مكّن تدشين جدارية "ألف آجرة وآجرة"، وهو عمل فنّي جماعي في المدينة العتيقة في العاصمة التونسية، من إظهار الوجه الخفي والمبدع لنحو مئة من ذوي الإعاقة وتاركي المدارس، حاولوا بطريقتهم الترويج لهذا المكان التاريخي الذي يعتبر من جواهر العالم العربي.
وعلى مدار عام وفي مئات ورش العمل، شارك أكثر من 550 شخصاً من مختلف الاختصاصات في تصميم وإنجاز مجسم ضخم من قطع الآجر المنقوشة والمنحوتة والملونة، ثُبّتت لاحقاً في ساحة بالمدينة القديمة التي صنّفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" العام 1979، كموقع محمي.
ويهدف المشروع في بعده الواسع إلى تطوير الفضاء العام، في وقت شهدت الساحة، التي عُرضت فيها اللوحة الجدارية، تحولات كبيرة، لدرجة أنها أصبحت موقفاً للسيارات ومكباً للنفايات قبل أن يبدأ وضعها في التحسّن منذ العام 2021.
مدينة مجازية
وقالت آن فرانسي (68 عاماً)، وهي فنانة سويسرية متزوجة من تونسي، إن الشباب في المشروع، الذي يتخيّل المشاركون فيه مدينة مجازية، صمّموا "مدينة التحدي" المؤلفة من قطع آجر جميلة جداً منقوشة ومنحوتة بوسائلهم الخاصة، للحصول على نتيجة قريبة جداً من تعبيرات الفن المعاصر.
وأوضحت الفنانة، التي تتلقى دعماً من جهات سويسرية وفضّلت استخدام الآجر دون مواد أخرى بسبب توافره واستخدامه بشكل كبير في قطاع البناء في تونس، أن جدارية "ألف آجرة وآجرة" مستوحاة من قصة "ألف ليلة وليلة".
بدوره، قال محمد بوليلة (52 عاماً)، وهو مدرّب في "الجمعية العامة للقاصرين عن الحركة العضوية" خلال إحدى الورش: "حتى مع وجود إعاقة كبيرة، يترك الطفل بصماته وتوقيعه على ما يصنعه. يجب ألا يقول لنفسه أنا عاجز، بل ينبغي أن يعيش اللحظة، ويعطي روحاً لكل ما يفعله".
ويشرح بوليلة، الذي يعاني إعاقة، طريقة استخدام الآجر لتزيين باب أو نافذة أو منزل، قائلاً: "لدينا القدرة على الإنجاز رغم كل شيء، وأن نظهر للمجتمع أنه لا ينبغي اعتبارنا معوّقين فحسب".
جذب سياحي
وترى فرانسي أنّ "المشاريع التشاركية"، كهذا المشروع، تشكّل "هروباً من طبيعة تلقي المعرفة الفنية المتمثلة في أستاذ يرسم على جدران بينما يتولّى آخرون التزيين بأشكال مصممّة مسبقاً".
وتعتبر أن مزج إبداعات أشخاص من مختلف المستويات الاجتماعية، من عاطلين عن العمل وصولاً إلى طلاب الهندسة المعمارية أو الفنون، يعد وسيلة لـ"الالتقاء حول مشروع بناء يجعلنا نحلم بمجتمع متناغم رغم الصعوبات التي تواجهها البلاد".
من جانبه، يعمل رؤوف حدّاد (42 عاماً)، المولود في حي الحفصية الشعبي، في نقل البضائع إلى الأسواق عبر عربته، ويأتي يومياً لتفقّد عمليات تركيب الجدارية وتقديم المساعدة من خلال نقل بعض المواد والمساعدة في التركيب.
وقال: "يجب أن تصبح المدينة بأكملها على هذا النحو، إذ ثمة أسطح وجدران وأزقة متداعية لا يستطيع الناس المرور فيها، وهي غير مُضاءة".
وينتاب حداد إحساس بأن ميدان "سيدي مفرّج"، سيصبح مماثلاً لشارع "باتمان" في سان باولو البرازيلية، والذي بقي مهملاً لبعض الوقت قبل أن يصبح بفضل فنّاني الشوارع منطقة جذب سياحي.