموم المستخدمين.

كذلك، قدمت الخدمة مؤخراً إمكانية إعادة نشر القصص (Stories) في تليجرام، إذ يمكن للمستخدمين إعادة نشرها مع إضافة نصوص ورسائل صوتية ومقاطع فيديو إلى القصص المشتركة، ما يزيد تفاعل المستخدمين مع المحتوى.

وقدمت تليجرام ميزة جديدة تسمى "الهدايا" (Gifts)، والتي تسمح لأصحاب القنوات بإجراء مسابقات داخل منصتهم، وتتيح هذه الميزة للقنوات جذب مزيد من المتابعين وتشجيع التفاعل مع المحتوى.

ورغم مزاياها الجديدة خلال 2023، إلا أن جهود تليجرام في مجال التحول لشبكة تواصل اجتماعي تمتد لسنوات طويلة ماضية، فقد سبقت غريمتها واتساب في قطاعات عديدة، مثل فتح مجموعات الدردشة أمام عدد لا نهائي من المستخدمين، مع إتاحة تداول ملفات بأحجام ضخمة غير مسبوقة في أي من خدمات التراسل المنافسة، ما شجع صناع المحتوى المصور على مشاركة المحتوى الخاص بهم على المنصة مع متابعيهم، بالإضافة إلى إتاحة الجلسات الصوتية ومكالمات الصوت والفيديو.

المستقبل في 2024

من المتوقع أن يشهد العام الجديد نقلة في سوق التراسل الفوري عبر مزيج من خدمات وأدوات الذكاء الاصطناعي، خاصة مع دخول ميتا بخدمات مختلفة لروبوتات الدردشة داخل قلب خدماتها للتراسل، ومن بينها ماسنجر وواتساب، وعلى رأس تلك الروبوتات مساعدها الذكي Meta AI.

وتتيح روبوتات ميتا حالياً لمستخدمي تطبيقات الدردشة الحصول على مقترحات بشأن أماكن في مواقع جغرافية معينة، وكذلك الحصول على إجابات لتساؤلات مختلفة، ومعلومات بشأن أخبار وأحداث آنية، مع إمكانية تصميم الصور بالأوامر النصية.

وما زالت الخدمات المنافسة، مثل تليجرام، غائبة عن استخدام التقنيات الذكية، ولكن من المتوقع أن نشهد خطوات متسارعة مع العام الجديد في هذا السياق.

كذلك، تشير التوقعات إلى تركيز أكبر من الشركات المطورة لخدمات التراسل على خلق مصادر أرباح لصناع المحتوى على متنها، وفي هذا القطاع كان السبق لتليجرام، فيمكن لصانع المحتوى إنشاء قنوات يقدم من خلالها محتوى مدفوع حالياً، إذ يحتاج المشترك لدفع مقابل مالي بشكل دوري للحصول على محتوى حصري عال الجودة، وقد نشهد تعميقاً أكبر لفكرة التسوق والدفع المباشر عبر تطبيقات التراسل.

وقد تتحول تطبيقات التراسل الفوري Chatting بخطوات بطيئة، ولكن ثابتة باتجاه أن تكون تطبيقات شاملة، أو كما يصفها الملياردير إيلون ماسك Super App، والتي تتيح للمستخدمين التسوق بداخلها ونشر المحتوى وربح المال وإجراء المكالمات والاستمرار في التراسل مع المقربين، وكل ذلك داخل تطبيق واحد، لينتشر بذلك النموذج الذي قدمه التطبيق الصيني الشهير "وي شات" على مستوى العالم.

تصنيفات

قصص قد تهمك